كتبت – أماني ربيع

“تسير في مصر القديمة ثم تنعطف لتجد نفسك في التبت”، هذه ليست مزحة، لكنها أكثر جملة يمكن أن تصف ورزازات، المدينة المغربية التي جمعت في صحرائها كل المدن والحضارات.

تبدو مدينة ورزازات للوهلة الأولى، مجرد مدينة هادئة، لكن هذه المدينة الصحراوية التي تقع جنوب شرق المغرب، كانت لعقود مسرحًا لأشهر الأفلام والمسلسلات العالمية.

باب الصحراء

عُرفت المدينة أيضًا بـ “باب الصحراء”، وكانت في الماضي نقطة عبور للتجار الأفارقة في طريقهم إلى شمال المرغب وأوروبا، ثم أصبحت تستخدم كقاعدة لرحلات السفاري الصحراوية، واليوم أصبحت المدينة نفسها وما يحيطها وجهة بحد ذاتها، بعدما صنعت المدينة لنفسها شهرة كموقع تصوير مثالي ورائج في صناعة السينما العالمية.

اشتهرت ورزازات عندما ظهر قصر “آيت بن حدو” في فيلم لورنس العرب عام 1962، وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1987، ويعد توليفة مثالية للعمارة الترابية المغربية ومن أجمل قصور المغرب.

أوليوود

جذبت المشاهد الصحراوية التي لا تُنسى وسط الكثبان الرملية في فيلم “لورانس العرب” العديد من المخرجين الكبار للمدينة، التي تنكرت في أكثر من صورة، من الربع الخالي في السعودية، إلى ريف أفغانستان وصولًا إلى سهول روسيا.

ينتشر في ورزازات، ما يُعرف باسم القصبات أو المساكن ومعظمها غير مألوف، لكن في بعضها تقطن نحو 8 عائلات، ويمكن للمهتمين رؤية المنازل من الداخل ومجالسة سكانها مقابل سعر زهيد.

لا تزال المدينة تحتفظ بطابع الهندسة المعمارية التقليدية المصنوعة من الطوب اللبن، ما يعطي فرصة للزوار بالاستمتاع بالتجوال في أنحائها، ومشاهدة المواقع التي استخدمت كخلفية للعديد من أفلام السينما العالمية، وجذبت المدينة التي تُعرف بـ Ouallywood نجوم هوليود وبوليود أيضا.

 يمكنك السير في شوارع القدس، وزيارة بيت موسى، وقصر قيصر، وغيرها من المعالم الشهيرة السياحية والتاريخية حول العالم، التي ولد بين جنباتها مجموعة من أشهر الأفلام، مثل، “جوهرة النيل”، و ” Kundun”، و” The Kingdom of Heaven”، و” Gladiator”، و” Prince of Persia”، و”The mummy”، و”star wars” و”alaa din”، ومسلسل ” Game of Thrones” و” Prison Break”، وغيرها.

أبرز معالم ورزازات

من المعالم الشهيرة في ورزازات، قصبة توريرت، أكبر قصبة في المغرب، وكانت موطنا لعائلة جلاوي المعروفين بـ “أمراء الأطلس”، الذين سيطروا على طرق التجارة الجنوبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وإلى جانب الأهمية التاريخية، تقدم هذه القصبة بنية تقليدية معقدة تمثل بشكل كبير الطراز المعماري الصحراوي للمغرب، تدهورت عبر السنين العديد من أجزائها، ولم يعد مفتوحا للزيارة، سوى الأجزاء التي تم ترميمها من قبل اليونسكو، وتم تصوير أفلام مثل ” Star Wars”.

ومن أبرز معالم المدينة أيضا، واحة فينت، وهي عبارة عن واد أخضر يزدهر بين الجبال القاحلة، وترصعه مزارع النخيل والحدائق وقرى من البيوت التقليدية، وكان موقعا لتصوير العديد من الأفلام، مثل “Prince of Persia “، و” Kingdom of Heaven” و”Babel” وغيرها.

تضم المدينة المدينة أستوديو أطلس ” Atlas Studios” أحد أكبر استوديوهات السينما في العالم، الذي أسسه رجل الأعمال المغربي محمد بلغمي كوجهة لصناعة الأفلام في عام 1983 بعد أن رأى إمكانات المنطقة، وفي نفس العام شهد تصوير أول الأفلام فيه، وهو “جوهرة النيل” عام 1983، بطولة مايكل دوجلاس وكاتلين تيرنر، ثم صور فيه فيلم جيمس بوند الخامس عشر “The Living Daylights” بطولة تيموثي دالتون عام 1986.

