كتبت – أسماء حمدي

يعيش ما بين 8 آلاف إلى 10 آلاف أسد في حوالي 300 مزرعة في جميع جنوب أفريقيا، إذ توفر تربية الأسود التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات الأشبال للسياحة، والأسود لصيد الجوائز، والعظام للطب التقليدي.

 وأظهرت العديد من التقارير أن الحيوانات غالبًا ما يجري الاحتفاظ بها في ظروف غير ملائمة، كما هو الحال في الأماكن المكتظة مع سوء التغذية والرعاية البيطرية.

أسود في الأسر

تشكك دراسة جينية جديدة نشرتها مجلسة «ناشيونال جيوجرافيك»، في الاعتقاد السائد على نطاق واسع حول آلاف الأسود التي تعيش في المزارع في جميع أنحاء البلاد والتي يجري تربيتها لأغراض السياحة وصيد الجوائز واستخدامها في الطب التقليدي.

لسنوات، جادل منتقدو تربية الأسود في الأسر، بأن الأسود الأسيرة يجري تزاوجها داخليًا، لكن دراسة جديدة تظهر أن الأمر قد لا يكون كذلك.

 وأعرب المدافعون عن حقوق الحيوان عن قلقهم من إمكانية تزاوج هذه الأسود نتيجة لبرامج التربية سيئة الإدارة وغير المتخصصة، إذ يمكن أن يؤدي زواج الأقارب إلى عدد من المشكلات الصحية بما في ذلك انخفاض الخصوبة وارتفاع معدلات الوفيات والتشوهات المؤلمة المحتملة.

وللتحقق من ذلك، قارن الباحثون الأنماط الجينية لأكثر من 780 أسدًا من 31 منشأة أسيرة مختلفة مع تلك الموجودة في الأسود البرية في جنوب أفريقيا، ووجدوا أنها قابلة للمقارنة، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Conservation Genetics.

ومع ذلك، وجد العلماء أن العديد من الأسود ذات الخصائص المختلفة كانت مرتبطة بشكل وثيق، حيث كان بعضها قريب وراثيا مثل أبناء العمومة أو حتى الأشقاء، كما تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة، سوزان ميلر: “إذا استمروا على هذا النحو، فسوف يبدأون عن طريق الصدفة فقط  في التزاوج مع الحيوانات ذات الصلة الوثيقة جدًا”.

وحددت الدراسة أيضًا علامات الانحراف الجيني، وهي عملية طبيعية يتحور فيها الحمض النووي عبر الأجيال، وتقول ميلر إن هذا أمر مهم لأن مزارعي الأسود الأسيرة في بعض الأحيان يبررون وجودهم بالقول إنهم يحافظون على جينات المجموعات البرية، لكن البحث الجديد يشير إلى أن الأمر ليس كذلك.

حظر الأسر

في مايو 2021، أعلنت وزيرة الغابات ومصايد الأسماك والبيئة في جنوب أفريقيا، باربرا كريسي، أن الحكومة ستغلق تربية الأسود الأسيرة في البلاد، معترفة بأنها تضر بصورة بلادها كوجهة سياحية صديقة للبيئة.

وقالت كريسي إن عدة عوامل أثرت على هذا القرار، بما في ذلك المعارضة العامة المتزايدة، والروابط المحتملة بين التجارة القانونية وغير القانونية في عظام الأسود، والفهم الأفضل لمخاطر تطور الأمراض في المجموعات الأسيرة وانتشارها إلى الحيوانات البرية أو حتى البشر.

وأشارت إلى أن فريق عمل وزاري يعمل على وضع خطة خروج طوعية لأصحاب المصلحة في تربية الأسود الأسيرة.

تقول عالمة الأحياء في مجال الحفاظ على البيئة، تينا هيلر، التي أجرت أكثر من 50 مقابلة مع مزارعي الأسود، والصيادين، والأطباء البيطريين، وآخرين، لإعداد تقرير عام 2022، إن الجدل حول هذه الصناعة كان مستقطبًا.

تضيف هيلر: “الآن بعد أن نمت الصناعة، يعتمد العديد من المزارعين على هذه الحيوانات للحصول على الدخل، ويقول البعض إن الحكومة يجب أن تقدم تعويضات لأولئك الذين يحاولون الخروج من هذه الصناعة، ولسوء الحظ، الحيوانات هي التي يتعين عليها تجربة العواقب”.

أوضحت ميلر أنه جرى تقديم البيانات المستخدمة في الدراسة الجديدة من قبل المرافق التي سعت إلى إجراء اختبارات جينية مستقلة، ونظرًا لأن معلومات المنشآت سرية، فإن الباحثين لا يعرفون أيًا منها كان متورطًا، لذلك من المستحيل تحديد ما إذا كانت نتائج الدراسة تمثل الصناعة ككل، مضيفة: “من المرجح أن الأشخاص الذين يعتنون بأسودهم جيدًا سيقدمون الأسود للاختبارات الجينية”.

خطة بعيدة المنال

جادل بعض مؤيدي أسر الأسود بأن مجموعات الأسود الأسيرة تشكل قيمة للحفظ لأنه يمكن إعادة إدخالها إلى البرية إذا انخفض عدد الأسود في جنوب أفريقيا.

لكن المنتقدين يرون أن هذه الخطة بعيدة المنال، لأن الأسود المولودة في الأسر من المحتمل أن تفتقر إلى مهارات الصيد والبقاء على قيد الحياة، وبالإضافة إلى ذلك، إذا جرى تزاوج بعض الأسود الأسيرة، فإن إعادة إدخال الأفراد قد تكون ضارة للحيوانات البرية.

تشير ميلر إلى أنه على الرغم من أن الأسود التي شملتها الدراسة لم تتم تزاوجها داخليًا، إلا أن هذا البحث ليس مبررًا لمحاولة إعادتها إلى الحياة البرية، مضيفة: “النقطة التي تنهار فيها هذه الحجة هي أن الأسود البرية في جنوب أفريقيا ليست مهددة”.

وأشارت إلى أنه من بين ما يقدر بنحو 20 ألف أسد بري في جميع أنحاء القارة، تعتبر جنوب أفريقيا معقلا يضم حوالي 3500 أسد، مشددة على أن جنوب أفريقيا ليست بحاجة إلى شبكة أمان.

يقول الرئيس العالمي لأبحاث الحياة البرية في منظمة حماية الحيوان العالمية غير الربحية، نيل ديكروز، إن إطلاق الأسود الأسيرة في البرية قد يأتي بمخاطر أخرى، إذ يمكن أن تُدخل الحيوانات الأسيرة أمراضًا جديدة إلى المجموعات البرية، ولأنها معتادة جدًا على البشر، فقد تهاجم البشر أو الماشية.

وفي ختام حديثه، قال ديكروز: “الحقيقة هي أنها تتكاثر بنجاح في البرية، كما أن التربية القاسية لآلاف الأسود في الأسر هي ممارسة لا تحتاج إليها السافانا في جنوب أفريقيا، والخطوة التالية الأكثر أهمية التي يمكن اتخاذها على الفور هي التوقف عن تربية المزيد من الأسود الأسيرة في جنوب إفريقيا في المقام الأول”.