كتب – د. محمد فؤاد رشوان
باحث في الشؤون الأفريقية

تُعقد في الخامس والعشرين من فبراير الجاري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نيجيريا، تليها  انتخابات لحكام الولايات في 11 مارس، وتكتسب تلك الانتخابات أهميتها كونها تُعقد في واحدة من كبرى الدول الأفريقية، إذ تُعتبر نيجيريا أكبر اقتصاد في أفريقيا بناتج إجمالي يُقدر بأكثر من 510 مليارات دولار بحسب بيانات البنك الدولي.

وتُمثل نهاية حكم الرئيس بُخاري مرور 24 عامًا من الديمقراطية المستمرة في نيجيريا، وهي أطول فترة منذ الاستقلال، في وقت تزايدت فيها الشائعات حول قيام الرئيس بُخاري بإجراء تعديلات دستورية تضمن استمراره في الحكم بعد انتهاء فترتي ولايته كما يقضي الدستور.

ويسعى هذا المقال لإلقاء الضوء على التحديات التي تواجهها الانتخابات العامة في نيجيريا في ظل واقع تهيمن عليه القضايا الاقتصادية والتهديدات الأمنية وانتشار الجماعات المتطرفة.

أولًا: إقبال الشباب لتأكيد المسار الديمقراطي

تأتي أهمية الانتخابات المزمع انعقادها في 25 من فبراير باعتبارها تأكيد على استمرار التجربة الديمقراطية في نيجيريا لفترة تقترب من الربع قرن في نهاية فترة حكم الرئيس الحالي محمد بخاري البالغ من العمر 80 عامًا؛ حيث انتقلت نيجيريا من الحكم العسكري إلى الحكم المدني في عام 1999، وبالتالي تعد أطول فترة في تجربة البلاد نحو الديمقراطية وستكون هي المرة الثانية التي يترك فيها رئيس نيجيري الحكم طواعية بعد انتهاء ولايته الثانية، وفقًا لما يقرره الدستور النيجيري [1].

 كما تأتي أهمية تلك الانتخابات كونها تُعقد وسط أجواء تهيمن عليها التحديات الاقتصادية والأمنية وانتشار الجماعات الإرهابية وتفشي الفساد في البلاد بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى إلى تزايد الدعوات لمشاركة الشباب النيجيري؛ حيث استمرت حملة تسجيل الناخبين الجدد اثني عشر شهرًا من أجل تسجيل أكثر من 11 مليون ناخب جديد يمثلون أكثر من 84 % ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، ويأتي هذا الحماس من قبل الشباب النيجيري الذي يسعى لتغيير الأوضاع في بلاده عقب نجاح الاحتجاجات التي تم تنظيمها في عام 2020، والتي ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تحفيز التعبئة لها، والسبب الآخر هو حالة الإحباط التي يعيشها الشباب نتيجة الركود الاقتصادي وتزايد معدلات البطالة بشكل غير مسبوق في البلاد[2].

أما عن السبب الثالث، والذي أدى إلى إقبال الشباب على تسجيل أنفسهم في قواعد الناخبين، هو التعديلات الأخيرة التي تمت على قانون الانتخابات، وتتيح التصويت الإلكتروني وتجميع الأصوات وإرسال النتائج، الأمر الذي يعطي بارقة أمل في تقليل فرص تزوير الانتخابات وما يصاحبها من أعمال عنف نتيجة التلاعب في نتائجها، وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه عملية التصويت الإلكتروني في المناطق النائية نتيجة لضعف البنية التحتية، إلا أنها تمثل خطوة من أجل مزيد من الكفاءة والشفافية والقضاء على التزوير الانتخابي المتأصل في النظام اليدوي القائم[3]، خاصة مع نجاح تجربة إجراء التصويت الإلكتروني في الانتخابات التي شهدتها ولاية كادونا عام 2018، والتي شهدت لأول مرة التصويت الإلكتروني وبتأمين عالٍ لمخرجات العملية الانتخابية في أكثر من 5739 نقطة تصويت في الولاية.[4]

 ثانياً: أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية  

بدأت الأحزاب السياسية في نيجيريا اختيار أسماء مرشحيها للانتخابات الرئاسية لذا فقد ظهر المشهد الانتخابي معقدًا بعض الشيء؛ ففي حين رشح الحزب التقدمي الحاكم جنوبيًّا مسلمًا هو بولا تينوبو، إلا أن العامل الجغرافي قد يرجح كفة حزب الشعب الديمقراطي المنافس الرئيس للحزب الحاكم، والذي رشح شماليًّا مسلمًا هو أتيكو أبو بكر الذي ينتمي إلى جماعة الفولاني الأكثر نفوذًا في الشمال الغربي. [5]

وعلى جانب آخر عمل حزب العمال – ثالث أكبر الأحزاب في البلاد – على ترشيح بيتر أوبي الذي ينتمي إلى اثنية الإيبو ثالث أكبر جماعة اثنية في نيجيريا، والذي يسعى إلى اجتذاب أصوات الناخبين من الشرق، خاصة أنهم لم يقدموا سوى رئيس واحد للبلاد منذ استقلالها وهو الجنرال أيرونسي.

