كتبت – أسماء حمدي
لا يصمت السلاح في السودان، إذ امتدت الاشتباكات الدائرة منذ 15 إبريل بين قوات الجش وقوات الدعم السريع في الخرطوم إلى بعض ولايات البلاد، ليبقى الوضع في إقليم دارفور الذي عاش سنوات دموية من الحرب الأهلية متوترًا، لا سيما في مدن نيالا والجنينة والفاشر.
وبعد مرور 20 عامًا على بدء الصراع في الإقليم، أصبحت الميليشيات العربية في حالة هياج وهو ليس بالأمر الجديد بالنسبة لأهالي دارفور الذين يفرون عبر الحدود إلى تشاد، فوجوههم المرهقة يغلفها الدمار والمعاناة التي عانوها على مدى عقود.
الفرار من جحيم الحرب
يقول أحد سكان دارفور ويدعى محمود آدم حمد في حديثه لشبكة “بي بي سي”: “بالكاد تمكنَّا من العودة إلى الوطن وبدء حياة جديدة، لكن القتال أجبرنا على الهرب مرة أخرى”.
وقدرت الأمم المتحدة بأن أكثر من 200 ألف شخص فروا منذ بداية الاشتباكات إلى الدول المجاورة، بينهم 60 ألف شخص فر عبر الحدود من دارفور إلى تشاد.
ومنذ سنوات كانت دارفور في حالة اضطراب بين مختلف مجتمعاتها الأفريقية والعربية، عندما حمل غير العرب السلاح ضد الحكومة عام 2003، واشتكوا من التمييز، وردت الحكومة بتعبئة وتسليح ميليشيات معظمها من العرب، المعروفين باسم الجنجويد، وقد اتُّهموا بارتكاب فظائع واسعة النطاق.
وتحول العديد من مقاتلي الجنجويد إلى قوات الدعم السريع، ويبدو أن الميليشيات العربية المرتبطة بقوات الدعم السريع تستغل الفراغ الأمني في دارفور، مما أطلق العنان للعنف الذي أدى إلى نزوح جماعي للناس من المنطقة، بعضهم مثل حمد وعائلته، إذ انتهى بهم الأمر في مخيم مؤقت للاجئين في قرية كفرون التشادية.
يقدر عدد الأشخاص الموجودين في مخيم اللاجئين بكفرون بنحو 8000 شخص، بعد أن تمكنوا من الفرار مع عدد قليل من ممتلكاتهم وماشيتهم، وهو أحد الأصول القيمة التي يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة.
يقول حمد إنه مر برحلتين خطرتين الأسبوع الماضي، عبر الحدود لجلب زوجتيه وأطفاله الثمانية من دارفور، مضيفًا: “قمت برحلتي بشكل رئيسي في الليل، أحضرتهم وانتقلت من مكان إلى آخر مع عائلتي حتى وصلنا”.
يضيف حمد: وهو يقف بجوار مأواه المؤقت المكون من العصي والأغطية البلاستيكية: “لقد كدت أن أسرق في الرحلة الثانية”، مشيرًا إلى أن قريته تعرضت للهجوم من قبل في دارفور، وفقد مزرعته وحيواناته وقُتل بعض أقاربه على يد الجنجويد.
يحكي حمد كيف فر في ذلك الوقت من قرية إلى قرية وعبر الحدود إلى تشاد: “لقد تعرضنا للضرب والجلد، وتوسلنا إليهم من أجل إطلاق سراحنا”، مشيرا إلى أنه عاد لاحقًا إلى دارفور مع أسرته ظنًا أن الوضع آمن، لكنه الآن وجد أن الماضي يتكرر مرة أخرى.
يكسب الآن القليل من المال في المخيم باستخدام عربته لنقل متعلقات اللاجئين الآخرين، ويستخدم النقود لشراء الطعام.


