كتبت – أسماء حمدي
على الحدود الغربية لغانا، تطفو قرية نزوليزو فوق مياه بحيرة تاداني، المليئة بالمستنقعات الكثيفة، وتنتشر بها مئات الأكواخ الخشبية التي بنيت على ركائز خشبية متينة ومنصات منحوتة من نخيل الرافية، بالإضافة إلى كنيستين ودار ضيافة صغير وبار ومدرسة ابتدائية.
حياة فريدة
بنيت “نزولوزو” أو القرية العائمة كما يعني اسمها باللغة المحلية، منذ أكثر من ثلاثة قرون من قبل بعض الصيادين المهاجرين من مالي وتتوسط هذه البلدة بحيرة صغيرة و لا يمكن الوصول إليها إلا عبر القوارب الصغيرة و تترابط أحيائها عبر جسور خشبية قديمة.
تجذب نزوليزو الخلابة، الواقعة على بعد 300 كيلومتر (186 ميلاً) من العاصمة الغانية أكرا، تدفقًا ثابتًا من السياح إلى بحيرة تادان، وهي موطن لأكثر من 500 شخص، يعيشون حياتهم فوق المياه بطريقة عادية بدءًا من إعداد وجبات الطعام وحتى ذهاب الأطفال إلى المدرسة.


يعتبر سكان القربة سباحين بالفطرة حيث تعد البحيرة موطنا ومورد رزق لجميع السكان، ومنذ سنواتهم الأولى يتم تعليم الأطفال السباحة والتجذيف والصيد و لكل عائلة قاربها الخاص الذي يعتبر بمثابة السيارة كما يقدم في بعض الأحيان كمهر للزوجة.
وفي حديثه لصحيفة “الجادريان” البريطانية، يقول جون آرثر، وهو شيخ مجتمعي يبلغ من العمر 60 عامًا، إن أوائل سكان نزوليزو جاءوا من مالي في القرن الخامس عشر بعد حرب مع شعب ماندي في غرب إفريقيا على أرضهم الخصبة والذهب.
لكن الأسطورة تقول، إن أسلاف نزوليزو قادهم إلههم الذي ظهر في شكل حلزون إلى بحيرة تاندان في غانا، يقول آرثر: “طلبت الروح منهم بناء منازلهم على الماء من أجل السلامة والأمن”، وبعد عدة قرون، لا يزال سكان نزوليزو يعيشون على هياكل خشبية.


السياحة على ركائز متينة
تشتهر القرية الواقعة على المياه بمحلجها المحلي المعروف باسم أكبيتشي، والذي يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، كما يحرصون على تذوق الكحول المصنوع من نخيل الرافية، إذ يشعرون أنه مختلف تمامًا ومذاقه جيد مقارنة بالأماكن الأخرى.
بدأت السياحة في نزوليزو منذ 20 عامًا، إذ يأتي معظم السياح من مدن مختلفة في غانا وخارجها، كما تعرف أيضًا بأنواعها النادرة من السلاحف والقرود والتماسيح.


يستفيد السكان من التبرعات الخيرية السياحية، فعندما يأتي السائحون يشترون المواد الغذائية والهدايا التذكارية، بل إن البعض يأتون مع هدايا لدعم المجتمع.
حافظ الناس في نزوليزو على نمط معيشتهم التقليدي لعدة قرون، لكنهم أدخلوا بعض وسائل الراحة الحديثة مثل الكهرباء مما يعني أنهم لم يعودوا يعتمدون على الكيروسين والفوانيس لتزويدهم بالطاقة.
ويأمل السكان، أن تقوم الحكومة ببناء مرفق رعاية صحية يعمل على مدار الساعة، إذ يقوم سكان نزوليزو بتقديم قضية إلى السلطات المحلية لإنشاء مرفق رعاية صحية لهم.
يعمل سكان نزوليزو، التي تعرف بأنها سطح مائي، بشكل أساسي في الزراعة وصيد الأسماك، إذ يسافرون بالزورق إلى السوق الأسبوعي على الأرض لشراء المنتجات وبيعها.