ويعد أوبى البالغ من العمر 61 عامًا هو أوفر المرشحين حظًّا في الانتخابات الرئاسية النيجيرية، والذي يكتسب شعبية كبيرة نظرًا لخطابه المؤثر والحماسي، وكذلك نجاحاته التي اشتهر بها خلال عمله كحاكم لولاية أنامبرا، خاصة في مجالات الإصلاح التعليمي، كذلك الصورة السلبية للمنافسين الأبرز، وهم تينوبو وأبوبكر باعتبارهما يمثلان تكريسًا للوضع الراهن الذي يعاني منه الجميع، كما تلاحق أبو بكر شبهات فساد مالي مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.[6]

فيما تشهد تلك الانتخابات ظاهرة جديدة، وهي وجود خمسة مرشحين من جيل الشباب والذين يعولون على زيادة الوعي لدى الشباب النيجيري ومساهمتهم الفعالة لتغيير واقع بلادهم عبر اختيار مرشحين من الشباب برؤية وأفكار جديدة، وهم: أموين كريستوفر 39 عامًا، أوبيج برنسبى 44عامًا، كاشيكو دومبى 48 عامًا، نوميدو شارلس 49 عامًا، وأودينجا صنداي 48 عامًا.[7]

ثالثًا: أبرز التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد

يواجه الرئيس النيجيري الجديد العديد من التحديات على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي فوفقًا لآخر استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها يشعر حوالي 89 % من المواطنين بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، بينما لا يرضى 77% من السكان عن الطريقة التي كانت تدار بها البلاد خلال الفترة الماضية، ومن أبرز تلك التحديات:

1 . التحديات الاقتصادية

تواجه نيجيريا العديد من التحديات الاقتصادية المتلاحقة منذ سنوات منها ارتفاع معدل الاقتراض والديون الخارجية وارتفاع معدلات التضخم وتزايد نسب البطالة في البلاد نتيجة لانعدام الأمن، وهي الأزمات التي يواجهها الرئيس المنتخب الجديد، ويجب عليه السعي لمواجهتها بطرق غير تقليدية وسريعة، ويظهر ذلك جليًّا من خلال ما يشهده عجز الموازنة العامة للدولة  الذي بلغ 22.8 % تم تغطيته بالاقتراض حتى وصل الدين العام 95.8 مليار دولار بنهاية عام 2021، وارتفع معدل التضخم بنسبة 17.9 % [8]، وإلى 21% بنهاية عام 2022، وقد بلغ معدل البطالة في نيجيريا حوالي 43% وتعكس هذه النسبة مَن يبحثون عن عمل بشكل جاد، بينما تخلى عدد كبير عن البحث عن وظائف بعد سنوات من الجهود غير المثمرة، وبنهاية عام 2022 بلغ عدد من يعيشون تحت خط الفقر 133 مليون نيجيري (63 % من السكان)، وهو ما يعنى ازدياد خطر الجوع بالتزامن مع الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد وأدت لتشريد ونزوح أكثر من مليون شخص، كذلك انخفضت قيمة النيرة النيجيرية بنسبة 4% في السوق الرسمية، وبنسبة 20 % في السوق الموازية، وهو ما يعني ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية .[9]

2 . التحديات الأمنية

يواجه الرئيس النيجيري الجديد تحديًا هو الأبرز على الساحة النيجيرية وهو الملف الأمني، خاصة مع تردي الأوضاع الأمنية في البلاد وارتفاع معدلات الجريمة وتزايد الجماعات الانفصالية في شتى أنحاء البلاد، وهو الأمر الذي تعاني منه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان، خاصة مع ظهور جماعة بوكو حرام الإرهابية منذ عام 2009 لا سيما في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، وواصلت انتشارها في مناطق أخرى وقامت بأعمال تخريبية مثل الهجمات على المدنيين وعمليات الاختطاف للحصول على فدية والهجمات على المدارس، ولم تنجح الحكومة النيجيرية في إيجاد حل لتلك المعضلة الأمنية في البلاد.[10]

