كتب – نشوى عبد النبي سيد

باحثة في العلوم السياسية

يُعد التنافس الصيني الأمريكي على ممرات التجارة في أفريقيا أحد أهم أوجه التنافس بين القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين؛ حيث تسعى كل من الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا، وضمان وصولها إلى الموارد الطبيعية في المنطقة، وتأمين خطوط التجارة الحيوية، وتتمتع الصين بميزة في هذا التنافس، حيث تمتلك استثمارات كبيرة في أفريقيا، وعلاقات وثيقة مع العديد من الحكومات الأفريقية. كما أن الصين لديها خبرة كبيرة في تطوير البنية التحتية والمشروعات العملاقة، وتركز الصين جهودها على تطوير البنية التحتية في أفريقيا، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والموانئ، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعات الطاقة والمعادن والصناعة في أفريقيا. وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص ميزة الصين في هذا التنافس، وقد تعهدت بتقديم استثمارات كبيرة في أفريقيا، وتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية الأخرى. وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية، لتعزيز سيادة القارة واستقلالها. بينما تركز الولايات المتحدة جهودها على تعزيز الحوكمة الرشيدة والتنمية المستدامة في أفريقيا، والسعي إلى تعزيز التعاون في المجالات الأخرى، مثل الأمن ومكافحة الإرهاب. ومن هذا المنطلق، تتناول هذه الدراسة التنافس الأمريكي – الصيني على ” ممر لوبيتو” الأفريقي، حيث تبذل الولايات المتحدة الأمريكية قصارى جهدها بهدف اللحاق بالصين في جزء من العالم أصبح محوريًّا من أجل التحول الأخضر: هو “حزام النحاس” في أفريقيا.

تُعد ممرات التجارة البحرية في أفريقيا مهمة للولايات المتحدة والصين لأسباب عديدة، منها:

  • أنها تربط القارة بالأسواق العالمية، وتسمح بنقل البضائع والأشخاص.
  • أنها توفر الوصول إلى الموارد الطبيعية في أفريقيا، مثل النفط والغاز والمعادن.
  • أنها تلعب دورًا مهمًا في الأمن القومي؛ حيث يمكن استخدامها لتعزيز الوجود العسكري للقوى العظمى في المنطقة.

ساعد الموقع الاستراتيجي لـ “ممر لوبيتو” الأنجولي (كما يطلق عليه أيضاً الممر العابر لأفريقيا) الرابط بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا عبر ميناء لوبيتو في أنجولا، أن يكون محل اهتمام ومنافسة بين القوى الغربية والصين. ويأخذ “ممر لوبيتو” اسمه من لوبيتو، وهي مدينة تقع على الساحل الغربي لأنجولا وتطل على المحيط الأطلسي، تم بناؤه في أوائل القرن العشرين وتعرَّض للدمار خلال الحرب الأهلية في أنجولا في السبعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الـ 21 بعد أن حصلت البلاد على استقلالها عن البرتغال عام 1975. (1) يبدأ “ممر لوبيتو” من بورتو دو لوبيتو ويغمره المحيط الأطلسي، ويمر بأنجولا من الغرب إلى الشرق، ويغطي مناطق التعدين في مقاطعة كاتانجا في جمهورية الكونجو الديمقراطية وحزام النحاس في زامبيا. (2)

التنافس الأمريكي – الصيني في القارة الأفريقية

تمتلك القارة الأفريقية إمكانات اقتصادية هائلة؛ حيث تمتلك ثروات من الموارد الطبيعية والبشرية، وقد أدى هذا إلى تزايد التنافس بين الصين والولايات المتحدة للسيطرة على القارة، وكانت الصين هي المستثمر الرائد في أفريقيا في العقد الماضي؛ حيث قدمت قروضًا واستثمارات في مشروعات البنية التحتية والطاقة والتصنيع. وقد أدى ذلك إلى تعزيز نفوذ الصين في القارة، ما أثار مخاوف في الغرب من أن الصين تسعى إلى إنشاء مجال نفوذ في أفريقيا. في المقابل، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز علاقاتها مع أفريقيا من خلال برامج التنمية الاقتصادية والمساعدة العسكرية.

