كتب – حسام عيد

على وقع الأزمات المتشعبة والأسوأ التي تعيشها تونس، يسعى الرئيس قيس سعيِّد حثيثًا إلى ضخ سلسلة من الإصلاحات الجريئة لإحداث تعافي اقتصادي واجتماعي.

على أرض الواقع، بدأت الحكومة في تحريك الدعم الذي يثقل أعباء الميزانية، التي لامست عجزًا بمعدل 8.3% من إجمالي الناتج المحلي في 2021.

لكن عمليًا؛ تحتاج تونس إلى حزمة إنقاذ دولية لتجنب انهيار كارثي في ​​المالية العامة، مع تأخر الدولة في دفع بعض الرواتب في يناير. ومع نفاد الوقت يقول المانحون إنّ “سعيِّد” لم يفعل ما يكفي لإقناعهم بخططه، فهُم يريدون منه أن يتبنى عملية سياسية أكثر شمولاً لضمان بقاء الديمقراطية الوليدة في تونس، والتوصل إلى اتفاق مقبول علنًا مع منافسيه الرئيسيين بشأن إصلاحات اقتصادية لا تحظى بالشعبية لخفض الإنفاق والديون.

وقد تكون كلفة الفشل كارثية، تتمثل في معاناة رهيبة للتونسيين، أو انزلاق إلى حكم الفرد بشكل مطلق، أو انفجار اجتماعي يمكن أن يشعل أزمة هجرة ويخلق فرصة للمتشددين كي يطلوا برؤوسهم من جديد.

تفاقم الدين العام

مطلع يناير 2022، كشفت بيانات رسمية أنَّ الدين العام في تونس سيصل إلى نحو 114.14 مليار دينار بحلول نهاية العام الجاري، وهو ما يمثل 82.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لوكالة أنباء تونس أفريقيا الرسمية (وات).

وتشير توقُّعات حكومية، إلى انخفاض خدمة الدين متوسط وطويل المدى بنحو 3.8% خلال العام الحالي، مما يعادل 560 مليون دينار لتهبط إلى 14.3 مليار دينار مقارنة مع 2021.

تتوقَّع الحكومة التونسية عجزاً يبلغ 9.3 مليار دينار. كما تتوقَّع أن تحتاج إلى تمويل خارجي بنحو 4 مليارات دولار.

وكانت وزارة المالية التونسية قالت في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2021، إنَّ الدين العام للبلاد ارتفع إلى حوالي 102.2 مليار دينار بما يعادل 81.5% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية أكتوبر 2021، بزيادة 12% مقارنة مع الفترة نفسها من 2020.

وتخطط تونس لخفض عجز الميزانية إلى 7.7% في عام 2022 من 8.3% في عام 2021، بحسب وثيقة حكومية، لافتة إلى أنَّ النمو الاقتصادي سينخفض إلى 2.6% من 2.8% متوقَّعة هذا العام.

وذكرت وزارة المالية أنَّ الدين الخارجي التونسي بلغ حوالي 62 مليار دينار؛ ما يُعادل 49% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ الدين المحلي حوالي 40.2 مليار دينار؛ ما يُعادل 32% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرة إلى أنَّ تكلفة خدمة الدين بلغت 11.3 مليار دينار خلال الشهور العشرة الأولى من 2021.

بطالة مرتفعة.. وكتلة أجور ضخمة

تونس عرفت بسبب جائحة كوفيد-19 “أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها” في العام 1956، حيث بلغ معدل الانكماش نحو 9% في 2020.

فيما عاد النمو ليسجل أكثر من 3% بقليل في 2021 ومن المتوقع أن تكون النسبة نفسها خلال 2022، لكن رغم ذلك يبقى معدلًا ضعيفًا غير كافٍ لاستيعاب معدل البطالة الذي يتجاوز 18% والمرتفع أيضًا في صفوف أصحاب الشهادات الشباب.

ما يحدث في تونس هو وضع خاص من الأزمات المتجذرة، ودليل على ذلك “الثقل الكبير” لموظفي القطاع العام (16% من إجمالي الناتج المحلي) إذ أن أجور الموظفين الرسميين البالغ عددهم 650 ألفاً تستحوذ على أكثر من نصف نفقات الدولة السنوية، “من دون احتساب السلطات المحلية والشركات العامة”. وتعد كتلة الأجور في الوظيفة العامة في تونس هي من الأكبر في العالم، وتعيق البلد من زيادة “النفقات المستقبلية واستثماراته ونفقات التربية والصحة والاستثمارات.

تمويل صندوق النقد.. والإصلاحات الجريئة

فيما تأمل تونس أن تتوصل لاتفاق حاسم مع صندوق النقد الدولي في أبريل، مع تصاعد المخاوف “المثيرة للقلق” بشأن الإفلاس وعدم القدرة على دفع أجور القطاع العام لأشهر مقبلة.

وتتوقع الحكومة من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحـاد التونسـي للصناعـة والتجــارة والصناعــات التقليديــة “أوتيكا”، وهو لوبي الشركات في الدولة، الاستجابة في غضون أيام لقائمة الإصلاحات التي تحتاج البلاد إلى تنفيذها حتى عام 2026 للحصول على تمويل من المقرض الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له.

ومن بين هذه الإصلاحات، قيام وزارة الصناعة والمناجم والطاقة برفع أسعار الوقود بداية من 1 فبراير 2022 للمرة الرابعة في 12 شهراً في مسعى لكبح عجز ميزانيتها، وهو تغيير في السياسة يرغب فيه المقرضون الدوليون في البلاد.

وقالت الوزارة في بيان، إنَّ سعر لتر البنزين سيرتفع إلى 2.155 دينار من 2.095 دينار.

وأظهرت وثيقة للميزانية الحكومية الشهر الماضي أنَّ تونس تعتزم رفع أسعار الوقود والكهرباء، وتجميد رواتب القطاع العام، وفرض ضرائب جديدة في 2022، وهي خطوات قد تثير غضب حركة النقابات العمالية القوية، والتي تعارض أي تخفيضات تؤثر على العمال أو الفقراء، وتريد إعطاء الأولوية لمحاربة الفساد.

وختامًا، ربما يكون الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ضرورية إلى حد بعيد لفتح الآفاق أمام أي مساعدات ثنائية أخرى.

لكن من غير المرجح للغاية التوصل إلى أي اتفاق قبل الصيف، وهو إطار زمني قد يكون متأخرًا جدًا لتجنب مشكلات خطيرة، منها الضغط على العملة ودفع رواتب الدولة واستيراد بعض السلع الأساسية المدعومة. لذلك؛ لا بديل أمام تونس سوى إصلاحات هيكلية عميقة وتسريع وتيرة تنفيذها على المدى المتوسط.