حسام عيد – محلل اقتصادي

مع نفاد الدولار، يمكن لحقوق السحب الخاصة أن تزود البنوك المركزية الأفريقية بالسيولة، ولكن فقط إذا أعطى مساهمو صندوق النقد الدولي موافقتهم.

وكان حديث الأسابيع القليلة الماضية على المسرح الدولي حول تخفيف عبء الديون، سواء عبر اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (ECA)، أو قوة عمل الاتحاد الأفريقي (AU) أو الحكومات المختلفة.

والنتيجة كانت دعوة متعددة الأطراف إلى ضرورة تزويد الدول الأفريقية بالقوة اللازمة للتعامل مع الأزمة الصحية والاقتصادية المزدوجة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

وسرعان ما استجابت بلدان ووكالات عدة، بشكل إيجابي للدعوة، ووافقت من حيث المبدأ إلى حد كبير على تخفيف الديون، من خلال تأجيل القروض ومدفوعات الفوائد المستحقة على مدى العامين المقبلين، على الرغم من أن الشروط لم يتم توضيحها وتفصيلها بالكامل حتى الآن.

لكن يمكن القول: إن البلدان الأفريقية مطالبة بسداد 44 مليار دولار من مدفوعات فوائد وأقساط القروض المستحقة عليها في 2021، ومن خلال تجميد هذه الأموال، يمكن للحكومات تحويلها كحوافز مالية لدعم الأكثر حرمانًا ومعاناة من عمليات الإغلاق ودعم الشركات التي تأثرت بالوباء.

هذا إلى جانب ضمان جميع شركاء التنمية في أفريقيا، بقاء ميزانيات مساعداتهم التنموية مفتوحة أمام المجتمعات الأفريقية دون مساس.

وهناك صك آخر، تم ذكره، وهو حقوق السحب الخاصة. ولكن ما هي حقوق السحب الخاصة؟ وكيف تعمل؟ وكيف ستساهم رفع الاستجابة الاقتصادية والصحية لدى بلدان القارة السمراء في خضم الجائحة الوبائية المستمرة حتى الآن؟

مبادرة تجميد الديون

اليوم، المجتمع الدولي أصبح مطالبًا على الفور بتجميد كافة خدمات الديون الثنائية ومتعددة الأطراف للدائنين من القطاعين العام والخاص حتى تنتهي الجائحة.

ومن أجل دعم هذه العملية وتوفير مزيد من السيولة لشراء السلع الأساسية والإمدادات الطبية الأساسية يجب على صندوق النقد الدولي أن يقرر على نحو عاجل بشأن تخصيص حقوق السحب الخاصة.

تفعيل حقوق السحب الخاصة

وحق السحب الخاص؛ هو أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي في عام 1969 ليصبح مكملًا للأصول الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء.

وقد تم حتى الآن توزيع 204.2 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 291 مليار دولار أمريكي) على البلدان الأعضاء، منها 182.6 مليار وحدة تم توزيعها في 2009 عقب الأزمة المالية العالمية.

وتتحدد قيمة حق السحب الخاص وفقًا لسلة من خمس عملات -الدولار الأمريكي واليورو واليوان الصيني والين الياباني والجنيه الاسترليني.

ويُستخدم حق السحب الخاص كوحدة حساب في الصندوق وبعض المنظمات الدولية الأخرى.

وحق السحب الخاص ليس عملة ولا استحقاقًا على الصندوق، بل هو استحقاق محتمل على عملات البلدان الأعضاء القابلة للاستخدام الحر، ويمكن مبادلة حقوق السحب الخاصة بهذه العملات.

أزمات واسعة النطاق بالأفق

أثرت أزمة “كوفيد-19” على العديد من قطاعات الاقتصاد، مما أثر سلبًا على ميزان المدفوعات والوصول إلى العملات الأجنبية، وذلك لأن أكثر من نصف العالم في وضع الإغلاق، والطلب على بعض السلع انخفض بشكل كبير.

