كتب – حسام عيد

قمة أعمال جديدة تجمع قارة أفريقيا والولايات المتحدة، ولكن هذه المرة تنطلق من قلب القارة السمراء، لتستكمل رسم خارطة المستقبل المزدهر للعلاقات الثنائية.

وتستقبل بوتسوانا النسخة الخامسة عشرة لقمة الأعمال الأمريكية – الأفريقية، يومي 11 و14 من يوليو 2023 في نسخة توصف بأنها الأكبر منذ انطلاقها وسط اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن بتعزيز العلاقات مع القارة السمراء، التي باتت محل تنافس بين القوى الكبرى التي تخطب ودها، وتعتبرها ساحة تحدٍ دولية على النفوذ والمصالح الجيوسياسية، وفى ظل تأكيد سبعة رؤساء أفارقة اعتزامهم حضورها.

تعزيز قيمة أفريقيا في سلاسل القيمة العالمية

وتأتى هذه النسخة من القمة التي يعقدها المجلس الأمريكي للشركات في أفريقيا (CCA) في جابورون، عاصمة بوتسوانا، بالشراكة مع حكومة بوتسوانا، تحت عنوان “تعزيز قيمة أفريقيا في سلاسل القيمة العالمية”.

وأعلن المجلس الأمريكي للشركات في أفريقيا، عبر صفحته الرسمية تأكيد 7 زعماء أفارقة حضورهم، وهم: رئيس بوتسوانا، موكجويتسى ماسيسى (مضيف القمة)، ورئيس زيمبابوي، هاكايندى هيشيليما، ورئيس موزمبيق، حاج جينجوب، ورئيس ناميبيا، هاكه كينكوب، ورئيس زامبيا، إيمرسون منانجاجوا، ورئيس وزراء ليسوتو، صمويل ماتيكاني.

ويحضر القمة أكثر من 1000 مشارك من القطاعين العام والخاص من الولايات المتحدة وأفريقيا، بما في ذلك رؤساء الدول الأفريقية ووزراء الولايات المتحدة وأفريقيا وكبار المسؤولين الحكوميين والمديرين التنفيذيين من القطاع الخاص ورجال الأعمال والمستثمرين الدوليين. وتوصف هذه النسخة من المؤتمر بأنها الأكبر بشأن ممارسة الأعمال التجارية والاستثمار في القارة.

وفي السياق ذاته، لم تعد سلاسل القيمة العالمية كما كانت في القرن العشرين حيث تغيرت قواعد التجارة العالمية، وتتجه نحو المزيد من القيود واللوائح. ومع ذلك؛ أشار تقرير صدر عن وكالة إيكوفين الدولية للدراسات الاقتصادية في يونيو 2023، إلى أن أفريقيا لديها أصول معينة للتصنيع بشكل مختلف عن الآخرين وبطريقة أكثر استدامة، تتمثل أولى هذه المزايا في الاستفادة من الوعي بحالة الطوارئ البيئية على نطاق عالمي لاعتماد أساليب إنتاج صناعية نظيفة وتكنولوجيات خضراء، والاستفادة من موارد القارة الوفيرة في مجال الطاقات المتجددة. وتعظيم القيمة المضافة للمعادن اللازمة لتحول الطاقة، مثل النحاس والكوبالت والليثيوم.

ويمكن للقارة أيضًا الاستفادة من رقمنة عمليات الإنتاج لزيادة قيمة جميع المواد الخام، بما في ذلك النفط والغاز والأخشاب والمنتجات الزراعية.

وخلص التقرير إلى أن تطوير سلاسل القيمة الإقليمية قادر أيضا على تسريع التحول الصناعي في البلدان الأفريقية؛ حيث توفر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي ستنشئ سوقًا مشتركة واسعة تضم 1.3 مليار مستهلك، فرصة فريدة لتعزيز سلاسل القيمة الإقليمية هذه، كما أن أفريقيا أصبحت أكبر سوق استهلاكي في العالم.

مكاسب كبيرة في العلاقات الأفريقية-الأمريكية

يأتي ذلك بعدما استقبلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الفترة من 13-15 ديسمبر الماضي، قمة أفريقية في واشنطن حضرها 47 من زعماء القارة؛ حيث أعلن البيت الأبيض، في بيان، منح 4 مليارات دولار بحلول 2025، للتوظيف وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية في أفريقيا بعد جائحة كورونا، ضمن حزمة المساعدات التي أعلنها عشية القمة والمقدرة بـ55 مليار دولار، كما أورد موقع وزارة الخارجية الأمريكية.

