كتب – حسام عيد

بعد 20 عامًا من العمل على مشروع قانون يسعى إلى تعديل القوانين التي تحكم التنقيب عن النفط والغاز في نيجيريا والتي لم تُحدث بشكل كامل منذ الستينيات بسبب الطبيعة المعقدة لأي تغيير في الضرائب والبنود الخاصة بالنفط وتقاسم عائداته، قام الرئيس النيجيري محمد بخاري بالتوقيع عليه أواخر سبتمبر الماضي وإرساله إلى الجمعية الوطنية (البرلمان)، حتى يصبح قانونًا فاعلًا.

القانون الجديد يهدف إلى ضخ إصلاحات رئيسية في صناعة النفط الحيوية، وجذب الاستثمار الأجنبي إلى نيجيريا، فكيف سينظم القانون الجديد قطاع النفط، حال إقراره، وما هي التغييرات التي يأمل تحقيقها على أرض الواقع بالمدى القريب في نيجيريا؟.

قانون “حيوي” لصناعة النفط

ويهيمن النفط الخام على الاقتصاد النيجيري، حيث يمثل حوالي 90% من عائدات التصدير. وتمتلك البلاد أكبر احتياطيات من النفط والغاز في أفريقيا جنوب الصحراء مع ما يقدر بـ37 مليار برميل من النفط و188 تريليون قدم مكعب من الغاز.

ومع ذلك، لعقود من الزمان، ابتليت الصناعة غير الخاضعة للحكم من قبل القيادة السيئة والفساد المروع والتدهور البيئي. وتراجعت القيمة من خلال صفقات الترخيص المبهمة والوسطاء غير الخاضعين للمساءلة والافتقار إلى القدرة التكريرية والكسب غير المشروع في الحكومة وشركة البترول الوطنية النيجيرية المملوكة للدولة (NNPC).

لقد كفل التخريب وسرقة خطوط الأنابيب في دلتا النيجر الغنية بالنفط خسارة دافعي الضرائب لمليارات الدولارات من الإيرادات السنوية.

وقد فشلت الإدارات النيجيرية منذ الستينيات -بدرجات متفاوتة من الجهود- في الإصلاح. لكن في السنوات العشرين الماضية، حاولت عدة حكومات تمرير مشروع قانون صناعة البترول الشامل، والذي أدى نطاقه وتعقيده إلى ضمان الفشل المتكرر.

لقد أصبحت الإصلاحات في نيجيريا أكبر مصدر للخام في أفريقيا -التي ظلّت قيد الإعداد لمدّة 20 عامًا- مُلحّة بصفة خاصّة، هذا العام، إذ أدّت أسعار النفط المنخفضة والتحوّل نحو الطاقة المتجدّدة، إلى زيادة حدّة المنافسة لجذب شركات الاستثمار من شركات النفط الكبرى.

وأسفر عدم اليقين المالي عن تأخير اتّخاذ قرار بشأن عملية توسّع بمليارات الدولارات، من قبل شركة “رويال داتش شل” وشركائها، في الوقت ذاته، تبيع شركات شيفرون، توتال، وإكسون موبيل، أصولًا نيجيريّة متعدّدة.

وقالت رويال داتش شل -أكبر مشغّل دولي في نيجيريا- إن جهود الإصلاح الفاشلة من شأنها أن تُعرّض معظم المشاريع المخطّط لها للخطر، وتجعلها غير قابلة للتطبيق.

وعلّق متحدّث باسم شركات شل في نيجيريا: “نأمل أن يؤدّي مشروع القانون النهائي إلى فتح الباب أمام الاستثمارات المحتملة التي تستحقّها قاعدة الموارد الغنيّة في البلاد”.

وبالفعل، أرسل الرئيس محمد بخاري مشروع قانون صناعة النفط إلى الجمعية الوطنية المكونة من مجلسين، حيث يجب على مجلس الشيوخ، إلى جانب مجلس النواب، التوقيع عليه قبل أن يصبح قانونًا.

