كتب – كرم سعيد

باحث متخصص في الشؤون الإقليمية

تبنَّت تركيا مواقف متوازنة حيال الانقلابات العسكرية التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا في السنوات الثلاثة الماضية، وآخرها انقلاب الجابون في 30 أغسطس 2023؛ حيث أكدت مع كل انقلاب تطلعها إلى استعادة السلام والاستقرار فضلاً عن أنها لم تتخذ مواقف صدامية مع النخب العسكرية الجديدة الصاعدة في دول الانقلاب، مثل مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، وذلك لضمان الحفاظ على مصالحها في أفريقيا، والتي تنامت بصورة لافتة خلال السنوات الأخيرة، وتجلَّت مظاهرها في استضافة مدينة إسطنبول التركية في نوفمبر 2021 قمة الشراكة التركية الأفريقية، والتي نجحت في توطيد العلاقات مع دول القارة، وهو ما كشفت عنه تصريحات للرئيس أردوغان الذي أكد أن بلاده تسعى جاهدة للربح وللتطور وللتنمية مع أفريقيا، والسير يدًا بيد نحو المستقبل، وأضاف “وسَّعنا وجودنا في جميع أنحاء أفريقيا عبر مؤسساتنا مثل “تيكا” ومعهد يونس إمره ووقف المعارف ووكالة الأناضول والخطوط التركية والهلال الأحمر”.[1]

وتعززت الرؤية التركية المتوازنة تجاه انقلابات القارة الأخيرة، مع إبداء القادة العسكريين الجدد حرصًا لافتًا على تبني خطابات مناهضة للقوى الغربية، وبخاصة فرنسا، والتأكيد على أن ممارسات هذه الدول زادت الدول الأفريقية فقرًا، وانغماسًا في همها الداخلي، بينما بدت أكثر قربًا من دول الممانعة الغربية، مثل روسيا وإيران بالإضافة إلى إعلان رغبتها في الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع  القوى الإقليمية، ومنها تركيا. بيد أن توجهات قادة موجة الانقلابات الأخيرة في أفريقيا لم تكن كافية لطمأنة أنقرة على مصالحها.

فقد أثارت الانقلابات العسكرية الأخيرة في النيجر والجابون، مخاوف لدى الدول الإقليمة التي تحظى بحضور واسع في أفريقيا، مثل تركيا، لما لهذه الخطوة من تداعيات خطيرة على استقرار المنطقة من حيث تدفق المهاجرين والمجموعات المسلحة والمرتزقة والإرهابيين، بالإضافة إلى أن تصاعد فرص دخول هذه الدول في دوامة الفوضى السياسية والأمنية، قد يحمل ارتدادات سلبية على المصالح التركية، خاصة أن دول غرب أفريقيا، ومنها النيجر ومالي وتشاد تمثل ممرًّا مهمًّا لتركيا ضمن استراتيجيتها في التوغل إلى عمق القارة السمراء، عبر مشروعات حيوية في مجال الطاقة والتعاون الدفاعي ناهيك عن أن حضور تركيا في هذه الدول تحول إلى أوراق ضاغطة، نجحت تركيا في توظيفها للتأثير على مقاربات خصومها الإقليميين والدوليين، وبخاصة الولايات المتحدة، والدول الأوروبية التي تعارض لحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي، وتوجه انتقادات حادة للممارسات السلطوية في الداخل التركي.

الموقف التركي من الانقلابات العسكرية

بينما تحتفظ تركيا بمصالح استراتيجية وتمتلك مشروعات حيوية في أفريقيا عمومًا، ومنطقة الساحل والصحراء خصوصًا، وهي تُشكل ركيزة أساسية للتحركات التركية في القارة السمراء، فإن الموقف التركي من الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول القارة، وآخرها انقلاب النيجر في يوليو 2023 وانقلاب الجابون في نهاية أغسطس الماضي، اتسم في البداية بالتماهي مع الاتجاه السائد دوليًّا من الأزمة في دول الانقلابات؛ حيث أصدرت الخارجية التركية مع الانقلابات التي شهدتها الدول الخمس في أفريقيا منذ العام 2020 بيانات  أعربت فيها عن أسفها للتحركات العسكرية، وأعلنت عن دعمها للجهود الدولية والإقليمية لعودة النظام الدستوري في هذه البلاد.