ويعكس المشهد الأفريقي حالة من التنافس الصيني والأمريكي والأوروبي. سواء على المستويات الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية والأمنية. وقدم التنافس الجيوسياسى بين الدول الكبرى على القارة الأفريقية تفسيراً لإعلان الدول الغربية إطلاق دراسات الجدوى المتعلقة بمشروع ممر لوبيتو مؤخراً، ويمكن التطرق لأسباب ودوافع هذا الاهتمام، على النحو التالي:

  • أولاً: النفوذ الصيني في القارة الإفريقية “مبادرة الحزام والطريق”.
  • ثانياً: الاهتمام الأمريكي بمشروع “ممر لوبيتو” ومواجهة النفوذ الصيني.
  • ثالثاً: تزايد الاهتمام الأفريقي – الأفريقي بمشروع “ممر لوبيتو”.
  • رابعاً: السيناريوهات المحتملة للتنافس الأمريكي – الصيني على “ممر لوبيتو”.

أولاً: النفوذ الصيني في القارة الإفريقية “مبادرة الحزام والطريق”

مثلت القارة الإفريقية جزءًا من الاستراتيجية الصينية الطامحة نحو تعزيز انتشارها الخارجي في العديد من مناطق النفوذ حول العالم، فمنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية حرصت بكين على أن تضع لها قدمًا في إفريقيا، وحينها كان التركيز الأكبر لها على العلاقات السياسية وليس الاقتصادية، وتجلى ذلك بوضوح في اهتمامها بدعم حركات التحرر الإفريقية. أعقب ذلك نقلة نوعية في العلاقات بين الصين والقارة إفريقية، حيث أضحت المصالح الاقتصادية هي الغالبة مع تزايد حاجة الصين للاستفادة من ثروات وموارد القارة، ومن ثمَّ اتجهت بكين للتوسع في استثماراتها الخارجية بإفريقيا. (3)

أنشأت الصين خط سكة حديدية في أواخر سبعينيات القرن الماضي يتجه ناحية الشرق من منطقة حزام النحاس إلى ميناء دار السلام في تنزانيا. وبعد ذلك قامت شركة صينية تملكها الدولة بإعادة بناء خط رئيسي للسكة الحديدية في أنجولا بتكلفة قُدرت بنحو ملياري دولار. وخلال العقد الماضي، شهدت مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس شي جينبينغ استثمار الصين نحو تريليون دولار أمريكي في مشروعات البنية التحتية بالدول النامية. (4)

تأتي القارة الإفريقية على رأس مبادرة الحزام والطريق الصينية وذلك بعد انضمام حوالي 46 دولة إفريقية إلى المبادرة أي حوالي مليار من إجمالي عدد سكان العالم، و20% من مساحة الكرة الأرضية، ووفقًا لأحد التقارير الدولية، فقد بلغ عدد الشركات الصينية في القارة الإفريقية عام 2017 حوالي 10 آلاف شركة بإجمالي عائدات حوالي 180 مليار دولار مرشحة للزيادة حتى 250 مليار دولار عام 2025، كما وصل عدد المواطنين الصينيين ذوي الإقامة الدائمة في الدول الإفريقية إلى حوالي مليون مواطن منذ عام 2000.  (5)

كما اتبعت الصين استراتيجية للسيطرة على سلاسل توريد المعادن المهمة في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق. وقد حققت نتائج إيجابية في أفريقيا. واليوم، تسيطر بكين على ما يقرب من 70% من مشروعات التنقيب الصناعية عن الكوبالت والنحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية. علاوة على ذلك، فقد استثمرت الصين ما يقرب من 4.5 مليار دولار أمريكي في تعدين الليثيوم في بلدان أخرى بوسط أفريقيا مثل زيمبابوي وأنجولا وناميبيا، بين عامي 2018 و2023. وخصصت الصين 1.4 مليار دولار أمريكي لإنشاء مصنع لمعالجة الليثيوم بجوار منجم الليثيوم المملوك للدولة الصينية في زيمبابوي؛ حيث تمتلك أنجولا 32 من أصل 51 معدنًا أساسيًا للتحول الأخضر لاستخدامها في السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، ومولدات طواحين الهواء، والتقنيات الأكثر أهمية مثل الرقائق المتقدمة ووحدات المعالجة المركزية للكمبيوتر العملاق. (6)