في مهب الريح
يجلس إبراهيم بشار عبرة (83 عامًا) وزوجته ماكا نسيم طبير (70 عامًا) في ظل غطاء بلاستيكي يرفرف في مهب الريح مما يوفر لهما بعض الراحة من الحرارة الشديدة، وهم محاطون بممتلكاتهم المغطاة بالبطانيات لحمايتهم من الغبار.
في نزاع دارفور عام 2003، فقد إبراهيم وزوجته مصادر رزقهما بعد مداهمة مزرعتهما وسرقة ماشيتهما، واختطاف 3 من أطفالهما وليس لديهما أي فكرة عن مكانهم، مضيفا: “أصبحت معدمًا بدون منزل وأعتمد كليًا على الآخرين”.
ما أجبره على التحرك قبل أسبوعين هو هجوم بعض المليشيات على قريته أودى بحياة العديد من الأشخاص، يقول إبراهيم: “أحرقت القرية كلها وسُويت بالأرض، وتم إخلائي بعربة وإحضاري إلى هنا”، مشيرًا إلى أن التهاب المفاصل يجعل من المستحيل عليه التحرك بمفرده.
يقول: “لا توجد حكومة في دارفور، فقط المليشيات التي تقتل وتغتصب وتختطف، والله وحده يعلم ما يخبئ لنا”، مشددًا على أنه لن يعود إلى دارفور “أبدًا”، مضيفا: “أنا بأمان هنا، أنا سعيد بجلب الماء من هذا الوادي لأشربه، ما الذي سأكسبه من العودة؟ أنا ضعيف يبلغ من العمر 83 عامًا”.
في الوقت الحالي، يتم الاعتناء بإبراهيم وزوجته من قبل وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، ومن المتوقع وجود عشرات الآلاف من اللاجئين الآخرين وهناك مخاوف من أن القتال في دارفور يمكن أن يتحول إلى صراع كامل.


حرب أهلية تلوح في الأفق
تستضيف تشاد بالفعل أكثر من مليون نازح، من بينهم ما يقرب من 400 ألف لاجئ سوداني من دارفور، يقول المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي بيير هونورات، إن السباق مستمر الآن للحصول على الدعم للمخيمات قبل بدء موسم الأمطار.
يقول هونورات: “هناك حاجة ماسة للمساعدات لأنه في غضون أسابيع قليلة، سيكون الطريق للمجيء ومساعدتهم صعبًا للغاية، ويجب أن نمتلك الموارد لنكون قادرين على دعمهم”.
قد يكون اللاجئون في كفرون التشادية قد وصلوا إلى بر الأمان، لكن مثل الكثير من السودانيين يكمن مستقبلهم في أيدي جنرالين يتقاتلان على بلادهم، إنهم يتعرضون لضغوط دبلوماسية مكثفة للتفاوض على إنهاء الصراع، أو المخاطرة بإغراق السودان في حرب أهلية قد تكون أسوأ من تلك الموجودة في ليبيا وسوريا.


أهمية استراتيجية
تكتسب دارفور أهمية استراتيجية لطرفي الصراع المتحاربين، وهما القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، إذ بنى الرجلان حياتهما المهنية في تلك المنطقة، لا سيما أن البرهان ارتقى في صفوف الجيش أثناء القتال هناك، وفقا لوكالة أنباء رويترز.
فيما بدأ حميدتي حياته العسكرية قائدًا لإحدى الميليشيات التي قاتلت ضمن معارك عدة لصالح الحكومة خلال عهد عمر البشير.


جمر تحت الرماد
تزخر تلك المنطقة الشاسعة غربي السودان، التي تسكنها قبائل عدة عربية وأفريقية، والمشهورة بالزراعة، وتعادل مساحة فرنسا تقريبا، بذكريات أليمة من الحرب الأهلية الطاحنة التي امتدت سنوات، مخلفة آلاف القتلى فضلا عن مجازر كبرى بين القبائل، قبل عقدين من الزمن.
ورغم اتفاقيات السلام العديدة، إلا أن التوتر في إقليم دارفور لا يزال مستمرًا منذ عام 2003، كالجمر تحت الرماد، ينتظر شرارة لإيقاظه، وقد تصاعد العنف بالفعل خلال العامين المنصرمين بشكل متقطع قبل أن يهدأ نسبيًّا، ليعود إلى الاشتعال ثانية.