كتبت – أماني ربيع
رغم ما يعانيه الصومال من أزمات طاحنة اقتصادية وسياسية، إلا أن حلول شهر رمضان الكريم يلبسها ثوب الفرحة الذي يُنسي البلد الأفريقي كل الويلات التي تحاصره، لا يلتفت أهله إلى الخطر، ويستقبلون المنحة الربانية بكل شوق.
مع اقتراب الشهر الكريم، يبدأ الصوماليون بالاستعداد له وشراء خزين الشهر من مواد غذائية لإعداد وجباتهم المفضلة، وتهيئة البيوت وتنظيفها، وبحسب ظروف كل أسرة يتم تخصيص ركن يتجمعون فيها لتناول الإفطار ولقاء العائلة والأحباب أو قراءة القرآن والاستمتاع بروحانيات رمضان.
يخرج الناس لرؤية هلال رمضان وما إن تثبت الرؤية حتى يبادرون بعضهم البعض بالتهاني والبركات، ثم تتزين المساجد وكأنه عيدها خيوط من نور تحيط بالقباب والمآذن استعدادا لاستقبال المصلين.
ورغم مساحة الصومال الصغيرة، يختلف ثبوت رؤية الهلال من منطقة لأخرى، ويبدأ الناس الصيام حسب رؤيتهم الخاصة للهلال، ومنهم من يصوم على رؤية الهلال في السعودية.
ويتزعم الأطفال والشباب مواكب يتجولون خلالها بالدفوف لإيقاظ النائمين للسحور، ويحرص الصوماليون على تجديد نيتهم للصيام جهرا، بشكل يومي.
وفي أول أيام رمضان، لابد من إشعال البخور الذي اشتهرت به “بلاد بونت”، وتبدأ النساء في إعداد المائدة بما لذ وطاب، ومائدة الصومالين على الإفطار عامرة، تبدأ بتناول التمر، ثم “السمبوسة” وهي أحد الأطعمة المفضلة في رمضان، بعدها يتناولون الماء والعصير.
ويحرص الصوماليون على أداء صلاة المغرب في المسجد أولا ثم يعودون إلى منازلهم بعد ذلك لتناول الإفطار، وقبلها وعقب الصلاة مباشرة يكونون قد جهروا بنية الصيام، ويفعلون ذلك بشكل يومي.
سمبوسة وحليب
وللسمبوسة في الصومال مكانة كبيرة على مائدة الإفطار، فهي الأكلة الأكثر شعبية، للأغنياء والفقراء، وتناولها في الشهر الكريم عادة متوارثة منذ زمن بعيد، ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد، وحتى مع الجهد المبذول لإعداد عجينة السموسة، إلا أنه لا توجد مائدة في الصومال تخلفو منها، وتعد وجبة الإفطار ناقصة دونها.
تملأ راحة السمبوسة المشبعة بالبهارات الجو، ويحب الأطفال رؤية أمهاتهم بينما يعدون لهم في صبر الوجبة اللذيذة، وبدلا من إعدادها الذي يتطلب مجهودا تقوم العائلات الثرية بشرائها من المطاعم، كما يتناولها في المطاعم أيضا كل من لم يصل منزله في موعد الإفطار، وإذا كانت النساء تعدها في المنزل، ويعلمن بناتهن إعدادها، فالرجال يعدونها في المطاعم.
وفي عام 2019، حظرت حركة الشباب المتطرفة في الصومال تناول السمبوسة في المناطق التي تسيطر عليها بجنوب الصومال بزعم أنها تشبه أيقونات مسيحية ويهودي، وهو أمر آثار استياء عاما بين الناس.
وبخلاف السمبوسة، أبرز الأكلات الشعبية هي “العانولو”، وتقدم كوجبة كاملة وهي مكونة من فاصوليا الأزوكي مخلوطة بالزبد والسكر؛ ويتم طهي الفاصوليا التي يسمونها بالصومالية “ديجير”.