تتطلع الصين أيضاً إلى تأكيد مكانتها كقوة عظمى في إفريقيا في ضوء الحرب الباردة الجديدة مع الغرب، لا سيما لتأكيد الوصول أو الاحتكار غير المقيد إلى معادن الأرض النادرة والموارد الطبيعية الأخرى في إفريقيا، التي لها أهمية خاصة لاقتصاد الصين والمصالح العسكرية.

ثانياً: الاهتمام الأمريكي بمشروع “ممر لوبيتو” ومواجهة النفوذ الصيني

أعلنت الولايات المتحدة عن مبادرة جديدة تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في أفريقيا، تسمى “مبادرة القرن الأفريقي للتجارة والاستثمار”، على هامش فعاليات الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمية (PGII) التي عُقدت خلال قمة مجموعة العشرين G20 التي انعقدت في نيودلهي بالهند في سبتمبر 2023. تركز المبادرة على تطوير “ممر لوبيتو”، الذي يربط بين المحيط الهندي والمحيط الأطلسي عبر جمهورية الكونغو الديمقراطية. تهدف الولايات المتحدة من خلال هذه المبادرة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية إلى منطقة شرق أفريقيا، وتعزيز التجارة بين أفريقيا والولايات المتحدة. كما تسعى المبادرة إلى تحسين الأمن والاستقرار في المنطقة، وخلق فرص عمل للشباب الأفارقة(3)، ومنذ إعلان الرئيس جو بايدن عن استثمارات لتطوير ممر لوبيتو، تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها على تعزيز الجهود لدعم تطور وشفافية قطاع المعادن الحيوي، والذي يمكنه تنويع سلاسل التوريد العالمية للسيارات الكهربائية، وإفادة الاقتصادات المحلية. (7)

وتماشيًا مع استراتيجية القوة الناعمة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية في القارة الأفريقية، يعكس المشروع أيضًا نية جيوسياسية أوسع لتعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية. ومن خلال الاستثمار في مشروعات البنية التحتية، تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، وبناء شراكات دائمة يمكن أن تخدم الدول الأفريقية والمصالح الأمريكية. (8)

وتسعى الولايات المتحدة  الأمريكية إلى توجيه الموارد الأفريقية عبر ممرلوبيتوبدلاً من الطريق الشرقي عبر ميناء دار السلام بتنزانيا، ما يضمن سلاسة تدفق التجارة ونقل السلع والموارد الأساسية من وإلى المنطقة، وسيتم تخصيص الاستثمار الكبير لتمديد خط السكة الحديد وإنشاء مراكز لوجستية على طول الممر في أنجولا، وسيكون خط السكة الحديد الجديد، المعروف باسم “غرينفيلد” بين زامبيا و“لوبيتو” بمثابة أكبر استثمار منفرد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أفريقيا. (9)

تعمل الولايات المتحدة على ضخ ملايين الدولارات في مشروع ممر لوبيتو؛ حيث لا يزال الحصول على المعادن اللازمة للانتقال إلى الطاقة النظيفة مصدرًا للقلق بالنسبة للدول الغربية. ويتمحور الهدف الأمريكي الأساسي لتطوير “ممر لوبيتو” حول محاولة مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق.

تتجلى أهمية نقل تلك الموارد القيمة من حزام النحاس في وسط أفريقيا إلى الأسواق الغربية بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، خاصة مع تطور التحول في مجال الطاقة. فمن خلال الاستثمار في ممر لوبيتو تسعى الولايات المتحدة إلى:

  • تقليل الاعتماد على الصين كمورد رئيسي للمعادن.
  • إنشاء طريق تجاري أسرع وأكثر موثوقية لتصدير المعادن.
  • تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية الغنية بالمعادن.
  • بناء نفوذ اقتصادي أكبر في القارة.