فعلى سبيل المثال، أعربت الخارجية التركية عشية انقلاب مالي في 19 أغسطس 2020 عن أسفها العميق لإجبار الرئيس “كيتا” على الاستقالة، مطالبة بإطلاق سراحه، ومعلنة دعم تركيا للجهود الدولية والإقليمية لعودة النظام الدستوري في البلاد.[2] كما أصدرت في 27 يوليو الماضي بعد انقلاب النيجر بيانًا دعت فيه إلى أهمية “عدم تقويض النظام الدستوري والسلم الأهلي والاستقرار في النيجر البلد الصديق والشقيق”، وأضاف البيان: “نتابع بقلق بالغ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم الذي وصل إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية”. كذلك أكدت عشية انقلاب الجابون على أنها “تراقب عن كثب ما يحدث في الجابون وتأمل في استعادة السلام والاستقرار”.

بيد أن هذا الموقف التركي الأولي مع كل انقلاب لم يدم طويلًا؛ فسرعان ما كشف السلوك التركي عن توجهات مغايرة، وظهر ذلك في تقارب تركيا مع المجلس العسكري في مالي؛ حيث قام وزير الخارجية التركي بزيارة مالي في سبتمبر 2020. كما تجنبت تركيا عشية الانقلابات التي جرت لاحقًا في بوركينا فاسو والنيجر والجابون إدانة تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية، مكتفية بالدعوة إلى تجاوز الأوضاع الراهنة، والتأسيس لنظام دستوري جديد. كما عارضت تركيا التدخل العسكري في النيجر، وكان بارزًا، هنا، وصف الرئيس أردوغان في 21 أغسطس الماضي، قرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر بأنه غير صائب.[3]

بالتوازي أعلنت تركيا عن معارضتها للتوجهات الغربية، ومجموعة “الإيكواس” التي لوَّحت بالتدخل العسكري ضد قادة الانقلاب العسكري في الدول الأفريقية، ومنها النيجر والجابون، وقبل ذلك مالي، وذلك على الرغم من مخاوف تركية من انعكاسات هذه الانقلابات على مصالحها الاستراتيجية، واحتمال اتجاه قادة الانقلاب الجدد لصالح تطوير العلاقات مع موسكو وبكين على حساب تركيا. وربما يُشير هذا الموقف إلى رغبة تركيا في الإبقاء على خياراتها مفتوحة للتوصل إلى تفاهمات مع قادة الانقلاب، خاصة أنهم لا يحملون توجهات سلبية حيال تركيا بالإضافة إلى رغبة تركيا في استثمار هذه الانقلابات لتغذية المشاعر العدائية لفرنسا والغرب، وهو ما يعنى انحسار نفوذها في القارة لمصلحة القوى الإقليمية والدولية المنافسة، ومنها تركيا، أو على الأقل عدم تصدير صورة نمطية سلبية لتركيا في الوعي الجمعي لقادة الانقلاب الجدد والقواعد الشعبية الداعمة لهم، وهو ما قد يؤثر في الحضور التركي في هذه الدول خلال المرحلة المقبلة.

مكاسب محتملة

ثمة العديد من المكاسب المحتملة التي قد تجنيها تركيا في ظل هذه الانقلابات التي أسهمت بصورة لافتة في تراجع خصوم تركيا، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

تراجع النفوذ الغربي: تُسهم الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول القارة في تراجع النفوذ الغربي عمومًا، والحضور الفرنسي بشكل خاص في منطقة الساحل والصحراء، وعموم القارة، خاصة أن النخب السياسية التي تم الإطاحة بها في النيجر وبوركينا فاسو ومالي كانت ترتبط بتحالفات استراتيجية مع باريس والولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن النيجر تحولت إلى قاعدة رئيسية للقوات الفرنسية بعد الانسحاب من مالي، وطردها من بوركينا فاسو. كما أن القادة الجدد في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا، وبدرجة أقل في الجابون تحمل توجهات معادية للقوى الغربية. لذلك، فإن وصول نخب جديدة في هذه الدول قد  يؤدي في النهاية إلى تفكيك التحالفات مع القوى الغربية، وتقليل الاعتماد عليها، وبالتالي توسيع مساحات فراغ أكبر يمكن أن تستثمرها تركيا تركيا التي تحظى بحضور ايجابي في المجتمعات الأفريقية.