ففي الأسواق النفطية انخفض خام برنت من 67 دولارًا في بداية العام إلى 16 دولارًا في يوم 22 أبريل، بينما سجلت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي لتسليم مايو انهيارًا تاريخيًّا، بتداولها في النطاق السالب وللمرة الأولى بعدما وصل سعر النفط الأمريكي الخفيف إلى 37.63 دون الصفر، وبنسبة تراجع تجاوزت الـ300%.

وقد شكلت الزيوت البترولية 40% من صادرات أفريقيا العام الماضي وفقًا للجنة الاقتصادية الأفريقية بالأمم المتحدة، وبالنسبة لهذه البلدان، يمثل هذا القطاع غالبًا 90% أو نحو ذلك من عائدات النقد الأجنبي.

لكن التأثير لا يقتصر على السلع فقط، فقد تضرر قطاع البساتين في كينيا، فقبل أزمة كورونا كانت تصدر ما قيمته مليار دولار من الزهور القيمة يوميًّا، ولكن تراجعت تلك الحصة قليلًا اليوم.

كما تضررت السياحة، ومن غير المرجح أن تنتعش بسرعة، مما يؤثر على البلدان من المغرب إلى موزمبيق وجزر المحيط الهندي.

ومما يضاعف من ذلك أن هناك ثلاثة أضعاف هروب رأس المال الذي شهدناه خلال الأزمة المالية لعام 2008، حيث شهدت الأسابيع الأولى من أزمة “كوفيد-19” هروب رأس المال بقيمة 100 مليار دولار حيث تخارج المستثمرون، حتى لو تحملت الأسواق الناشئة مثل البرازيل والأرجنتين العبء الأكبر، لكن جنوب أفريقيا شهدت انخفاض عملتها بنسبة 25٪ نتيجة لذلك.

تدابير ومساعدات عاجلة

وفي الأسبوع الأول من أبريل الجاري، أبدى وزير المالية الفرنسي برونو لومير، ترحيبه بمبادرة تجميد الديون على الدول الأفريقية الأكثر فقرًا لتجنب أي مأساة جراء جائحة كورونا.

وقال الوزير لومير -في مؤتمر صحفي بعد أيام قليلة من دعوته مجموعة العشرين لاتخاذ تدابير إزاء البلدان التي قد تجد نفسها في وضع مالي صعب- “تقع على عاتقنا مسؤولية تجنب وقوع مأساة في البلدان النامية، وخاصة في أفريقيا”.

وأكد “نحن نؤيد تجميد ديون الدول الأكثر فقرًا في الأشهر المقبلة” مشيرًا إلى أن “نادي باريس، الذي لديه خبرة بهذه الحالات، عليه أن يكون رائدًا لهذه المبادرة”.

كما لفت إلى أن فرنسا تدعم “فكرة حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي بقيمة تصل إلى 500 مليار دولار” و”طرح خط ائتمان جديد وسريع لإكمال خط تسهيلات التبادل لدى البنوك المركزية لدعم البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليها”.

وتعد خطوط تسهيل التبادل أدوات للحماية من مخاطر نقص السيولة بالعملات الأجنبية، وعادة ما تستخدم للدول التي تقترض بالدولار وتنخفض قيمة عملتها مقابل الدولار، مما يجعل سداد ديونها أكثر صعوبة.

الوصول إلى الدولارات

في ظل هذه الخلفية التي ربما تنذر بمستقبل مجهول الملامح، ما تزال البلدان في حاجة ماسة للعملة الأجنبية لتمكينها من استيراد المنتجات الحيوية، سواء أكان ذلك الطعام أو الوقود أو السلع الطبية.

وتمنح حقوق السحب الخاصة، التي يشار إليها غالبًا باسم “الذهب الورقي”، البنوك المركزية إمكانية الوصول إلى الدولارات من خلال صندوق النقد الدولي، مما يمنحها السيولة في العملات الأجنبية.

وحقوق السحب الخاصة هي جزء من احتياطيات النقد الأجنبي للدول، ويمكن بيعها أو استخدامها للدفع إلى البنوك المركزية الأخرى.

ويصدر صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة لكنه يتطلب موافقة المساهمين (الدول الأعضاء) من أجل القيام بذلك.