إن هذه المبادرة المتعلقة بممر لوبيتو تعتمد على الدعم الأولي الذي تقوده الولايات المتحدة لإعادة تشكيل قسم السكك الحديدية من ميناء لوبيتو في أنجولا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعندما تعمل البنية التحتية للنقل بكامل طاقتها فإنها:

  • ستزيد من إمكانيات التصدير لزامبيا وأنجولا وجمهورية الكونجو الديمقراطية.
  • تعزيز التداول الإقليمي للسلع وتعزيز حركة المواطنين.
  • الانخفاض الكبير في متوسط ​​وقت النقل وانخفاض التكاليف اللوجستية وانبعاثات الكربون عند تصدير المعادن.
  • تشمل الاستراتيجية تطوير مشروعات الطاقة النظيفة ودعم الاستثمار المتنوع في “المعادن الحيوية”.
  • توسيع الوصول الرقمي وزيادة سلاسل القيمة الزراعية.
  • تدريب القوى العاملة المحلية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتنويع الاقتصادي. (10)

ولكن هناك بعض التحديات التي تواجه المبادرة الأمريكية لتطوير ممر لوبيتو:

  • إن السبق الذي حققته الصين في أفريقيا، سواء من حيث البنية التحتية الراسخة أو العلاقات الدبلوماسية، يشكل عقبة كبيرة أمام الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أسهمت مبادرة الحزام والطريق بالفعل في ترسيخ مكانة الصين كشريك يمكن الاعتماد عليه للدول الأفريقية التي تحتاج إلى تطوير البنية التحتية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بجدية لبناء ثقة مماثلة.
  • يجب على الولايات المتحدة التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، والعلاقات التاريخية، والديناميكيات الإقليمية بعناية شديدة. (11)

ثالثاً: تزايد الاهتمام الأفريقي – الأفريقي بمشروع “ممر لوبيتو”

ترى الدول الأفريقية أن مشروع ممر لوبيتو يمكن أن يساعد في حل بعض التحديات التي تواجهها المنطقة، مثل الفقر وعدم المساواة، كما أنه من المتوقع أن يخلق المشروع وظائف جديدة ويحسن الوصول إلى الأسواق العالمية، وأن يعزز الأمن في المنطقة من خلال تسهيل التجارة والتنمية.

ولكن لم يكن الاهتمام الأفريقي بمشروع “ممر لوبيتو” بمنأى عن الرعاية الأمريكية والدعم الغربي، ففي الآونة الأخيرة، استثمرت حكومات الدول الثلاث التي يمر عبرها ممر لوبيتو، وهي أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في توسيعه؛ حيث وقعت أنجولا وجمهورية الكونجو الديمقراطية وزامبيا في27 يناير 2023 بميناء لوبيتو بمحافظة بنجويلا الأنجولية على اتفاقية ثلاثية لتسهيل العبور والنقل في ممر لوبيتو، وتنص هذه الاتفاقية على تعزيز علاقات التعاون في مجال حركة الأشخاص والبضائع وتسريع نمو التجارة المحلية والتي عبر الحدود على طول ممر لوبيتو. (12)

وقد حظي التزام أنجولا وزامبيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية بتطوير ممر لوبيتو بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ حيث رحبت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالالتزام الأخير لأنجولا وزامبيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية بتطوير ممر لوبيتو.

واجتمع وزراء أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا في 16 ديسمبر 2023 في العاصمة الأنجولية، لمناقشة تنسيق سياسات وأنظمة النقل وتطوير البنية التحتية على طول “ممر لوبيتو”، وأوضحت أمانة مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي (سادك) SADC ومقرها الجابون، أن الغرض من هذا الاجتماع هو مراجعة وتقييم التقدم المُحرز في الأنشطة الرامية إلى تسريع تنفيذ برنامج تسهيل النقل العابر في ممر لوبيتو. (13)

