كتب – حسام عيد

بعد فترة طويلة من التقاعس عن العمل، ربما أصبحت جنوب أفريقيا أخيرًا أكثر تشددًا في التعامل مع الفساد. هل سيستفيد الرئيس سيريل رامافوزا من الزخم؟

مكافحة ظاهرة الاستيلاء على الدولة

منذ انتصار نيلسون مانديلا، كانت هناك قضايا تضر بتنمية جنوب أفريقيا مثل الفساد. كما اعترف الرئيس سيريل رامافوزا قبل التحقيق في أواخر أبريل، بفشل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في التعامل مع السرقة المتفشية لموارد الدولة، وهي ظاهرة أصبحت مترسخة على أعلى مستوى تحت قيادة الرئيس السابق جاكوب زوما.

في أكتوبر الماضي، كشف رامافوزا أن الفساد في عهد سلفه -المعروف على نطاق واسع باسم “الاستيلاء على الدولة”- كلف البلاد ما يقدر بنحو 34 مليار دولار.

وقال الرئيس الجنوب أفريقي: “ندرك جميعًا أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كان بإمكانه، وكان ينبغي عليه، فعل المزيد لمنع إساءة استخدام السلطة واختلاس الموارد التي حددت حقبة الاستيلاء على الدولة”.

لكن مع وجود حزب تمزقه الفصائل ولا يزال حلفاء زوما في مناصب عليا، تصرف رامافوزا ببطء وحذر لاستئصال الإجرام. في الآونة الأخيرة، ربما بدأ نهجه الهادئ في التغيير.

واليوم، يواجه المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم لجنوب إفريقيا معركة داخلية يبدو أن لا مفر منها بعدما تجاهل أمينه العام إلياس ماغاشولي مهلة حددها له الحزب للاستقالة على خلفية اتهامات بالفساد.

وقد ذكر تقرير بحثي عام 2017 نشر تحت عنوان “خيانة العهد: كيف تجري سرقة جنوب أفريقيا” اسم ماغاشولي كواحد من مجموعة من شخصيات “النخبة” التي بنت شبكات محسوبيات مستفيدة من التوزيع غير الشرعي للميّزات في عهد زوما.

وترتبط التهم الموجهة لماغاشولي بأموال عامة خُصّصت لإدخال تعديلات على المنازل الحكومية التي تضم أسقفا من الحرير الصخري عام 2014. بقيت الأسقف المصنوعة من المادة الخطيرة في مكانها فيما يعتقد محققون بأنه تم نهب مبلغ يتجاوز 12 مليون دولار في إطار المشروع.

وفي مايو الماضي، أوقف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الأمين العام القوي إلياس ماغاشولي الملقب بـ”أيس”، بعد انقضاء مهلة مدتها 30 يومًا بنهاية مارس 2021، بعد اتهامه باختلاس الأموال العامة أثناء رئاسة وزراء مقاطعة فري ستيت. بموجب مدونة سلوك أكثر صرامة، يواجه أعضاء الحزب المتهمون بالفساد الإيقاف بعد شهر إذا لم يتنحوا طواعية”.

ورفض ماغاشولي، الذي نفى الاتهامات، الامتثال لقرار، بل وحاول توقيف رامافوزا، مستشهدا بسلطته كأمين عام. يقول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إنه سيعاقب ماغاشولي بمزيد من التأديب إذا لم يعتذر عن محاولة الانتقام.

تكلفة الفساد

يمثل هذا الصراع نوبة مملة أخرى من الحرب داخل الحزب، لكن الرهانات أعلى بكثير من مجرد ألعاب سياسية. لقد طال انتظار إحراز تقدم حقيقي في مكافحة الفساد وكانت له آثار مدمرة في العالم الحقيقي على مواطني جنوب أفريقيا.

لقد نهب الفساد حكومة جنوب أفريقيا والقطاع الخاص والشركات المملوكة للدولة، وأدى إلى ردع الاستثمار وفراغ الخدمات العامة. بينما تواجه جنوب أفريقيا التداعيات المتصاعدة لوباء “كوفيد-19″، تم الكشف الصادم عن فجوات الميزانية في نظام الرعاية الصحية العامة غير الملائم. تشير الأبحاث التي أجراها مجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا إلى أن أكثر من133 ألف شخص في البلاد ماتوا بسبب كورونا، وهو عدد أكبر بكثير من العدد الرسمي البالغ حوالي 57 ألف شخص.

وقد كشف تقرير لاذع حول إساءة استخدام صندوق الإغاثة والاستجابة لجائحة كوفيد-19 في البلاد من قبل المدقق العام خلال 2020، عن المبالغة في الأسعار والاحتيال المحتمل. في بعض الحالات، تم شراء معدات الحماية الشخصية بخمس مرات أكثر من السعر الإرشادي، وتم وضع علامة على حوالي 30 ألف منحة إغاثة لمزيد من التحقيقات.

وكانت السلطات قد أوقفت ماغاشولي لمدة وجيزة في نوفمبر 2020 وخرج من السجن بكفالة بينما يواجه تهما بالفساد. ومن المقرر أن يمثل أمام محكمة عليا في أغسطس 2021.

اختبار تحسين الصورة

سيشكّل مصير “ماغاشولي” اختبارًا لتعهّد المؤتمر الوطني الأفريقي تحسين صورته في ما يتعلّق بالفساد وإعادة إحياء الثقة في هيئات الحكم في جنوب أفريقيا وكسب التأييد للحزب مجددًا في صناديق الاقتراع، بعد التراجع المتواصل لحركة نيلسون مانديلا التاريخية منذ أن تسلمت السلطة عند سقوط نظام الفصل العنصري عام 1994، وقد حصلت على 70% من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 2004، و66% عام 2009، و62% عام 2014، و57,5% عام 2019.

ويشير محللون إلى أن هذه الاستراتيجية قد تنجح أو تخفق بناء على مصير ماغاشولي (61 عامًا) المعروف بقوة شخصيته ونفوذه.

وقال أستاذ العلوم السياسية ماكيبيسي ندليتيانا “لأول مرة يكون المؤتمر الوطني الأفريقي على وشك طرد أمينه العام. لم يحصل ذلك قط في التاريخ”.

وتلامس قضية ماغاشولي تاريخ وجوهر الحزب الذي أنهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحكم البلاد منذ أول انتخابات ديمقراطية جرت عام 1994.

وفي ظل تسلسل هرمي مغلق، علت رتبة ماغاشولي شيئا فشيئا، بدءا من مقاطعته فري ستيت (وسط) ليبني شبكة من الداعمين على مدى مسيرته.

حتمًا، دمر الفساد المستشري الثقة في الحزب الحاكم، مما ساهم في تحقيق أسوأ نتائج انتخابات لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في العصر الديمقراطي في عام 2019. ومع التنظيم المرتقب للانتخابات المحلية في أواخر أكتوبر المقبل، فإن اتخاذ إجراءات حازمة بشأن الفساد ليس صحيحًا من الناحية الأخلاقية فحسب، بل يمكن أن ينشط حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ويعيد الانتصار بدعم الناخبين. بالنسبة لجنوب إفريقيا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي نفسه، حان الوقت الآن لقيادة جريئة وحازمة لإنهاء بلاء الفساد.