كتبت – أسماء حمدي 

في السنوات الأخيرة، تزايد الإقبال على صالونات التجميل حول العالم، نتيجة لما فرض من معايير جديدة للجمال، وفي الصومال التي لم تختلف كثيرًا عن دول العالم شهدت ورش تعلم حرفتي الحناء والمكياج في العاصمة الصومالية مقديشو، إقبالًا كثيفًا من النساء.

ويعد أكثر ما يميز مراكز التجميل الصومالية، هو فن رسم الحناء، وهو تقليد عمره 5000 عام، متجذر في أفريقيا والهند والشرق الأوسط، إذ يقوم المختصون بخلط أوراق نبات الحنة المسحوقة بالماء لتكوين عجينة بنية أو معجون أسود حتى يصل المزيج إلى قوام يشبه معجون الأسنان، وبعد ذلك يتم رسم التصميمات على الأيدي والأرجل وتترك لتجف ويكشط المعجون تاركًا تصميمًا يمكن أن يستمر لمدة أسبوعين.

داخل صالونات التجميل الصومالية

تحكي الكاتبة ماري هاربر، في مقال نشرته شبكة «بي بي سي»: «كنت أجلس مسترخية على كرسي مريح داخل إحدى مراكز التجميل في حي إيستلي بالعاصمة الكينية نيروبي والذي تقطنه أغلبية صومالية والمعروف باسم “مقديشو” الصغيرة، قبل أن تأتي إلي امرأة بسكين طويل حاد، في تلك اللحظة شعرت بالرعب».

تضيف هاربر: «الآن أنا معتادة على السيدات اللاتي يقتربن مني بالشفرات والسكاكين كل هذا باسم الجمال، إذ تُستخدم سكاكين النحت في بعض صالونات التجميل لكشط عجينة الحناء المجففة من الساقين والذراعين واليدين، للكشف عن أنماط رقيقة ولطيفة على الجلد تتلاشى ببطء مع مرور الوقت».

عندما أذهب إلى العاصمة الكينية نيروبي، تقابلني صديقتي سهيبة في حي إيستلي، ونتناول هناك غداء من لحم الإبل، ثم نذهب لرسم الحناء، وكان آخر صالون ذهبنا إليه بحجم خزانة تقريبًا، ومفصولًا عن الشارع الصاخب بالخارج بطبقات متعددة من الستائر، في الداخل كل شيء يبدو مختلفًا، بحسب هاربر.

في المجتمعات التي يُتوقع من النساء فيها التستر والتزام الصمت، تعد صالونات التجميل مكانًا لهن للتنفس والتخلص من ضغوط مجتمعاتهن التي يهيمن عليها الذكور، تقول هاربر: «يحدث هذا في بعض الأحيان بكل معنى الكلمة، في زيارة حديثة، دخلت امرأة إلى  صالون التجميل، وقالت إن الجو حار للغاية، وخلعت حجابها وثوبها الطويل».

دردشة وحناء

في الصومال، تتم تغطية المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين، تقول هاربر: «هناك أرتدي الكثير من الملابس بالإضافة إلى النقاب الذي يغطي الوجه كله ما عدا العينين، وفي المرة الأولى التي زرت فيها صالون تجميل صومالي، كان هناك شيء غريب في المرأة التي فتحت الباب، استغرق الأمر مني بضع ثوان بعد أن رأيتها لا ترتدي الحجاب، وشعرها الأسود يتدفق أسفل كتفيها».

تضيف: أخذتني إلى غرفة تجلس فيها النساء والفتيات يرتدون الجينز والتنانير القصيرة عادة ما تكون مخبأة تحت الأردية الطويلة التي يرتدونها في الأماكن العامة، وقضيت فترة ما بعد الظهيرة الجميلة هناك، نتحدث عن الزواج والكعك وإنجاب الأطفال والعديد من الأمور النسائية.