كما قرر بنك التنمية الأفريقي، وهو مؤسسة أفريقية غير ربحية تنتمي إليها الدول الأفريقية والأجنبية، الاستثمار في تطوير وتوسيع ممر لوبيتو، ووقع البنك الأفريقي مذكرة بالتعاون مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية وحكومات أنجولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في 26 أكتوبر 2023، وانضمت الولايات المتحدة أيضاً إلى المذكرة، بعد أن أعربت بالفعل عن اهتمامها بتمويل الخط بم بلغ 250 مليون دولار. وسيركز التعاون على ثلاثة مجالات: استثمارات البنية التحتية للنقل، تدابير لتسهيل التجارة والتنمية الاقتصادية والعبور، ودعم القطاعات ذات الصلة لتحفيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام واستثمار رأس المال في البلدان الأفريقية الثلاثة على المدى الطويل.

كذلك وقعت المفوضية الأوروبية ومؤسسة التمويل الأفريقية (وهي منظمة مالية تجمع عدة دول أفريقية وتهتم بدعم تطوير البنية التحتية للقارة) مذكرة تنص على التزام مشترك ببناء ما يقرب من 800 كيلومتر من الممر، في كل من زامبيا وفي الدولتين الأخريين التي يعبرهما، ومن المنتظر أن تكتمل أشغال توسيع هذا المشروع في غضون خمس سنوات، وفقاً لتقديرات الحكومة الأميركية. (14)

رابعاً: السيناريوهات المحتملة للتنافس الأمريكي – الصيني على “ممر لوبيتو”

يمكن تصور مجموعة من السيناريوهات المحتملة للتنافس الصيني الأمريكي على ممر لوبيتو، والتي تعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك:

  • الموقف النهائي للحكومات الأفريقية المشاركة في المشروع.
  • النجاح الاقتصادي للمشروع.
  • تطور العلاقات الأمريكية الصينية في السنوات القادمة.

فيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة:

السيناريو الأول: انتصار أمريكي

وفقاً لهذا السيناريو، يمكن أن تنجح الولايات المتحدة في تقليص ميزة الصين في ممر لوبيتو، ويصبح المشروع أداة رئيسية لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في أفريقيا. قد يؤدي ذلك إلى تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وزيادة مشاركة الولايات المتحدة في التنمية الاقتصادية في أفريقيا.

السيناريو الثاني: انتصار صيني

وفقاً لهذا السيناريو، يمكن أن تنجح الصين في السيطرة على ممر لوبيتو، ويصبح المشروع أداة رئيسية لتعزيز نفوذ الصين في أفريقيا. قد يؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد الاقتصادي للبلدان الأفريقية على الصين، وتعزيز سيطرة الصين على الموارد الطبيعية في المنطقة. ولكن من المحتمل أن تؤدي السيطرة الصينية على ممر لوبيتو إلى زيادة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وقد تؤدي إلى تصعيد المنافسة بينهما في أفريقيا.

السيناريو الثالث: تقاسم النفوذ

وفقاً لهذا السيناريو، يمكن أن تنجح الولايات المتحدة والصين في إقناع الدول الأفريقية المشاركة في مشروعاتهما، ويصبح ممر لوبيتو مسارًا بديلًا لنقل المعادن من أفريقيا إلى العالم. يؤدي ذلك إلى تقاسم النفوذ بين الولايات المتحدة والصين في أفريقيا، دون أن يتمكن أي منهما من الخروج منتصرًا.

السيناريو الرابع: فشل المشروع

في هذا السيناريو، يمكن أن يفشل مشروع ممر لوبيتو بسبب عوامل مختلفة، مثل عدم قدرة الدول الأفريقية على الاتفاق على المشروع، أو عدم توفر التمويل اللازم، أو عدم نجاح المشروع اقتصاديًا. يؤدي ذلك إلى إضعاف النفوذ الأمريكي والصيني في أفريقيا.

ولكن من الصعب تحديد أي من هذه السيناريوهات هو الأكثر ترجيحًا؛ حيث يعتمد ذلك على مجموعة من العوامل، بما في ذلك التطورات السياسية والاقتصادية في كل من الولايات المتحدة والصين، والمواقف السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية والدول الأفريقية الأخرى.