والميزة الكبرى لحقوق السحب الخاصة هي أنها أصول عالية السيولة، وإذا تم نشرها بشكل فعال في البلدان النامية، فيمكنها بالفعل دعم السيولة وتخفيف الضغط على البنوك المركزية والاقتصادات المحلية.

وحقوق السحب الخاصة يتم تخصيصها وفقًا للحصص في صندوق النقد الدولي، مما يعني أنه لن يتوفر سوى جزء صغير من حقوق السحب الخاصة المخصصة للاقتصادات النامية والناشئة (حوالي 40%) قابلة للتداول (أي يمكن منح حقوق السحب الخاصة من دولة إلى دولة أخرى).

ويدعو عدد من الاقتصاديين والقادة مثل جوردون براون، أو جورج سوروس، أو لورانس هنري سامرز، صندوق النقد الدولي لإصدار حقوق سحب خاصة إضافية، كما يتعين على الاقتصادات المتقدمة نقل جزء أو كل حقوق السحب الخاصة بها طواعية إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

في عام 2009، أقر قادة العالم 250 مليار دولار إضافية من حقوق السحب الخاصة الإضافية.

ويقال اليوم: إن أزمة فيروس كورونا سيكون لها تأثير أعمق وأقوى قد يفوق ما حدث جراء أزمة الكساد الكبير على الاقتصاد العالمي.

ويدعو لورانس “لاري” سامرز، الاقتصادي الأمريكي البارز وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إلى ضخ تريليون دولار إضافية في حقوق السحب الخاصة.

ضخ حوافز في أفريقيا

العالم اليوم مطالب بالمساهمة الجدية في رفع قدرات أفريقيا فيما يتعلق بالاستجابة الصحية في الأزمات، وذلك من خلال العمل سريعًا على دعم قطاع الصحة العام.

وتتمتع الحكومات والأطباء والعاملون في المجال الطبي والباحثون والمجتمعات المحلية في أفريقيا بخبرة ثمينة في الحد من انتشار الأوبئة.

لقد اتخذت معظم البلدان بالفعل إجراءات قوية لإبطاء انتشار الفيروس وهي مستعدة لبذل مزيد من الجهد؛ بالإضافة إلى السعي المتواصل من قبل الاتحاد الأفريقي لحشد الدعم الدولي لمساندة ورفع قدرات الدول الأفريقية.

فيما يجب وضع حزمة حوافز اقتصادية شاملة لا تقل عن 100 مليار دولار على طريق التطبيق، وذلك بما يتماشى مع الاحتياجات التي قدرها وزراء المالية الأفارقة والأمم المتحدة.

والهدف من ذلك هو منح الدول الأفريقية مساحة فيما يتعلق بالسياسة المالية التي تحتاجها لمحاربة الفيروس بموارد تضاف إلى قطاع الصحة العامة والتخفيف في الوقت نفسه من العواقب الاقتصادية والاجتماعية.

لذلك باتت مؤسسات البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، بنك التنمية الأفريقي، بنك التنمية الجديد والمؤسسات الإقليمية الأخرى مطالبة باستخدام جميع الأدوات المتاحة ومراجعة لوائح الوصول الخاصة بها وحدود الحصص حتى تتمكن البلدان منخفضة الدخل من الاستفادة من دعمها.

وختامًا، يمكن القول: إن وحده التعاون الدولي قادر على أن يؤدي إلى النجاح، ومن ثم احتواء الضغوط الهائلة على النظم الصحية والاقتصادات وسبل المعيشة للأفراد بسبب التدابير الوقائية والاحترازية لمكافحة وباء كورونا.

الجميع مطالب اليوم بالاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة للقيام بمبادرة إنسانية طموحة من أجل أفريقيا على أساس الخطة العالمية للعمل الإنساني ضد “كوفيد-19″، وذلك لضمان توفير إمدادات غذائية حيوية ولوجستية للمجتمعات، التي تتأثر معظمها بسبب حظر التجول وإجراءات التباعد الاجتماعي ومعدلات العدوى العالية.