كتب – حسام عيد

في ظل تصاعد أزمة الطاقة عالميًا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، وحصار العقوبات الغربية للغاز والنفط الروسي، تسعى مختلف دول العالم إلى البحث عن بدائل وحلول لتأمين أسواقها المحلية وخفض وقع الصدمات والضغوط التضخمية المحتملة.

لقد أجبرت الأزمة الراهنة تونس إلى اللجوء للسحب من مخزون النفط الاستراتيجي لمواكبة الطلب المتنامي على المواد البترولية في ظل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها البلاد.

تأمين الطلب على النفط عبر المخزون الاستراتيجي

من جانبه، قال المدير العام للمحروقات بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، رشيد بن دالي، إن تونس لجأت حاليًا إلى استعمال مخزونها الاستراتيجي الاحتياطي للمواد البترولية حتى تتمكّن من تأمين الطلب، وتزويد البلاد بالمنتجات البترولية.

وأضاف بن دالي: ” هذه الوضعية دقيقة جدًّا، وتعتبر بمثابة الحرب الأسبوعية” في إشارة منه إلى ندرة المواد البترولية والظرف المالي الحالي الذي تمر به تونس والأزمة الأوكرانية، وهي كلها ضغوط ترزح تحتها خزينة الدولة؛ وفق ما أوردت “وكالة تونس أفريقيا للأنباء، وات”.

وتابع رشيد بن دالي: “بسبب الطلب الدولي المهم على منتجات النفط؛ فإنَّ بائعي هذه المواد يطلبون حاليًا الدفع الفوري، وهو ما يجبرنا على تخليص الشحنة عند التسليم رغم الوضع المالي للبلاد”.

وبيّن بن دالي أن الإنتاج الوطني من منتجات النفط يقدر، في الوقت الراهن، بنحو 35 ألف برميل يوميًا. ويصل استهلاك المواد البترولية إلى نحو 90 ألف برميل يوميًّا. في حين أن قدرة إنتاج الشركة التونسية لصناعات التكرير تبلغ 32 ألف برميل يوميًّا. وتبعًا لذلك؛ فإن الفارق بين إنتاج واستهلاك المنتجات النفطية يقدر بـ58 ألف برميل يوميًا، وتتم تغطيته من خلال الاستيراد، بحسب المدير العام للمحروقات.

ومن الجدير بالذكر أن نسبة إجمالي الديون من الاقتصاد التونسي ارتفعت إلى 79.7% في عام 2021، وفقًا لبيانات من المركزي التونسي والبنك الدولي. وبلغت نسبة الديون الخارجية 48.3% من اقتصاد البلاد، حيث وصل حجمها إلى 40.6 مليار دولار بنهاية عام 2021.

فاتورة واردات الغاز ترتفع 73%

فيما قال مدير الانتقال الطاقي بوزارة الطاقة التونسية، بلحسن شيبوب: إن فاتورة شراء الغاز الطبيعي المحلي والأجنبي قد تصل هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار، مقارنة مع 1.5 مليار العام الماضي، ما يعني زيادة تبلغ أكثر من 73%.

وأوضح شيبوب في تصريحات لوكالة “رويترز” أواخر مايو الماضي، أن فاتورة عمليات شراء تونس للغاز من سوناطراك الجزائرية تقدر هذا العام بنحو مليار دولار، ولكنها قد تصل إلى 1.5 مليار دولار في ظل الارتفاع الحادّ للأسعار العالمية.

وكانت تونس قد رفعت أسعار الوقود في منتصف أبريل الماضي بنحو 5%، وذلك للمرة الثالثة خلال عام 2022، في مسعى لكبح عجز الميزانية، وهو إصلاح اقتصادي يريده المقرضون الدوليون.

وأضاف شيبوب أن تونس لديها اتفاق لأسعار تفاضلية مع الجزائر، لكن إذا جرى اعتماد الأسعار العالمية الحالية فإن ذلك سيرفع الفاتورة من 3 مليارات متوقعة سابقًا إلى 4.5 مليار دينار تونسي (1.5 مليار دولار).

مراجعة منظومة الدعم.. وضخ حزم لتحفيز الاقتصاد

وتحاول تونس، التي تعاني أسوأ أزماتها المالية، الاتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات لا تحظى بشعبية، تشمل تخفيضات في دعم الوقود والغذاء. وقد زاد التضخم في مارس إلى 7.2%، فيما يتوقع خبراء أن يستمر في الصعود مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود.

وتعتزم تونس البدء في خفض دعم الطاقة والغذاء تدريجياً، فيما ستقوم الحكومة في القابل بصرف مساعدات مالية للفقراء، وفقاً لوزيرة التجارة التونسية فضيلة الرابحي.

وتُعد الحكومة التونسية خطة الإنعاش الاقتصادي 2023- 2025، سعيًا للخروج من أزمة مالية عميقة.

وقال وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد، في تصريحات سابقة، إن بلاده تراجع منظومة الدعم، وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية والقطاع العام، ومواصلة تحسين وترشيد السياسات الجبائية، في إطار حزمة من الإصلاحات التي من شأنها أن تعيد التوازن المالي للدولة.

وكان صندوق النقد الدولي قد دعا إلى إصلاح نظام الدعم في البلاد، لافتًا إلى أن عدم مرونة الميزانية يتفاقم بسبب عبء الدعم، بحسب ممثل الصندوق في تونس جيروم فاشيه، الذي أكد على ضرورة أن يترافق إصلاح نظام الدعم (على المحروقات والسلع الأساسية) مع آليات تعويض تستهدف المعوزين.

وقد أعلن مسؤول في البنك المركزي التونسي 1 يوليو 2022، أنه من المتوقع أن تصل بعثة من صندوق النقد الدولي إلى تونس الإثنين 4 يوليو الجاري، لبدء مفاوضات بشأن برنامج مساعدة للبلاد التي تمر بأزمة اقتصادية. والغرض من هذه البعثة هو إطلاق مفاوضات رسمية مع السلطات التونسية.

ومن المتوقع أن تتركز النقاشات مع فريق صندوق النقد الدولي حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن، ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.

ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض المعني نحو ملياري يورو. واقترحت الحكومة على صندوق النقد الدولي خطة إصلاح تنص على تجميد فاتورة رواتب موظفي القطاع العام وخفض دعم سلع أساسية وإعادة هيكلة شركات عامة.

وتضرر اقتصاد تونس بشدة من جائحة “كوفيد-19″، كما فاقمت الأزمة السياسية الناجمة عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد بجمع السلطات منذ الصيف الماضي وتعليق عمل البرلمان من معاناة الاقتصاد.

وبحسب بيانات أصدرها معهد الإحصاء الحكومي مطلع يونيو 2022؛ نما الاقتصاد التونسي 2.4% في الربع الأول من العام الجاري، بعد انكماشه 1.8% خلال نفس الفترة المقابلة من العام الماضي، وانكماش بنحو 9% في 2020.

وارتفع الدين العام التونسي إلى 105.7 مليار دينار بنهاية مارس الماضي، بزيادة 8.6% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021.

وزادت احتياطيات تونس من النقد الأجنبي إلى 24.4 مليار دينار، في الأشهر الــ5 الأولى من العام الجاري، مقابل 21.6 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعة بنمو تحويلات العاملين بالخارج وقطاع السياحة.