كتبت – أماني ربيع

ودعت مصر، الإثنين ١٩ مارس 2023، الباحث والمفكر الكبير حلمي شعراوي رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية عن عمر 88 عامًا، وهو رحيل مؤلم لمناضل ومفكر كرس حياته لقضايا القارة الأفريقية، وآمن بأهمية مد جسور التواصل بين مصر وأفريقيا.

يعد حلمي شعراوي شيخ الدراسات الأفريقية وخبيرًا في الشأن الأفريقي، وهو مؤسس مركز البحوث الأفريقية ورئيس لجنة ملتقى تفاعل الثقافات الأفريقية بالمجلس الأعلى للثقافة، وكان من أهم المتخصصين في الدراسات الأفريقية وأثرى المكتبة العربية بتراثه الفكري، وكانت القارة السمراء موضوعه الدائم؛ حيث تبنى قضاياها منذ ستينيات القرن الماضي.

مصر ودعم حركات التحرر الأفريقي

كان الراحل شاهدًا على الدور الكبير الذي لعبته مصر في مساندة ودعم حركات التحرر الأفريقي في ستينيات القرن العشرين، خلال فترة عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي وضع قضايا القارة الأفريقية على رأس أولوياته، وعايش شعراوي على أرض الواقع ملحمة نضال الدول الأفريقية ضد الاستعمار، في إطار عمله كمنسق لمكاتب التحرير الأفريقية في مصر عام 1960.

زار حلمي شعراوي دولا أفريقية عديدة، وفي عام 1961، كان ضمن الوفد المصري الذي سافر للاحتفال بمرور عام على استقلال تنجانيقا “تنزانيا” حاليًّا، وتعد هذه الزيارة أولى زياراته الأفريقية، واللافت، أن البلد المستقل حديثًا جذب شعراوي إليه، فقرر البقاء فيه، ولم يعد مع الوفد المرافق له إلى مصر، وقرر البقاء في تنجانيقا لفترة، ومن هنا كانت بداية تحول شعراوي إلى الدراسة والتحليل، وكذلك بداية دوره البارز في الشأن الأفريقي.

وفود القوة الناعمة

وبعد تنجانيقا، شارك شعراوي كعضو في وفود مصرية أخرى للمشاركة في احتفالات ذكرى استقلال العديد من الدول الأفريقية، منها: زنجبار عام 1963، التي سافر إليها ضمن وفد يضم الرئيس الراحل محمد أنور السادات والقارئ الشيخ محمود خليل الحصري، وكذلك فرقة رضا للفنون الشعبية التي كانت تعد إحدى أذرع القوة الناعمة المصرية في ذلك الوقت.

وفي عام 1975، سافر شعراوي للاحتفال بذكرى استقلال أنجولا وموزمبيق، واستمرت مسيرة المفكر الراحل كمسؤول حركات التحرر الأفريقية من عام 1960 وحتى عام 1975، حيث أحيل للمعاش وسنه لم يتجاوز الأربعين، بسبب الصدام مع نظام الرئيس أنور السادات.

مسيرة حافلة

ولد حلمي شعراوي في عام 1935، ودرس علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة القاهرة التي تخرج منها عام 1958، وخلال مسيرته الحافلة شغل مناصب عديدة، وعمل باحثًا في الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية في السنوات من 1960 وحتى عام 1975، وعمل كسكرتير عام مساعد الجمعية الأفريقية من عام 1960 وحتى عام 1979، وكان الرئيس الأسبق لجمعية العلوم السياسية والأفريقية، ومدير مركز البحوث العربية والأفريقية.

عاشق أفريقيا

درّس شعراوي في جامعة جوبا بجنوب السودان، كأستاذ للعلوم السياسية، واستثمر خبراته وتجاربه، عندما عمل خبيرًا في العلاقات العربية الأفريقية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، كما كان عضوًا في العديد من اللجان والمجالس على المستوى المحلي والإقليمي.

خلال هذه المسيرة الطويلة والحيوية، أطلقت العديد من الألقاب على حلمي شعراوي، منها: “عاشق أفريقيا”، و”شيخ الدراسات الأفريقية”، كما اعتبر الكثير من الباحثين والمثقفين أحد الرواد المصريين لحركة التحرر الأفريقي، نظرًا لدوره البارز في هذا الصدد خلال فترة عمله برئاسة الجمهورية في عهد الرئيس عبد الناصر.

سيرة مصرية وأفريقية

قدم شعراوي العديد من المؤلفات والدراسات العلمية الهامة عن أفريقيا، باللغتين العربية والإنجليزية، منها: “الثورة الأفريقية في أنجولا”، ” قراءة جديدة لوقائع العلاقات بين حركتي التحرر العربية والأفريقية”، “رياح العنصرية تعصف ببلدان الجنوب”، “السودان في مفترق الطرق”، و”الثقافة والمثقفون في أفريقيا”، “في ثقافة التحرر الوطني”.

 وقدم أيضا العديد من الترجمات منها: كتاب “اللغات الأفريقية وتعليم الجماهير” لكويسي براه، وراجع كتاب “دراسات أفريقية عن الحركات الاجتماعية والديمقراطية، في أفريقيا والعالم العربي” لمحمود ممداني.

ومع انحسار الدور المصري في أفريقيا، بعد انتهاء حقبة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، استمر شعراوي في التأكيد على أهمية هذا الدور لمصر، وقدم من خلال كتابه “سيرة مصرية أفريقية”، سيرة حياته التي ضفرها بأحداث من مسيرته التي رافقت العديد من اللحظات الكبرى في التاريخ الأفريقي.

خلال هذا الكتاب لم يكن شعراوي مجرد راصد للأحداث بل محللًا لها، وبخلاف الشأن السياسي، رصد أيضا الحياة الاجتماعية في مصر وأفريقيا، لذا اعتبر العديد من الخبراء والباحثين في الشأن الأفريقي هذا الكتاب وثيقة مستندة إلى خبرات حية بإمكانها دعم صناع القرار في مصر فيما يتعلق بالشأن الأفريقي.