وفي ذات السياق تواجه نيجيريا أزمة متفاقة ومستمرة منذ عشرات السنين، وهي الاشتباكات بين الرعاة والمزارعين، وعلى الرغم من كون تلك النزاعات منتشرة في منطقة الساحل الأفريقي بالكامل إلا أنه – وبسبب التغيرات المناخية وقلة انتشار المراعي – أصبح الوضع أكثر سوءًا نتيجة لزيادة الاشتباكات والتي راح ضحيتها الآلاف بسبب محدودية الموارد، وهو ما دعا حكومات الولايات إلى حظر الرعي في الأراضي المفتوحة وبالتالي خلق احتكاكات مع الحكومة المركزية.[11]

فضلًا عما سبق، تعاني نيجيريا أيضًا من انتشار عصابات الاختطاف أو ما يُعرفون بقطاع الطرق، وهم يشكلون أكثر التهديدات الأمنية خطرًا على العائلات نتيجة للاختطاف المتكرر لتلاميذ المدارس، وتشير العديد من التقارير إلى اختطاف أكثر من 10000 شخص منذ ديسمبر 2020، ولم يُطلَق سراحهم إلا بعد طلب فدية بآلاف الدولارات، الأمر الذي أدى إلى فرار العديد من العائلات من منازلهم بحثًا عن مناطق أكثر أمنًا وإغلاق مئات المدارس .[12]

ومن ناحية أخرى، تعد نيجيريا واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط، وهي العضو الحادي عشر بمنظمة أوبك، وأول الدول الأفريقية جنوب الصحراء في عضوية المنظمة، إلا أن الأوضاع الأمنية المتردية أدت إلى فقدانها مبالغ طائلة من عائداتها النفطية؛ حيث تخسر ما يعادل نصف مليون برميل من النفط يوميًّا وتبلغ خسائرها الشهرية حوالي 700 مليون دولار، وقد بلغت إجمالي الخسائر بين يناير ويوليو أكثر من 10 مليارات دولار نتيجة لانتشار عصابات سرقة النفط في دلتا النيجر، والتي تشكل تهديدًا خطيرًا على الاقتصاد النيجيري، والذي يعد البترول هو المصدر الرئيس للدخل بها، وهو ما دفع إدارة الرئيس بخاري لدفع ما يقارب من 100 مليون دولار لعقود تأمين البنية التحتية النفطية في البلاد. [13]

وختامًا تطغى المخاوف من العنف والتهديدات الأمنية على المشهد الانتخابي في نيجيريا والذي يشكل استمرارًا لنجاح العملية الديمقراطية في نيجيريا منذ بداية الألفية الجديدة، خاصة مع ازدياد الهجمات العنيفة ضد التجمعات السياسية في الآونة الأخيرة فقد تعرض موكب المرشح أتيكو أبوبكر لهجوم في مدينة مايدوجوري، وفي نفس الأسبوع وقع هجوم آخر على أحمد تينوبو مرشح حزب المؤتمر التقدمي عند إطلاق حملته الانتخابية، وهو ما يلقي بظلاله على حجم التحديات الكبيرة التي يواجهها المرشح الرئاسي الفائز في الانتخابات القادمة، خاصة فيما يتعلق بالجانبين الأمني والاقتصادي باعتبارهما يواجهان تحديات كبيرة تهدد استقرار البلاد واستمرار نجاح تجربتها الديمقراطية المستمرة منذ عام 1999.


[1] https://www.crisisgroup.org/africa/west-africa/nigeria/countdown-begins-nigerias-crucial-2023-elections

[2] https://reliefweb.int/report/nigeria/qa-countdown-begins-nigerias-crucial-2023-elections

[3] https://guardian.ng/news/2023-election-results-will-be-transmitted-electronically-inec-clarifies-2/

[4] https://www.emperortech.com/case-studies/Electronic-Voting/Nigeria%E2%80%99s-first-ever-Electronic-Voting-Election-introduced-in-Kaduna-State.html

[5] https://2u.pw/IjeOeC

[6] صراعات انتخابية يشهدها العالم في 2023 بجريدة الاتحاد الاشتراكى على الرابط :

https://2u.pw/Ttc270

[7] https://www.bbc.com/pidgin/articles/cg3979lpj34o

[8] https://www.afdb.org/en/countries-west-africa-nigeria/nigeria-economic-outlook

[9] https://2u.pw/tDqsAN

[10] https://www.aa.com.tr/en/africa/nigeria-grappling-with-security-challenges-for-over-a-decade/2620036

[11] https://www.bbc.com/news/world-africa-57860993

[12] https://2u.pw/HFELgN

[13] https://www.thisdaylive.com/index.php/2022/12/06/crude-oil-theft-whither-nigeria/