كتب – حسام عيد

مع تفاقم مواطن الضعف المالية والديون في غانا وسط بيئة خارجية صعبة، من المرجح أن تؤدي الصفقة مع صندوق النقد الدولي إلى تحسين ثقة المستثمرين.

وتعاني غانا اليوم من أعلى معدل تضخم لها منذ 20 عامًا، حيث ارتفع إلى 31.6% خلال يوليو 2022، وفقًا لبيان صدر مؤخرًا عن دائرة الإحصاء الغانية.

في الأشهر الأخيرة، أثر ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وصدمات سلسلة التوريد الناتجة عن الحرب في أوكرانيا بشدة على اقتصاد البلاد الضعيف بالفعل، مما استلزم إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة الإنقاذ السابعة عشرة، كما أفادت مجلة “أفريكان بيزنس”.

وارتفع سعر الديزل إلى أكثر من الضعف في عام واحد، بينما ارتفع البنزين بنسبة 83.2%، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على أسعار السلع الأساسية.

وتتعامل الأسر المعيشية في غانا الآن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة والمحلية، مثل؛ العنب وزيوت الطهي ودقيق القمح والدخن وفول بامبارا والبطيخ، حيث أصبحت تلك السلع أغلى بنسبة 50% على الأقل من العام الماضي. فيما ارتفعت أسعار الوقود الصلب مثل الحطب أو الفحم بأكثر من 80% بين عامي 2021 و2022.

أزمة الطاقة الحالية لها تأثير مزدوج على غانا. نظرًا لأن النفط هو ثاني أكثر المنتجات المصدرة في غانا -2.71 مليار دولار في عام 2020- بعد الذهب (5.93 مليار دولار) وقبل حبوب الكاكاو (1.28 مليار دولار)، تستفيد صناعة البترول في البلاد من الارتفاع العالمي في أسعار النفط.

وفي النصف الأول من عام 2022 الجاري، كانت الإيرادات الوحيدة التي تجاوزت توقعات الحكومة في الميزانية هي عائدات النفط، بينما انخفض إنتاج الكاكاو بشكل حاد مقارنة بالعام الماضي.

ومن المفارقات أن غانا تعتمد بشكل كبير على واردات النفط المكرر لاستهلاكها المحلي. المصفاة الوحيدة في البلاد، مصفاة تيما للنفط، ذات قدرة محدودة تبلغ 30 ألف برميل في اليوم، بينما تنتج الدولة ما يقرب من 170 ألف برميل في اليوم من النفط الخام المخصص للتصدير.

تفاقم التحديات القائمة

يؤدي هذا الاعتماد على الواردات إلى تفاقم الوضع الاقتصادي غير المستقر الذي يغذيه ارتفاع الإنفاق الحكومي قبل جائحة “كوفيد-19”.

على الرغم من أن التضخم ظاهرة عالمية -تضاعف معدل التضخم في الولايات المتحدة أربع مرات تقريبًا في العامين الماضيين- فقد أثر بشكل غير متناسب على غانا منذ بداية حرب أوكرانيا.

بصرف النظر عن نيجيريا؛ حيث ارتفع معدل التضخم بنسبة 18.6% في يونيو، فقد شهدت دول غرب أفريقيا الأخرى ارتفاعًا أقل بكثير في أسعار السلع. وقد ارتفعت معدلات التضخم في توجو وساحل العاج، وهما دولتان من البلدان المجاورة لغانا، بنسبة 5.4% و6.8% فقط على الترتيب خلال شهر يونيو.

وعلى الرغم من أن البلدان تتعرض لصدمات اقتصادية مماثلة، إلا أنها تعاني من تأثيرات مختلفة بسبب حالة الاقتصاد الموجودة مسبقًا قبل حدوث الصدمة.

في حالة غانا، كان الوضع المالي للبلاد يمثل تحديًا بالفعل قبل أن تضرب أزمة فيروس كورونا؛ حيث بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 64٪ في عام 2019، والسبب هو أن الحكومة دخلت في ذلك الوقت مرحلة إنفاق عام كبير.

وقد أثر اثنان من التدابير الرئيسية للسياسة المالية على عجز ميزانية الحكومة: تنظيف القطاع المصرفي، الذي شهد انخفاضًا في عدد البنوك، وإلغاء الرسوم للمدارس الثانوية، مما يعني أن تكاليف التعليم قد تم تحملها من قبل الحكومة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عامًا.

وكانت استراتيجية الحكومة هي دفع الاقتصاد للوصول إلى أهداف معينة، والتي كان من المفترض أن تعود بالنفع على السكان على المدى الطويل، لكنهم لم يكن بإمكانهم توقع الصدمات الاقتصادية المتتالية التي كانت ستأتي.

