كتب – محمد الدابولي
استجابة نشطة أبدتها الحكومة الرواندية تجاه أزمة انتشار الإرهاب في إقليم جنوب أفريقيا؛ فالقوات الرواندية كانت في طليعة القوات الأفريقية المزمع انتشارها في شمال موزمبيق لمواجهة تحدي انتشار التنظيمات الإرهابية في هذا البلد.
أكد رونالد رويفانجا -المتحدث باسم وزارة الدفاع في رواندا- أن بلاده شرعت -يوم الجمعة 9 يوليو- في نشر قوة عسكرية وأمنية، قوامها ألف جندي في موزمبيق تعمل على محاربة تمدد الإرهاب في موزمبيق وإصلاح قطاع الأمن، ومؤكدًا أن القوة مدربة بشكل كافٍ على عمليات مكافحة الإرهاب.
استجابة السادك وتراجع موزمبيق
دفعت هجمات مدينة بالما الساحلية والغنية بالغاز الطبيعي -في شهر مارس الماضي- إلى تنازل موزمبيق عن موقفها السابق الرافض لنشر أي قوات أجنبية في البلاد لمعاونة جيشها في القضاء على بؤر التمرد والإرهاب في شمال البلاد، فالهجمات الأخيرة كانت وطأتها أشد جعل الحكومة الموزمبيقية تتراجع عن مواقفها السابقة، إذ طالت الهجمات المنشآت النفطية مما عرض مصالح دول أخرى للتهديد، فعلي سبيل المثال أعلنت شركة توتال الفرنسية العاملة في أحد مشروعات استخراج النفط والغاز في بالما عن توقفها عن العمل.
وفي استجابة سريعة لما حدث في مدينة بالما عقدت دول منظمة الجماعة الإنمائية لجنوب أفريقيا “السادك” اجتماعًا استثنائيًّا في أبريل 2021 لتنظيم العمل بين دول المنظمة في محاربة الإرهاب الناشئ في أحد الأقاليم الأفريقية نموًّا وتنمية وإنشاء مركز للعمليات الإنسانية والحالات الطارئة في شمال موزمبيق.
أوصت قمة أبريل 2021 بنشر قوة عسكرية قوامها ثلاثة آلاف جندي في شمال موزمبيق واعتبار التهديدات الإرهابية في شمال موزمبيق تهديدًا للأمن القومي لباقي دول الإقليم، ورغم استجابة السادك السريعة إلا أن الرئيس الموزمبيق فيليبي نيوسي سعى إلى توسيع قاعدة الدول الداعمة لبلاده في محاربة الإرهاب، ففي خلال لقائه مع الرئيس الرواندي بول كاجامي طلب دعم كيجالي في محاربة الإرهاب، كما واصل نيوسي طلب المساعدة من كل من فرنسا التي التقى رئيسها في مايو 2021 وكذلك البرتغال التي تتمتع بحضور قوي في موزمبيق وسارعت بنشر فرق تدريبية في أعقاب هجمات بالما، ولم يفت شهر على قمة السادك الاستثنائية في أبريل 2021 حتى لحقتها قمة أخرى عقدت في 23 يونيو الماضي تم فيها وضع الترتيبات الأخيرة لتحركات السادك في موزمبيق.
نموذج رواندا
كما أوضحنا أن مشاركة رواندا في إرسال قوات عسكرية إلى موزمبيق يعود إلى اتفاق أبرمه الرئيسين بول كاجامي وفيليبي نيوسي خلال مايو الماضي، اتفق فيه على إرسال قوة رواندية إلى البلاد للمساعدة في إحلال الأمر، ويضم هذا الأمر في طياته أبعادًا أخرى أكثر أهمية وهي تزايد الدور الإقليمي لرواندا التي نجحت في تجاوز محنة الإبادة الجماعية في منتصف التسعينيات لتصبح أكبر قوة اقتصادية ناشئة في أفريقيا.
