كتبت: أماني ربيع

صاغت الفتاة المصرية فتحية حليم رزق قصة سندريللا، لكن على طريقتها الخاصة، بعدما ربط الحب بين قلبها وقلب الأمير الأفريقي الذي جعلها سيدة أولى لبلاده، لتصبح جسرًا للتواصل بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا الجنوب.

كانت فتحية ابنة أسرة مصرية قبطية من الطبقة المتوسطة، ولدت في ٢٢ فبراير ١٩٣٢، عاشت في حلمية الزيتون، وتلقت تعليمها في مدرسة “نوتردام دي زابوتر”، واستمرت في التعليم حتى المرحلة الثانوية، بعد ذلك اشتغلت في التدريس بمدرستها، ثم انتقلت إلى العمل بأحد البنوك، حتى تقدم الزعيم الغاني لخطبتها.

الصدفة تجمع قلبين

جمعت الصدفة فتحية بكوامي نكروما قائد حركة التحرير الوطنية لاستقبال غانا والذي أصبح أول رئيس للبلاد بعد تحررها من الاستعمار البريطاني، ويبدو أن الفتاة قد شغفت بالشاب الأفريقي الذي يعد بطلًا قوميًّا في بلده الذي يكافح لأجل استقلاله وصمّمت على الاقتران به رغم معارضة والدتها الشديدة لهذا الزواج.

شهد عقدا الخمسينات والستينات ازدهارًا كبيرًا في العلاقات بين مصر وغانا، وكان نكروما على علاقة طيبة بالرئيس المصري جمال عبدالناصر، وأراد تقوية أواصر هذه العلاقة، عبر الزواج من مصرية وعبر صديق مشترك بين الزعيمين ظهرت فتحية في الصورة ودخلت قلب الزعيم الأفريقي بذكائها وبساطتها وشخصيتها المصرية الأصيلة.

رمز للتحالف بين مصر وغانا

في البداية واجه هذا الزواج معارضة كبيرة من الوالدة التي خافت على ابنتها من الزواج في بلد بعيد والاغتراب عن بلدها، كما عارضت زواجها من أجنبي حتى لو كان زعيمًا، لكن كان لعبدالناصر يد في إتمام الأمر بعدما احتوى مخاوف الأم وحدثها اعتزامه مدّ خط طيران مباشر بين البلدين وكذلك تأسيس سفارة مصرية في غانا لتتمكن من زيارة ابنتها وقتما تحب.

أوضح عبدالناصر للعروس المصرية ملامح الفصل الجديد من حياتها فهي ستصبح زوجة زعيم يناضل لاستقلال بلاده، كما ستكون سفيرة لمصر في غانا ورمزًا للتحالف بين البلدين، ودخلت القفص الذهبي مع نكروما في ديسمبر عام 1957، وكان لا يزال رئيسًا لوزراء غانا، وبهذا الزواج لم يبدأ فصلًا جديدًا في حياتهما فحسب بل بدأ مع زواجهما عهدًا جديدًا في غانا، وأفصحت فتحية عن معدنها المصري ووقفت بجانب زوجها حتى أصبح أول رئيس لبلاده عام 1960.

عروس النيل

أصبحت فتحية محبوبة شعب غانا، الذي أطلق عليها لقب “عروس النيل”، وفي بداية الزواج كانت خجولة، خاصة وهي عاجزة عن التحدث باللغة الوطنية، كما تعيش في ثقافة مختلفة تمامًا عن وطنها الأم، لكن نكروما طلب من النساء المولودات في بريطانيا مساعدتها في التأقلم كما تلقت هي دروسًا في الإنجليزية، ومن جهتها سعت العروس المصرية إلى مساعدة الفقراء ورعاية الأيتام، ووزعت الملابس والهدايا على المحتاجين، وشغلت منصب الراعي الرئيسي للمجلس الوطني لنساء غانا، والرئيسة الفخرية لمرشدات غانا.

أنجبت فتحية من نكروما 3 أبناء، سُمي أولهم جمال تيمنًا باسم الرئيس جمال عبدالناصر، وسامية وسيكو، لم تلعب فتحية دورًا سياسيًّا في تاريخ غانا بقدر ما كان دورها اجتماعيًّا، اهتمت بالبيت والأبناء ووفرت مناخًا مستقرًّا للزواج الزعيم كي يستطيع مباشرة حكم بلاده، وهو الأمر الذي استغرقه طوال الوقت، فقد انشغل بالسياسة عن بيته، ولم يمر إلا القليل من الوقت مع العائلة، لكن فتحية لم تتذمر أو تشكو وكانت مؤمنة بأن جزءًا من دورها كزوجة زعيم هو التضحية، بخلاف أنها أحبت نكروما حقًّا. 

من أكرا إلى القاهرة

تشارك نكروما مع عبدالناصر هموم الوحدة الأفريقية ولمّ شتات الدول التي استقلت حديثًا وما زالت تكافح لالتقاط أنفاسها بعيدًا عن وطأة الاستعمار، وكان من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، وانتخب رئيسًا للبلاد للمرة الثانية، لكن وقع ضده انقلاب في 24 فبراير 1966 بدعم من الجيش والمعارضة كان وقتها في فيتنام، وعاش في المنفى بغينيا.

بعد الانقلاب اتصلت فتحية بالرئيس جمال عبدالناصر، الذي أرسل لها طائرة خاصة لإحضارها من أكرا إلى مصر لتعود بأبنائها، ومكثت في قصر الطاهرة 3 أشهر، حتى تم تجهيز منزل لها ولأبنائها بحي المعادي بالقاهرة.

المعدن الأصيل

عانت غانا بعد نكروما من تدني الأحوال المعيشية والسياسية، وتظاهر الغانيون من أجل عودته إلا أنه توفي في إبريل 1972 متأثرًا بالسرطان، ودفن في منفاه بغينيا ثم نقل جثمانه لاحقًا ليدفن في وطنه بغانا.

استمرت فتحية في الحياة بمصر تحت رعاية جمال عبدالناصر، ربت أبناءها واحتفظت بمكانتها كواجهة للعلاقات بين مصر وغانا، وظهرت أصالة معدنها تجاه وطنها عندما قررت في خضم أزمتها الخاصة وزوجها في المنفى التبرع بكل جواهرها لصالح المجهود الحربي ودعم الجيش المصري إثر نكسة عام 1967.

حاولت فتحية المحافظة على تواصل أبنائها مع وطن أبيهم وعادت بهم إلى غانا عام 1975، في المنزل الذي أقامته لهم الحكومة ويعرف حتى الآن بمنزل نكروما، توفيت فتحية يوم 31 مايو 2007، وأقيم لها قداسًا ترأسه البابا شنودة الثالث، ودفنت عروس النيل إلى جانب نكروما في غانا لتجتمع بزوجها أخيرًا، ونقش على قبرها “الزوجة الحبيبة للرجل العظيم التي واجهت الأزمات بشجاعة واقتدار”.