قضت هذه البرامج على الحيز المالي لغانا، وبالتالي تضررت البلاد بشدة من الانكماش الاقتصادي الناتج عن الجائحة الوبائية.

وفقًا لصندوق النقد الدولي، ارتفع الدين العام لغانا من 65% إلى 80٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال الوباء العالمي.

ولم ينظر المستثمرون إلى الجهود المالية للحكومة للحفاظ على القدرة على تحمل الديون على أنها كافية، مما أدى إلى خفض التصنيف الائتماني وخروج المستثمرين غير المقيمين من سوق السندات المحلية وفقدان الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، خسرت عملة غانا “السيدي” 47.1% مقابل الدولار منذ بداية العام، مما يجعلها أسوأ العملات أداءً في أفريقيا بعد دولار زيمبابوي، وتساهم في تضخم المنتجات المستوردة.

كيفية مواجهة ارتفاع التضخم؟

استجابة لعجز الميزانية المتزايد باستمرار، باع البنك المركزي الغاني الأصول الأجنبية لدعم الاقتصاد.

نتيجة لذلك، هوى صافي الأصول الأجنبية لغانا من 3 مليارات دولار في مايو 2021 إلى قيمة سلبية قدرها 126 مليون دولار في مايو 2022، وفقًا لآخر مسح نقدي شهري أجراه بنك غانا.

تقليديًّا، يعاني ميزان مدفوعات غانا من عجز في الحساب الجاري. في السنوات الأخيرة، ظل حساب غانا المالي ورأس المال مرتفعًا نسبيًا نتيجة لاستثمار المحفظة الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في صناعات الكاكاو والذهب والنفط في البلاد. ومع ذلك، منذ حوالي 3 أشهر، كانت أرقام حساب رأس المال في غانا سلبية نتيجة بيع جميع احتياطياتها الدولية من قبل البنك المركزي.

هذا ليس مستدامًا. لا يمكن لبنك غانا تكرار هذا النموذج للنصف القادم من عام 2022، أو سينفد من الاحتياطيات الدولية، الأمر الذي سيخيف الكثير من المستثمرين.

لقد حان الوقت لوزارة المالية؛ لإيجاد طريقة للذهاب إلى السوق الدولية والاقتراض من تلقاء نفسها، بدلاً من الاعتماد على بنك غانا.

ولكن نظرًا لأن غانا قد عجزت عن تحقيق ميزانيتها المستهدفة عدة مرات في السنوات الأخيرة، فقد خفضت وكالات التصنيف الائتماني البلد باستمرار، مما يجعل من الصعب جذب المستثمرين.

في 10 أغسطس، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف غانا إلى CCC من B-، مباشرة بعد أن خفضت ستاندرد آند بورز تصنيفات الائتمان بالعملة المحلية والأجنبية في غانا إلى CCC + / C من B- / B.

ردًّا على ذلك، قالت الحكومة: إن وكالات التصنيف الائتماني تمنع البلاد من الوصول إلى أسواق رأس المال العالمية؛ حيث أبدت وزارة المالية خيبة أملها من قرارات خفض تصنيف غانا على الرغم من السياسات الجريئة التي تم تنفيذها في عام 2022 لمعالجة التحديات المالية الكلية واستدامة الديون.

اتفاق صندوق النقد الدولي يلوح في الأفق

في هذا السياق، طلبت الحكومة إنقاذًا جديدًا من صندوق النقد الدولي، رقمه السابع عشر، بعد ثلاث سنوات فقط من استكماله لبرنامج صندوق النقد الدولي السابق.

في عام 2021، نظرًا للوضع المالي للبلاد في ذلك الوقت، كان من الواضح أنه لا أحد في السوق الدولية كان سيقرض غانا.

في هذه المرحلة، كان ينبغي للحكومة أن تذهب إلى صندوق النقد الدولي، فذلك كان سيحل الكثير من المشاكل التي تحدث الآن.

منذ حوالي شهر، ذهبت بعثة من خبراء صندوق النقد الدولي إلى العاصمة أكرا لبدء المناقشات حول أفضل السبل للتعامل مع التحديات التي تواجه غانا.

على الرغم من أن غانا في مرحلة مبكرة من المناقشات بشأن برنامج صندوق النقد الدولي، فمن المرجح أن تكون الصفقة في شكل تسهيل ائتماني ممدد للبلدان منخفضة الدخل، وهو الأداة الرئيسية للصندوق للدعم متوسط ​​الأجل للبلدان التي تواجه مشاكل مماثلة لحالة غانا.

إذا تمكنت غانا من الحصول على 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، فسيكون ذلك مفيدًا للغاية. سيساعد في معظم القضايا المالية، ولكنه يمنحهم أيضًا مستوى معينًا من المصداقية في نظر المستثمر.