ومع نهاية القرن العشرين، استقبلت استوديوهات أطلس أفضل عمل سينمائي منذ إنشائها، مع فيلم “GLADIATOR” للمخرج ريدلي سكوت وبطولة راسل كرو، ومنذ ذلك الحين، بدأ محترفو صناعة السينما في رؤية ورزازات باعتبارها عاصمة السينما الأفريقية.

معرض ومتحف سينمائي

بالإضافة إلى مواقع التصوير، تضم استوديوهات أطلس وأستوديو سي إل إيه ” CLA Studios”، معارض لمقتنيات الأفلام التي تم تصويرها هناك، بالإضافة إلى ديكورات وقاعات استخدمت في تصوير العديد من الأفلام ونماذج لمسجد قبة الصخرة والكعبة، بخلاف التماثيل والبيوت والمباني التي تمثل حقبا زمنية مختلفة، وكذلك ثقافات عديدة، من القلاع المصرية إلى المعابد البوذية، والصروح الصينية، ويعد الكولسيوم أحد أكثر الأماكن شهرة حيث قاتل راسل كرو في فيلم Gladiator.

تضم المدينة أيضا، متحفا للسينما، افتتح عام 2007، ويُعرض فيه مجموعة من مقتنيات الأفلام التي صورت بالمدينة والمعدات السينمائي التي استخدمت فيها، ويقع مقابل قصبة تاوريرت، ويعتبر بديلًا مناسبًا إذا لم تتمكنوا من زيارة استوديوهات أطلس، يتكون المتحف من 4 مبان رئيسية، ويوجد فيها غرفة العرض وسجن صغير، ثم معرض يضم ملصقات أشهر الأفلام التي تم تصويرها في ورزازات، ثم حجرة التعذيب وديوان الجن، وهناك مركز لتدريب الحيوانات، يعمل فيه فريق بدوام كامل لرعاية الإبل والحمير والخيول المدربة، ومنها الفرس سبيريت الذي امتطته دينريس تارجيريان في مسلسل Game of Thrones.

بمرور السنين، تحولت ورزازات لما هو أكثر من موقع لتصوير الأفلام، وبدأ سكان المنطقة في الحصول على فرص عمل جديدة، مثل الإكسسوارات، والعمال والمترجمين الذين يساعدون الموظفين في التواصل مع الزوار الأجانب، وساهمت هذه الوظائف في ازدهار المنطقة.

وما يميز المدينة، هو حب السكان المحليين لها، وتقديرهم لقيمتها الفنية، ويتسمون عادة، بالود واللطف، وبإمكانك الاعتماد عليهم في معرفة تاريخ المنطقة والأفلام التي تم تصويرها هناك، كما يشارك بعضهم أحيانا ككومبارس في الأفلام أو كممثلين ثانويين.

تسهيلات الحكومة المغربية

وتقدم الحكومة المغربية كل التسهيلات لتحافظ مدية ورزازات على مكانتها على خريطة صناعة السينما العالمية، ويساعد الجيش المغربي أيضا وفي فيلم “مملكة الجنة” الشهير لأورلاندو بلوم وإيفا جرين جهزت استوديوهات المدينة نحو 3000 جندي بالحراب والسيوف لخوض معركة ضخمة في فلسطين.

في ورزازات أيضا، يسهل على المخرجين الحصول على ما يريدون من مجاميع، نظرًا للتنوع العرقي في المغرب، وإذا احتاج فيلم إلى ممثلين أفارقة يتم الاتصال بمدن مثل أرفود قرب الحدود الجزائرية، وللأشخاص من إقليم البحر المتوسط يقع الاختيار على طنجة.

 من المواقف التي تصور مرونة المدينة حين خطط المخرج مارتن سكورسيزي لنقل 400 من سكان التبت إلى المدينة لفيلمه الملحمي عن الدالاي لاما ” Kundun “، وجلب له الوسطاء المحليون قبيلة أمازيغية حارب أسلافهم لصالح فرنسا في فيتنام، وعادوا إلى بلادهم مع عشرات من زوجات الهند الصينية، وتمت الاستعانة بأبنائهم ذوي المظهر الآسيوي في خلفية المشاهد الثابتة مع 60 فقط من سكان التبت الحقيقيين أمام الكاميرا.

تلبي المدينة الآن كل احتياجات الإنتاج السينمائي، عبر تدريس دورات التصوير والإخراج وتقنيات الإنتاج وكتابة السيناريو في مدرسة السينما في ورزازات، وأصبح كل ما يحتاجه صناعة فيلم هناك هو السفر مع مخرج أو منتج وحقيبة نقود، فنحو 80% من العاملين في مجال السينما هم الآن مغاربة مدربون تدريبا كاملا، ربما لا تحتوي هذه المنطقة شبه الصحراوية العملاقة لا تحتوي على موارد معدنية مثل النفط أو الغاز، لكنها تملك موارد طبيعية وبشرية ممتازة.