وتسعى استراتيجية “بايدن” تجاه أفريقيا إلى تأكيد تدشين “وكالة أفريقية African agency” والعمل نحو “هيكل إقليمي أكثر مرونة”. وفقًا للنهج الجديد، يجب على واشنطن “إعادة ضبط علاقاتها مع نظرائها الأفارقة، والاستماع إلى الأصوات المحلية المتنوعة، وتوسيع دائرة المشاركة لتعزيز أهدافها الاستراتيجية لصالح كل من الأفارقة والأمريكيين”، كما أورد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

إن نهج “بايدن” في التعامل مع القارة يبدو أكثر توازنًا إلى حد كبير، كما يدرك أهمية العمل على نحو متعدد الأطراف مع شركائها من أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وتقوم الاستراتيجية على أربع ركائز رئيسية، وهي: تعزيز انفتاح المجتمعات، وتحقيق مكاسب ديمقراطية وأمنية، دفع عجلة التعافي من الجائحة والفرص الاقتصادية، ودعم التكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة.

وقد حظى القطاع الخاص بأهمية ضمنية كبيرة في الاستراتيجية. كما يعد تضمين التكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة أيضًا بعدًا رئيسيًا للاستراتيجية، بل ويميزها عن نماذج التنمية الأقل ملاءمة للقارة.

وعلى هذا النحو، فقد قدمت القمة الأمريكية-الأفريقية التي عقدت في واشنطن تأكيد إضافي على رغبة واشنطن في تعزيز روابطها مع القارة السمراء. فقد جاء في نص البيان الصادر عن البيت الأبيض تعليقًا على القمة، العمل على تعميق التعاون لحل المشكلات العالمية وتشكيل قواعد الطريق للتكنولوجيا والفضاء والأمن السيبراني والتجارة وحماية البيئة والاقتصاد.

كما بلور البيان صورة واشنطن كمدافع عن الحقوق الأفريقية، بالاستناد إلى عمل واشنطن على تحقيق تمثيل أفريقي أكبر بالمؤسسات الدولية، كمقعد دائم بمجلس الأمن، وعضوية مجموعة العشرين. بالإضافة إلى تعزيز التعاون عن طريق استثمارات ومبادرات جديدة من شأنها الاستجابة للفرص والتحديات الناشئة، كمعالجة أزمات الأمن الغذائي والمناخ، وتعزيز النظم الصحية والاستعداد للأوبئة، وبناء اقتصاد عالمي قوي وشامل، ودعم الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز السلام والأمن؛ وكذا، توسيع المشاركة والتعاون بين واشنطن والدول الأفريقية لدعم أهداف اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وتحقيقًا لهذه الغاية، عينت إدارة “بايدن” ممثل رئاسي خاص جديد لتنسيق جهود تنفيذ مخرجات القمة.

استكمال المسار “المرن” نحو بناء المستقبل

وكانت مدينة مراكش المغربية قد استضافت الدورة 14 لقمة الأعمال الأمريكية الأفريقية 2022، خلال الفترة 19-22 يوليو، والتي شهدت مباحثات واسعة فرص تعزيز العلاقات الصناعية والتجارية والاستثمارات بين قارة أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وتميزت هذه القمة بمشاركة مسؤولين كبار في الحكومة الأمريكية، ومسؤولين من 50 بلدًا أفريقيًا، بينهم 6 وزراء خارجية وأكثر من 20 وزيرًا أفريقيًا من مختلف القطاعات الحكومية، والوكالات الحكومية الأمريكية والأفريقية، وصناديق الاستثمار والتقاعد، والمنظمات الدولية والإقليمية.

وبلغ العدد الإجمالي للمشاركين في هذه القمة 1500 مشارك، يمثل القطاع الخاص الأمريكي والأفريقي نسبة 80% من بينهم، كما شكلت النساء 40% من العدد الإجمالي للمشاركين. وتوزعت أعمال المؤتمر على 37 جلسة عالجت قضايا السيادة الصحية والغذائية، والابتكار، والتكنولوجيات الجديدة، والطاقات المتجددة والتقليدية والبنيات التحتية.

ومن بين نتائج هذه القمة، التي عرفت مشاركة 450 فاعلًا اقتصاديًا أمريكيًا بينهم فايزر وفيزا وبروكتر أند غامبل وشيفرون وكوكا كولا وجوجل بالإضافة إلى مجموعات أفريقيا كبرى، كونها أسفرت عن ربط 5000 نموذج أعمال وتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين الفاعلين الاقتصاديين المشاركين في القمة.

وشكلت هذه القمة بالنسبة للمغرب فرصةً لتوطيد دوره كجسر بين أفريقيا وأمريكا وتشجيع بناء اقتصاد أفريقي موجه نحو المستقبل، يستمد قوته من اندماجه في الاقتصاد العالمي وسلاسل القيمة العالمية.

فيما شكلت الجلسة الختامية للقمة، والتي نظمت تحت شعار “لنمضي معا قُدما لبناء المستقبل”، فرصة للتفكير الجماعي في مستقبل قارة واعدة على جميع المستويات.

وختامًا، ووسط الأزمات والتحديات العالمية المتشعبة في الوقت الراهن، فإن أفريقيا تمتلك كافة المزايا اللازمة لتصبح فاعلًا نشيطًا وأكثر اندماجًا في سلاسل القيمة والتطورات الدولية.