ويبدو أن الرئيس بول كاجامي يسعى إلى الاستفادة من نجاحه في انتشال بلاده من حالة الانهيار عقب الإبادة الجماعية وتحقيق طفرات تنموية هائلة في الترويج لوضع إقليمي جديد في أفريقي سيسعى من خلاله إلى تقديم النموذج الرواندي في حل المشكلات والأزمات الداخلية أي استثمار عملية إعادة التعافي بعد الإبادة الجماعية.
حيرة نيوسي
حازت سياسات الرئيس الموزمبيقي الأخيرة فيليب نيوسي على اهتمام المحللين، وتسبب في حيرة كبيرة هي أنه كان من أبرز معارضي التدخل الخارجي في بلاده، وبدأ يسعى إلى تحقيق إدارة منفردة لعملية مكافحة الإرهاب في بلاده، حيث سعي خلال الفترة الماضية إلى الاستفادة من الخبرات الروسية وشركة فاجنر الأمنية في ملاحقة التنظيمات الإرهابية ورغم ذلك تعرضت الشركة لخسائر مدوية أدت لتراجع دورها.
من وجهة نظري أن تزايد ضربات داعش والتي وصلت إلى حد تعليق شركة توتال لأعمالها في البلاد هو ما دفع الرئيس نيوسي إلى إعادة بلورة موقفه السياسي، ووافق على عملية تدخل خارجي في بلاده، إلا أن سياسة التوسع الرهيب التي انتهجها تثير أيضا الحيرة؛ فتحركات نيوسي لم تقتصر على تدخل السادك إذ سعى لجذب قوات أجنبية أخرى من أفريقيا خارج السادك وهي القوات الرواندية، كما سعي لاستجلاب دعم وتدخل أمريكي وفرنسي وبرتغالي في بلاده الأمر الذي يثير من مخاوف فقدان حكومته للسيادة الفعلية على أراضي الدولة.
خبرة ضعيفة وإمكانيات قوية
لا يمتلك تنظيم السادك خبرات قوية في مجالات التدخل العسكري على غرار تنظيم الإيكواس الذي ينفذ العديد من المهام الأمنية والعسكرية في دول غرب أفريقيا ويمتلك خبرة متقدمة نوعا ما في مجالات التدخل العسكري وإحلال الأمن، أما تنظيم السادك فيغلب عليه الطابع الاقتصادي والتنموي نظرًا لكون دوله أكثر استقرارًا من الناحية السياسية والأمنية.
لذا تندر التدخلات العسكرية للسادك، ونذكر منها تدخل جنوب أفريقيا وبتسوانا في ليسوتو في عام 1998 وفي نفس العام تدخلت أنجولا وناميبيا وزيمبابوي في الكونغو الديمقراطية إبان الحرب الأهلية وكلا التدخلين رافقهما حالة من الفوضى وإثارة الجدل حول طبيعة تلك التدخلات.
وتشارك دول السادك حاليًا “جنوب أفريقيا وتنزانيا ومالاوي” بلواء مسلح في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في شرق الكونغو “MUNOSCO”، ونجحت تلك القوات في تحقيق تقدم محدود في مناطق شرق الكونغو، وتسعي قوات السادك إلى تثبيت سيطرة كينشاسا على منقطة شرق البلاد.
أما فيما يخص رواندا فيبدو أن القوات الرواندية أكثر تدريبًا على مواجهة التحديات الناجمة عن المظلومية السياسية والاجتماعية نظرًا لكون القوة الرواندية مشبعة بتاريخ قريب من عمليات الإبادة الجماعة سبل التعافي منها وإقرار التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الواحد.
تمرد أم إرهاب
لا تزال عملية توصيف الأحداث الأخيرة في موزمبيق متأرجحة ما بين توصيفها كتمرد مسلح وإرهاب، وذلك لأن الأحداث الأخيرة وقعت في إقليم كابو ديلجادو في شمال البلاد ذو الأغلبية الإسلامية والذي يعاني ممن الفقر والتهميش وارتفاع معدلات الأمية والبطالة فيه.