أما الفاكهة المفضلة لدى الصوماليين فهي الموز الموجود بكثرة في البلاد، وكذلك البطيخ الذي يتناولونه في أيام الصيام الحارة والباباي.
وبعد الإفطار بخمس ساعات تكون هناك وجبة ثانية، وغالبا ما تكون مكرونة مسلوقة مع اللحم أو الفراخ والخضروات، والوجبة الثالثة هي السحور يتناولون فيه “الفرين” وهو أقرب إلى الزبادي عبارة عن قمح مطحون مخلوط بالمياه مع الموز، ويعتبر الحليب من المشروبات المفضلة وبخاصة في جنوب البلاد، ويقدم في السحور مع الحليب والشعيرية والمكرونة.
تراويح وذكر
ترحب مساجد مقديشيو التي كانت منارة للإسلام على الساحل الشرقي بأفريقيا، بشهر رمضان عبر المحاضرات الدينية التي يتلقى فيها مرتادو المساجد دروسا عن الصوم وفوائده الروحانية وأحكامه المختلفة.
وبعد العشاء وخلال صلاة التراويح تتحول دور العبادة إلى حلقات ذكر ووعظ يتسابق المصلون في ذكر الله وقراءة القرآن وختمه، وكذلك الاستماع إلى دروس العلوم الدينية التي تبدأ أحيانا قبل صلاة العشاء ويتولى أمرها أهل العلم بالبلاد.
تبدأ مرحلة ثانية من يوم الصائم في الصومال بعد الإفطار، حيث يذهب الجميع إلى المساجد، لا يفرق ذلك بين رجل أو امرأة شيخا أو طفلا أو شابا، الكل يسعى غلى المسجد لغسل الذنوب والهموم وجلب الراحة إلى النفس عبر صلاة التراويح، التي تتخللها محاضرات وأذكار وخطب دينية، وبحلول السابع والعشرين من رمضان، تكون المساجد قد أتمت ختم القرآن في صلاة التروايح.
وتعد ليلة القدر مناسبة داخل مناسبة، فهي فرصة لتطهير الروح والنفس واستقبال عام جديد بلا ذنوب، لذا يقبل الصوماليون على إحيائها بالبقاء في المساجد حتى مطلع الفجر، ثم يؤدون صلاة الفجر في جماعة، وبعدها يعودون إلى بيوتهم.
وتتنوع الأمسيات الرمضانية في الصومال، فالبعض يقضي جل وقته في المسجد لصلاة التراويح والقيام والتهجد، والبعض الآخر يعتبرها فرصة لتجديد الوصل مع الأحبة وصلة الأرحام، فيزورون الأقارب، والأصدقاء ويقضون الليلة معا في السمر والضحك.
وفي شهر الخير، لا يغيب الكرم عن أهل الصومال، وكثير من الموسرين يقومون بإعداد موائد إفطار يومية من أجل الفقراء والمساكين، وحتى الفقراء الذين يعانون من أوضاع معيشية صعبة يقيمون موائد بسيطة يتعاونون في إعدادها لإفطار الأسر الشد فقرا.
كما يسارعون في إخراج زكاة الفطر لمساعدة الفقراء في تأمين احتياجاتهم، وغالبا ما يتم ذلك بشكل أهلي وتكافلي بين الناس وبعضهم البعض، حيث لا توجد مؤسسات رسمية أو جمعيات خيرية تتولى جمع أموال الزكاة أو توزيعها.
ومع الثلث الأخير من رمضان، تبدأ الاستعدادات لعيد الفطر، وشراء الملابس الجديدة، وعادة ما يشتري الأهل لأطفالهم 3 أطقم الأول للذهاب إلى صلاة العيد، والثاني ليلعبوا به في الشوارع، والثالث لزيارات الأقارب والأصدقاء ليلا.
ويستقبل الصوماليون هلال شهر شوال بالألعاب النارية على شواطئ البحر الأحمر، ويبدأ أهل الريف مغادرة قراهم لزيارة أقاربهم في العاصمة والمدن الكبرى وقضاء أيام العيد معهم.