وتجدر الإشارة إلى أن تركيا سعت خلال العامين الماضيين إلى استخدام خطاب مناهض للقوى الاستعمارية التقليدية في القارة، وخاصة فرنسا،  بشكل استراتيجي لصالحها، من خلال تقديم صورة لها كدولة تتمتع بماضٍ نظيف في تعاملاتها مع أفريقيا، على عكس فرنسا.[4]

ترسيخ التمدد التركي: من بين المكاسب المحتملة التي قد تجنيها تركيا، توسيع تمددها في إقليم الساحل والصحراء، خاصة أنها حققت نجاحات لافتة في هذه الدول خلال الفترة الماضية. وتمثل العلاقة مع  النيجر والجابون بالإضافة إلى مالي وبوركينا فاسو وغينيا أولوية خاصة لتركيا لترسيخ نفوذها في منطقة الساحل والصحراء. ويبدو أن تركيا تعى أنه في ظل احتدام سخونة المشهد في غرب أفريقيا، ونجاح قادة الانقلاب الجدد في الإمساك بمفاصل المشهد، وفشل التهديدات العسكرية ضدها، قد يوفر خلال المرحلة المبلة، بيئة خصبة لتركيا التي اتخذت مواقف براجماتية تجاه تطورات الأحداث في دول الانقلابات، لتعزيز جسور التواصل مع السلطات الجديدة في النيجر والجابون وبوركينا فاسو، وهو الأمر الذي يعني تأمين سياستها التوسعية في غرب القارة السمراء.

توسيع الصادرات العسكرية: تمثل الدول الأفريقية سوقًا واعدة للصادرات الدفاعية التركية، ولعل هذا ما تَجسَّد بوضوح في صفقات المسيرات مع بعض دول القارة، منها إثيوبيا ومالي والنيجر وتنزانيا. ونجحت تركيا فيتوظيف حاجة بعض الدول الأفريقية للسلاحفي الوقت الراهن، خاصة في ظل تصاعد حدة الهجمات الإرهابية واتساع نطاقها.

في هذا السياق، رجحت بعض التقديرات احتمال توسع الصادرات العسكرية التركية إلى دول القارة بعد الانقلابات العسكرية الجديدة، خاصة في ظل مسارعة القوى الغربية، والمانحين الدوليين – مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفرنسا – إلى تعليق المساعدات المالية والتعاون الأمني مع النيجر والجابون جنبًا إلى جنب استمرار العقوبات الغربية على مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وهو ما يعني تحول تركيا إلى سوق بديلة لواردات هذه الدول من التسليح خلال المرحلة المقبلة. ووفقًا لجمعية المصدرين الأتراك فقد حققت أفريقيا عام 2021 أعلى زيادة في الصادرات العسكرية وفق المناطق؛ حيث زادت بنسبة 700 بالمئة من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار في الأحد عشر شهرًا الأولى من العام 2021، بجانب توقيع العديد من الاتفاقيات العسكرية بين تركيا ودول القارة.[5]

مصالح تركية مهددة:

على الرغم من المكاسب المحتملة لتركيا في دول الانقلابات العسكرية إلا أن ثمة مخاوف من تعرض مصالحها للضرر أو على الأقل تكون موضع قلق، وتتعدد الدوافع المفسرة لحالة القلق التركي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

تمدد التيارات الراديكالية المناهضة لتركيا: تتصاعد مخاوف تركيا من تراجع الأوضاع الأمنية في دول الانقلابات في أفريقيا، وهو ما قد ينعكس على مصالحها في هذه الدول التي تعاني بطبيعتها هشاشة أمنية بسبب ضعف قدراتها التسليحية بالإضافة إلى تفشي الجماعات المسلحة، والتي يحمل بعضها توجهات عدائية ضد تركيا، مثل تنظيم “بوكو حرام”، وجماعات السلفية الجهادية. ويشار إلى أنه منذ الانقلاب العسكري الذى شهدته مالي في العام 2020، وانتقلت عدواه إلى باقي دول غرب أفريقيا، شهدت الجماعات المسلحة تزايدًا لافتًا، خاصة في مالي وبوركينا فاسو.