إلا أن دعاوى المظلومية بدأت تتصاعد منذ عام 2009 وهو عام الاكتشافات الكبرى في اقليم كابو ديلجادو التي أكدت على احتواء الإقليم على احتياطات عالية وفيرة من الغاز الطبيعي، مما دعا إلى تهافت الشركات النفطية الكبرى على ضخ استثماراتها في الإقليم خاصة شركة توتال الفرنسية التي تبلغ استثماراتها حوالي 20 مليار دولار، الأمر الذي ولد طموحات كبرى لأبناء الإقليم في فرص توظيف ومعيشة أفضل إلا أن اتهامات الفساد طالت النخبة السياسية من حزب فريلميو الحاكم باستغلال ثروات الإقليم وحرمان أبنائه من خيراته النابضة، وهو ما ولد حركة تمرد داخل إقليم كابو ديلجادو الذي يتمايز دينيًّا واقتصاديًّا عن باقي الأقاليم الموزمبيقية.
مزج مبكر
في معظم الأقاليم الأفريقية في الشمال والشرق والغرب نشأت الحركات التمردية رفضا لواقع سياسي واجتماعي واقتصادي معين فرضته سياسات حكومية وصمت بالفساد، ثم بعد ذلك سطت عليها التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش في محاولة من تلك التنظيمات لاستغلال المظلومية الاجتماعية في إيجاد حاضنة شعبية للإقليم، الأمر الذي أوجد لنا تنظيمات إرهابية ذات أبعاد محلية كجبهة تحرير ماسينا على سبيل المثال في مالي والتي تقتات على مظلومية جماعة الفولاني في وسط مالي، وكذلك الحال بالنسبة تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) الذي يحاول مؤخرًا التماهي مع حالة المظلومية التي يعانيها معظم سكان بحيرة تشاد.
لكن الواقع مختلف تمامًا في موزمبيق؛ فالحركات المتمردة ولدت ممزوجة بالتنظيمات الإرهابية وفقا لما توافر من معلومات لدي عن تلك التنظيمات؛ إذ ينشط في إقليم كابو ديلجادو تنظيم يطلق عليه اسم “أنصار السنة” بدأ نشاطه في عام 2003 تقريبًا، ويطلق عليه السكان المحليون اسم حركة الشباب (لا تنتمي حركة الشباب في موزمبيق لحركة الشباب في الصومال)، وترجع تسميتها -حسب بعض المصادر- إلى كونها تضم العديد من الشباب المسلمين العاطلين عن العمل في كابو ديلجادو.
بدأت العمليات القتالية بين الجيش الموزمبيقي وحركة الشباب في أكتوبر 2017، وسرعان ما تزايدت أعمال العنف والقتال خاصة بعد إعلان تبعية الحركة لتنظيم داعش في عام 2019، وانضمامها لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا الوسطى، إذ بدأت الهجمات تأخذ طباعًا أكثر دموية وعنفًا وتهديدًا فعليًّا للمصالح الأجنبية في كابو ديلجادو.
شوكة النكاية والإجهاد يطبق تنظيم داعش في موزمبيق تكتيك النكاية والإجهاد في توجيه ضرباته؛ إذ دائمًا ما يعمل على شن الضربات المتتالية العنيفة التي تخلف آثارًا مدمرة ودموية، ومدمرة للمصالح الاقتصادية، إذ خلف القتال الدائر منذ أكتوبر 2017 إلى مقتل ما يقارب ثلاثة آلاف شخص وتشريد 800 ألف نسمة وتدمير شبه تام للبنية التحتية، هذا فضلًا عن إقدام داعش على احتلال مؤقت للعديد من المناطق الاستراتيجية في البلاد مثل مدينة كويسنجا وميناء بريًّا.