في المرة الأولى التي قمت فيها بتطبيق الحناء في الصومال، قامت خبيرة التجميل بجلب علبة كرتون صفراء صغيرة، طبع عليها صورة لرجل مبتسم بشعر داكن، اتضح فيما بعد أنها صبغة شعر للرجال من إندونيسيا، وخلطته بمسحوق الحنة ووضعته على بشرتي البيضاء، وكانت النتيجة تصميمات سوداء نفاثة تبدو رائعة على بشرة المرأة الصومالية لكنها شديدة الشراسة على بشرتي، استغرق الأمر شهورًا حتى تتلاشى، بحسب هاربر.

وفي جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد، هناك الكثير من الأشياء المفضلة التي أقوم بها عند زيارة العاصمة هرجيسا، أقوم باستئجار سيارة مع مجموعة من الصديقات ونتوجه إلى منتجع بيلا روزا داي الصحي.

وهو منتج تمتلكه امرأة صومالية قررت العودة إلى وطنها من كندا، بعد أن عاشت هناك  لعقود، هربًا من الحرب الأهلية، وووظفت العديد من خبيرات التجميل، الذين مضوا وقتًا في العمل كخبيرات تجميل في الخليج.

تحكي الكاتبة، أنه لدى البعض قصص مرعبة عن الإيذاء الجسدي والنفسي، ويقولون إنهم على الرغم من أن الأجور سيئة، إلا أنهم يفضلون العيش في مدينة صومالية.

أتعلم أشياء كثيرة أثناء محادثاتي في صالون التجميل، يفتح الخبيرات وعملائهم  النوافذ على حياتهم، زيجاتهم وانعدام الأمن والإحباطات ولحظات الفرح.

في الأشهر الأخيرة، تحولت المحادثة إلى السياسة عندما زرت خبيرة التجميل المفضلة لدي في لندن، وهي إريترية ولديها صالون صغير في شارع جانبي في منطقة بريكستون الحيوية، وأخبرتني كيف تمزق الشتات الإثيوبي والإريتري المتناغم سابقًا في المملكة المتحدة بسبب الحرب في منطقة تيجراي الإثيوبية التي تشارك فيها القوات الإريترية، إذ يتجنب الأصدقاء السابقون بعضهم البعض اعتمادًا على عرقهم.

غضب السكين 

لا تقتصر علاقة السيدات في الصومال بالسكين على الجمال فقط، إذ التقت هاربر بامرأة صومالية في مدينة برعو ثاني أكبر مدن البلاد، وكانت تحمل سكينًا لكن لا علاقة لها بالحناء، كانت تجلس في مأوى مؤقت في سوق المواشي تقلب الطعام في قدر كبير، تقول هاربر: حينها كنت أسجل تقريرًا وصفتها فيه بالفقيرة، عندما سمعتني كانت غاضبة، كيف أجرؤ على القول بأنها فقيرة؟.

تتابع هاربر: ذهبت السيدة ووجدت الشخص الذي أخذني في جولة حول السوق، عندما قابلته أخرجت سكينًا طويلًا من تحت ردائها وأعلنت أنها ستستخدمه لقتلي إذا رأتني مرة أخرى.

عادة ما تتبادر إلى أذهان الناس عمليات القتل والصراع الذي دام 3 عقود عندما يفكرون في الصومال، وغالبًا ما توصف بأنها الدولة الأكثر خطورة في العالم، وملاذ القراصنة والانتحاريين، تقول هرابر: لم يفاجئني أن تلك المرأة أرادت قتلي لأنني وصفتها بأنها فقيرة، فالصوماليون فخورون بأنفسهم وبلادهم بشكل خيالي، وهذا الفخر هو ما يذهلني، حتى في صالونات التجميل، حيث يتم عمل تسريحات شعر متنوعة ومتقنة وتصميمات الحناء الرائعة، لكن النساء الصوماليات يعتزن بملابسهن ويقمن بإخفاء ذلك تحت الحجاب والرداء الطويل.

آمل ألا أقابل المرأة في سوق الماشية أبدًا وأن السكاكين الوحيدة التي التقي بها في أي مكان بالقرب مني، هي تلك المستخدمة للكشف عن الأنماط الجميلة للحناء على بشرتي، بحسب الكاتبة.