تخوفات من هيمنة التمدد الروسي: كشفت العديد من التقارير خلال السنوات الثلاثة الماضية عن أن دول غرب أفريقيا، الغنية بالنفط ومصادر الطاقة، وبخاصة اليورانيوم، باتت تشكل الوجهة الجديدة لروسيا. ودعمت هذه التقارير، تنامي حضور موسكو في هذه الدول عبر ذراعها العسكرية “فاغنر”؛ حيث تمكنت مجموعة فاغنر من بناء روابط أمنية واقتصادية مع هذه الدول بالإضافة إلى نجاحات موسكو في تحقيق اختراقات كبيرة لهذه المجتمعات من خلال برامج التعاون العسكري، والقروض الميسرة بالإضافة إلى إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهاية أغسطس 2023 عن استعداد بلاده لتقديم إمدادات الحبوب للدول الأفريقية بالمجان.

في هذا السياق، تتصاعد المخاوف التركية من تمدد حضور روسيا على هذه الدول، وإمساكها بمفاصل قطاعاتها الاستراتيجية، وهو ما قد يعني إمكانية تنامي التأثير الروسي على مقاربات تركيا في هذه الدول أو على الأقل مساومتها بشأن القضايا الخلافية، فثمة تباين لا تخطئه عين بين أنقرة وموسكو في سوريا وآسيا الوسطى، وليبيا وغيرها من مناطق النفوذ الإقليمي المشترك بين البلدين، وتنظر تركيا إلى الانقلابات الأخيرة في أفريقيا باعتبارها مؤشرًا على استمرار تمدد النفوذ الروسي غرب أفريقيا، وهو ما يتضح من التوجهات السياسية للنخب العسكرية الجديدة في دول الانقلابات حيال أهمية دعم العلاقة مع موسكو.

تعزيز تطلعات خصوم أنقرة: من ناحية أخرى، ربطت بعض التقديرات بين الانقلابات العسكرية التي جرت في النيجر والجابون، وكذلك في بوركينا فاسو وغينيا، ومساعي خصوم تركيا التقليديين، وبخاصة واشنطن ولندن لتعزيز نفوذهما في أفريقيا. وفي هذا السياق أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن هناك تطلعات جارية لدى الولايات المتحدة وبريطانيا تستهدف ليس فقط تقويض نفوذ القوى الإقليمية والدولية مثل تركيا وإيران والصين وروسيا، وليس فقط تقويض الحضور الفرنسي في غرب ووسط أفريقيا وإنما تسعى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تعزيز نفوذهما في هذه المناطق، وظهر ذلك في الموقف الأمريكي الباهت تجاه الانقلاب الذى شهدته النيجر ثم الجابون. كما أن دول غرب أفريقيا باتت تمثل أولوية في الاستراتيجية البريطانية الجديد، لا سيما في ظل تطلعات لندن إلى توسيع عضوية ما يعرف بـ مجموعة الكومنولث البريطاني، الذي يسعى إلى ضم دول لم تكن مستعمرات بريطانية سابقًا، كما حدث مع رواندا والكاميرون وموزمبيق، وآخرها الجابون التي انضمت للكومنولث البريطاني في يونيو 2022.

وفي سياق تصاعد القضايا الخلافية بين أنقرة وواشنطن، والتباينات القائمة بين أنقرة ولندن حيال عدد من الملفات الشائكة، فإن التمدد المحتمل لنفوذ هذه الدول في القارة الأفريقية بعد الانقلابات العسكرية الأخيرة، قد يحمل ارتدادات سلبية على المصالح والنفوذ التركي في أفريقيا.

احتمال التأثير على المصالح الاقتصادية لتركيا: على الرغم من أن تراجع نفوذ القوى الغربية خلال السنوات الثلاثة الماضية، وفر بيئة خصبة لدفع المبادلات التجارية بين أنقرة والقارة السمراء إلا أن التطورات الأخيرة التي شهدتها بعض دول غرب أفريقيا، يمكن أن تؤثر في المصالح الاقتصادية التركية، خاصة أن الانقلابات العسكرية الأخيرة أساهمت في تأجيج الأوضاع الداخلية، وقد تعزز حالة عدم الاستقرار، وكشف عن ذلك  استمرار الاحتجاجات والاحتجاجات المضادة بين القواعد الشعبية الداعمة للانقلابات والمناهضة لها.