الخوف من الماء
رشحت القرية في عام 2000 لإدراجها كموقع للتراث العالمي لليونسكو، وهي مدرجة في قائمة زوار الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، الذين لديهم فضول حول طريقة فريدة للحياة على الماء، لكن البحيرة الشاسعة التي تجعل هذا المكان خلابًا للغاية هي أيضًا سبب عدم رغبة أحد في العمل هنا، وخاصة المعلمين.
أُعيد بناء المدرسة، المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 14 عاما، مؤخرا بعد أضرار الفيضانات، وتضم المدرسة أربعة فصول دراسية و81 تلميذا، واثنين فقط من المعلمين.
عمل إيمانويل بونسو في المدرسة لمدة 14 عاما، أولا كمدرس مجتمعي، قبل التأهل في عام 2018 في ذلك الوقت، شهد عددا لا يحصى من الموظفين يأتون ويذهبون، يقول بونسو: “معظم المعلمين، عندما يتم نقلهم إلى هذا المكان، لا يمكثون طويلا، إنهم خائفون من الماء”.
يشرح بونسو أنه لا توجد ثقافة تعلم السباحة في غانا، ولا يتم تدريسها في المدارس، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم انتشار حمامات السباحة في البلاد، لذلك، في حين أن سكان نزوليزو هم سباحون أقوياء منذ سن الرابعة، لكن موقع القرية يمثل تحديًا للمعلمين الذين يأتون من مناطق أخرى من البلاد.
وفقًا لمدير المدرسة إيفانز كودجو، فإن بعض الموظفين يمكثون بضعة أشهر، والبعض الآخر أسابيع قليلة، وعندما تمطر بغزارة أو إذا كانت هناك عواصف شديدة، يمكن أن تغرق المنازل قليلا، فأن هذا يجعلهم يشعرون بالخوف أكثر”.
بونسو وكودجو من بلدة بيين الواقعة على البر الرئيسي، تعلم كلاهما السباحة عندما بدآ العمل في المدرسة، لكنهما اعترفا بأن الأمر استغرق بعض الوقت للتعود على محيطهما الجديد.
يقول كودجو: “كنت خائفًا جدًا، وفي الحقيقة كدت أن أتوقف عن المجيء، إنها أرض مستنقع بمياه عميقة، حوالي 25 قدمًا ومظلمة جدًا”، مشيرا إلى أن التماسيح لا تقترب من القرية لكن الكثير منها يعيش في البحيرة.


تحديات هائلة
نقص المعلمين يعني أن كودجو يقضي أيامه في الفصل، بالإضافة إلى جميع مهامه كمدير، كما أنه لا يزال يعيش في البر الرئيسي، إذ توجد هناك تغطية هاتفية وإمكانية وصول إلى الإنترنت أكثر، وكل صباح يقوم برحلة مدتها ساعة واحدة إلى المدرسة بالزورق.
يعيش بونسو في القرية مع أسرته في سكن مجاني للموظفين ولكن الدعم الحكومي ينقصه، وبخلاف ذلك، لا يوجد مركز صحي في نزوليزو، على الرغم من الضغط من قبل السكان، ولا توجد معدات أمان مثل سترات النجاة، مما يزيد من التحديات الأخرى المتمثلة في جذب المعلمين.
يقول بونسو: “تفتقر المدرسة أيضًا إلى الموارد، إذ يتطلب المنهج الوطني من الطلاب تعلم كيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر، ولكن لا يوجد جهاز واحد يمكنهم التدرب عليه، إذ لا يمكن مقارنة أداؤنا التعليمي بتلك المدارس على الأرض، مع فصلين كبيرين وأعمار مختلطة”، متسائلا: ” ما الذي من المفترض أن تدرسه في يوم واحد؟”.
ما تتمتع به المدرسة هو دعم قوي من سكان نزوليزو، إذ يتم مساعدة بونسو كودجو من قبل 4 مساعدين في الفصل الدراسي لديهم تعليم ثانوي ويأتون في أيام مختلفة للمساعدة، ويتم الدفع لهم من صندوق مجتمعي ممول من التبرعات السياحية.
أحدهم هي برابا جيفتي، 23 عامًا، الذي عادت إلى منزلها في نزوليزو بعد إكمال تعليمها الثانوي في تاكورادي، وهي مدينة صناعية تبعد 56 ميلاً (90 كم)، وعلى الرغم من الجمال والهدوء في قريتها، إلا أن جيفتي ترى أن قلة المعلمين أمر معقد للغاية.
وتأمل جيفتي أن تتمكن يومًا ما من الالتحاق بالجامعة، وفي الوقت الحالي، العمل كمعلمة مجتمع يعني أنها تستطيع مساعدة أطفال نزوليزو على النجاح في المدرسة كما فعلت.
يقول كودجو، إن الحكومة يجب أن تفعل المزيد لتوظيف المعلمين والاحتفاظ بهم في نزوليزو، مثل توفير الحوافز ومعدات السلامة لأولئك الذين لا يعرفون كيفية السباحة، وتوفير سترات النجاة ومزيد من القوارب”، مضيفا: “إذا أتيحت لنا هذه الفرص، وتوفرت لنا الإمكانيات يمكن للأطفال هنا أن يكبروا جيدًا ويصبحوا معلمين”.