خصخصة وتخفيضات ضريبية

وفي ضوء مساعي تيسير الإجراءات الحكومية، وخفض الضرائب، من أجل جعل تطوير الاحتياطات من النفط والغاز أكثر جاذبية للشركات، رفعت وزارة النفط النيجيريّة مشروع قانون لصناعة النفط والغاز، والذي استمر العمل عليه على مدار العشرين عامًا الفائتة، إلى رئيس البلاد محمد بخاري، والذي بدوره وقع عليه أواخر سبتمبر الماضي، وبدأ فريقه في بناء التأييد له بالجمعية الوطنية.

ويتعين أن يعطي مجلس الشيوخ وأيضا مجلس النواب موافقتهما عليه قبل أن يصبح قانونًا. ومن المعروف أن الجمعية الوطنية (الهيئة التشريعية) التي تضم مجلسي الشيوخ والنواب، يسيطر عليها حزب المؤتمر التقدّمي، وبسبب التوافق بين الرئاسة والمجلس، فإن المشروع يحظى بأفضل فرصة لتمريره، منذ سنوات. وبالفعل، أُقر مشروع القانون قراءته الأولى في مجلس الشيوخ في 1 أكتوبر 2020.

ومشروع القانون نتاج مشاورات استمرّت شهورًا بين مسؤولين نيجيريّين وشركات نفط وغاز وغيرها من الجهات المعنيّة بالصناعة.

ووفق نسخة اطلعت عليها رويترز من مشروع القانون؛ تتعلق الإصلاحات بخصخصة شركة البترول الوطنية وتحويلها إلى إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، بالإضافة إلى وإلغاء وكالات تنظيمية رئيسية لصالح هيئات جديدة.

وبموجب التشريع الجديد، ستصبح مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية (NNPC) “ذات توجه تجاري وتحركها الأرباح” مستقلة عن الحكومة ويتم تدقيقها سنويًا، على الرغم من عدم تحديد تواريخ بيع الأسهم حتى الآن.

كما سيعدل تغييرات مثيرة للجدل أجريت العام الماضي تتعلق برسوم للتنقيب في المياه العميقة عن طريق خفض الرسوم على الحقول البحرية التي تنتج أقل من 15 ألف برميل يوميا إلى 7.5% من 10%.

وكان ضخّ النفط على مرّ التاريخ مربحًا للغاية، لكن تغييرات أواخر العام الماضي، شملت زيادة حصيلة نيجيريا من عائدات النفط وزيادة ضريبة القيمة المضافة، أدّت إلى إصابة الشركات بالإحباط.

ومن شأن مشروع القانون، أيضًا، زيادة المبلغ الذي تدفعه الشركات للمجتمعات المحلّية، وللتطهير البيئي، وتغيير عملية تسوية المنازعات بين الشركات والحكومة.

كما تضمن تدابير دفع الشركات إلى تطوير اكتشافات الغاز، وإطارًا لتعريفات “رسوم” الغاز، وتسليمه. ويعدّ تسويق الغاز -لا سيّما لاستخدامه في توليد الطاقة المحلية- أولويّة أساسية ضمن اهتمامات الحكومة.

وختامًا، سيلعب القانون الجديد لصناعة النفط في نيجيريا دورًا حيويًا في معالجة أوجه القصور التي تعاني منها شركة البترول الوطنية NNPC، من الموافقة البطيئة على المشاريع النفطية إلى النقص في الميزانية الذي يعيق قدرتها على متابعة الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

علاوة على ذلك، سيخلق مشروع القانون بيئة داعمة لكل من شركات النفط الدولية والمحلية، ويساعد في حماية البيئة ومصالح المجتمعات المضيفة، ويدعم التنويع الاقتصادي في نيجيريا، وهو مهم للغاية، ويعزز الشفافية في إدارة نيجيريا للموارد البترولية.

إن إقرار مشروع القانون سيمثل انتصارًا سياسيًا مهمًا للرئيس محمد بخاري في المرحلة الحالية ويرسل رسالة إلى المستثمرين الدوليين.

وفي وقت تسبب فيه الانخفاض في أسعار النفط العالمية الناجم عن جائحة “كوفيد-19” دون الـ40 دولارًا للبرميل، في انخفاض بنسبة 60% في إيرادات الحكومة النيجيرية، سيعطي إقرار مشروع قانون الجديد لصناعة النفط زخمًا متجددًا لجهود الإصلاح في نيجيريا.