ومع ذلك، من المرجح أن يستمر التنافس الأمريكي الصيني على ممر لوبيتو في المستقبل، وقد يصبح أكثر حدة؛ حيث تسعى كل من القوى العظمى إلى تعزيز مصالحها في أفريقيا.

ختامًا

يمكن القول إن الصين استطاعت أن تحقق مكاسب استراتيجية هائلة في القارة الأفريقية، عبر استثماراتها في البنية التحتية والتعدين وفق رؤيتها التي أعلنت عنها وهي “مبادرة الحزام والطريق”. ولكن على الرغممن الخطوات الواضحة التي اتخذتها الصين خلال العقدين الماضيين داخل أفريقيا في جميع القطاعات والمجالات، لكن الحضور الأمريكي ومعه الدول الأوروبية لا يزال فاعلًا وقادرًا على مجاراة الصين واللحاق بها، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات وبناء الشركات، لكن ذلك سيتطلب بلا شك رؤية سياسية مغايرة عن التي كانت تنتهجها في سياساتها الخارجية مع الدول الأفريقية.  (15)

المراجع:

( 1 ) “ممر لوبيتو”.. لماذا تتنافس دول كبرى على تمويل خط سكة حديد في أنغولا؟، تقرير، 14 ديسمبر 2023، أخبار الغد، https://2u.pw/VNwcRq4

(2 ) السفير بلال المصري، الولايات المتحدة وممرات النقل الدولية: استراتيجية الاقتحام، دراسة، 20 سبتمبر 2023، المركز الديمقراطي العربي، https://2u.pw/AEb9Q5J

( 3 ) فاروق حسين ، تصاعد النفوذ الصيني في إفريقيا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، مقال، حزب العدل، https://2u.pw/8jsh9ZV

(4 ) منى عبد الفتاح، هل تقطع واشنطن الممر الأفريقي أمام بكين؟، تقرير، 18 نوفمبر 2023، إندبندنت عربية، https://2u.pw/AEb9Q5J

( 5 ) رضوى صقر، النفوذ الصيني في إفريقيا.. إلى أين؟، دراسة، 24 مارس 2023، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، https://2u.pw/hyYyTnO

( 6 ) بريثفي جوبتا ، ممر لوبيتو:  الغرب ضد الهيمنة الصينية في وسط أفريقيا، مقال، 15 ديسمبر 2023، موقع Afronews24،  https://2u.pw/Rcz3MIK

( 7 ) قمة العشرين.. واشنطن تكشف عن خطتها لدعم مشاريع في 3 قارات، تقرير، 10 سبتمبر 2023، موقع الشرق نيوز، https://2u.pw/yZDFXtV

( 8 ) بعد الممر الاقتصادي الجديد.. واشنطن تواجه «الحزام والطريق» في أفريقيا بممر “لوبيتو”، ترجمات، 22 نوفمبر 2023، جريدة الشروق، https://2u.pw/4qNl1FM

( 9 ) منى عبد الفتاح، مرجع سابق.

( 10 ) أنجولا: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يؤكدان التزامهما بدعم ممر لوبيتو، تقرير، 11 سبتمبر 2023، موقع مصر وأفريقيا،

https://2u.pw/S0JuMgI

( 11 ) منى عبد الفتاح، مرجع سابق.

( 12 ) “ممر لوبيتو”.. لماذا تتنافس دول كبرى على تمويل خط سكة حديد في أنغولا؟، مرجع سابق.

( 13 ) وزراء أنجولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا يضعون استراتيجية بشأن ممر لوبيتو الحدودي، تقرير، 17 ديسمبر 2023، موقع مصر وأفريقيا، https://2u.pw/31rKsO0

( 14 ) “ممر لوبيتو”.. لماذا تتنافس دول كبرى على تمويل خط سكة حديد في أنغولا؟، مرجع سابق.

  • Alex Stonor, The Lobito Corridor: Washington’s Answer To Belt And Road In Africa – Analysis,  Geopolitical( 15 ) Monitor, 20 November 2023