وارتفع حجم التجارة بين تركيا وأفريقيا من 4.3 مليار دولار في العام 2002 ليصل  أكثر من 35 مليار دولار بنهاية العام 2022، منها نحو 12.5 مليار دولار مع  دول غرب أفريقيا، بنسبة 36.8 بالمئة من إجمالى حجم المبادلات التجارية التركية مع القارة.[6]

لذلك، ربما تحمل التطورات الأخيرة في دول الساحل والصحراء، ارتدادات سلبية على المصالح الاقتصادية التركية، خاصة أن هذه الدول باتت تمثل في الآونة الأخيرة الوجهة الأهم للاستثمارات التركية ناهيك عن تحولها إلى سوق مهمة لصادرات التركية؛ حيث تحظى المنتجات التركية في هذه الدول بقبول شعبي كبير، بالنظر إلى جودتها وأسعارها التنافسية.

تهديد المقاربة التركية في ليبيا: تمتد الارتدادات السلبية المحتملة للتطورات الأخيرة في دول غرب أفريقيا، وبخاصة في النيجر على المصالح التركية في ليبيا، التي تمتلك فيها أنقرة مصالح استراتيجية حيوية. إذ تقع النيجر على مرمى حجر من ليبيا، وهو ما يعني احتمال تأثير تطورات الأحداث في النيجر على ديناميات المشهد الليبي. وحسب مراقبين وتقديرات محلية، فإن سيولة الأوضاع الأمنية في النيجر وتشاد، الدولتان الحدويتان مع ليبيا، قد يوفر بيئة مناسبة لنمو التيارات المتطرفة، وزيادة وجودها في الدول الحدودية القريبة من الغرب الليبي؛ حيث تقع المصالح التركية، وذلك من خلال الاستفادة من الأزمة السياسية وتراجع الأوضاع الأمنية في المنطقة.

ختامًا، يمكن القول إنالموقف التركي من تطورات الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل والصحراء، والتي ارتكزت على بناء استراتيجية مرنة، بهدف توظيف الانقلابات التي جرت في النيجر والجابون وقبلهما مالي وبوركينا فاسو وغينيا، لتوسيع حضورها على حساب تراجع نفوذ الغرب، وخاصة باريس. بيد أن جملة التطورات الراهنة في دول الساحل والصحراء، وتنامي حالة عدم الاستقرار أثار مخاوف لدى أنقرة من احتمال انعكاس التوتر الحالي على مصالحها في أفريقيا. وأبدت الأوساط التركية خشيتها، من تأثير  انقلاب النيجر والجابون بالإضافة إلى التوتر الكامن تحت السطح في تشاد والسنغال وغيرها من دول غرب أفريقيا، على مصالحها الاقتصادية والأمنية التي تنامت في السنوات الأخيرة بشكل كبير لا سيما في منطقة الساحل والصحراء.


[1] – أردوغان مفتتحًا القمة التركية الأفريقية:علاقاتنا بلغت مستويات لم يكن من الممكن تصورها قبل 16 عامًا، موقع روسيا اليوم، 18 ديسمبر 2021، متاح على الرابط: https://bit.ly/3z1zfDq

[2] – د. أحمد أمل: سياسة توسعية: دوافع التحركات التركية البراجماتية تجاه أزمة مالي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 22 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: bit.ly/44Dx4lO

[3] – أردوغان يتحدث عن الموقف التركي من أزمة النيجر، 21 أغسطس 2023، موقع روسيا اليوم، متاح على الرابط:  bit.ly/3sPJwBw

[4] – انقلاب أفريقيا.. نفوذ فرنسا يترنح وتركيا تستعد لاستغلال الفرصة، موقع الخليج الجديد، 6 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي: bit.ly/3ErEXAa

[5] – عبد القادر محمد علي: من الأمن إلى الاقتصاد.. لماذا تُوسّع تركيا وجودها في أفريقيا؟، الجزيرة، 9 يناير 2022، متاح على الرابط التالي: bit.ly/3Z5Un6B

[6] – ما تأثير أزمة النيجر على مصالح تركيا الاقتصادية والأمنية في أفريقيا، عربي 21، 5 سبتمبر 2023. متاح على الرابط التالي: https://is.gd/IxVCFw