أماني ربيع
بينما يتصارع العالم مع الآثار المدمرة لتغير المناخ، تتأثر أفريقيا بشكل هائل رغم إسهامها بأدنى نسب في مسببات التغيرات المناخية، يأتي هذا التأثر الغير متناسب بسبب موقعها الجغرافي والتحديات الاقتصادية وقدراتها المحدودة على التكيف.
خلال السنوات الماضية، شهدت القارة زيادة في حالات الجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة، مما أدى إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية، بما يهدد سبل عيش الملايين، كما أدى تغير المناخ إلى تعطيل الزراعة والأمن الغذائي، مما تسبب في نقص الغذاء وسوء التغذية، وفرض مخاطر جسيمة على التنوع البيولوجي والنظم البيئية.
بسطاء أفريقيا على خط الأزمة
ناقش المندوبون في أول قمة أفريقية للمناخ، خلال شهر سبتمبر 2023، الدمار الذي أحدثته أزمة المناخ في القارة، حيث اجتمع رؤساء الدول والوزراء والقادة والناشطون الأفارقة في نيروبي للمناقشة والضغط على حكومات الدول الكبرى للوفاء بالتزاماتهم بدعم الأشخاص الذين يعانون من أسوأ عواقب أزمة المناخ مع المساهمة بأقل قدر في أسبابها.
لكن بعيدا عن أروقة المؤتمرات، وسياسات الحكومات، فإن الضرر الواقع على المواطنين البسطاء مرعب، نتيجة للأحوال الجوية المتطرفة المرتبطة بالمناخ، حيث أدى إلى أزمة جوع حادة تؤثر على الملايين، فكيف يعيش هؤلاء الناس على الخطوط الأمامية للأزمة؟
في كينيا، يشكو فلورنسيو أوكونيو، من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بينما بجلس أمام سقيفة بسيطة يستخدمها كمتجر بقالة منذ نحو 30 عاما، دأب على شراء الخضروات الطازجة والأدوات المنزلية بأسعار مخفضة، وبيعها مقابل ربح ضئيل لسكان قرية ليندي، في حي كيبيرا الفقير بنيروبي.


“الله وحده يستطيع مساعدتنا”
عندما كانت أعماله تسير بشكل جيد، كان أوكونيو، 69 عامًا، يحصل على “ألف أو ألفي شلن كيني” (من 5 إلى 10 جنيهات إسترلينية)، وهو ما يكفي لإطعام وكساء وتعليم أطفاله الأربعة، لكن مع تضاؤل إمدادات المنتجات الطازجة من السوق الرئيسي في كيبيرا، لم يعد قادرا على ملء متجره، ولم تعد العائدات الهزيلة تكفي لإطعام الأسرة.
ونتيجة لغلاء الأسعار، اضطر العجوز الكيني إلى حذف الأرز والحليب من قائمة طعام الأسرة، بحسب ما ذكره لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
يقول أوكونيو: “لا نستطيع تحمل تكاليف ثلاث وجبات في اليوم، ارتفعت أسعار كل شيء، حتى أننا توقفنا عن تناول الخبز في وجبة الإفطار، ونتناول بدلا منه الماندازي، وهو خبز مقلي رخيص يُصنع بالأحياء الفقيرة”، في نيروبي، يُباع رغيف الخبز بـ 65 شلنًا بينما يباع ماندازي بـ 5 شلنات للقطعة.
ومع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة، نزل سكان الأحياء الفقيرة في نيروبي، خلال الفترة بين مارس ويوليو الماضي، للاحتجاج في الشوارع، ورغم ذلك يشعر أوكونيو بخيبة أمل لأن هذه الاحتجاجات لم تحقق شيئا، يقول: “يكن الناس ينقلون مشاكلهم إلا من المنزل إلى الشارع، الله وحده يستطيع مساعدتنا الآن”.
صراع البقاء على قيد الحياة
في أوغندا، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية مثل دقيق الذرة بشكل أعلى بكثير مما كانت عليه في نفس الوقت من العام الماضي، مثلا، زاد متوسط سعر الفاصوليا في يوليو بنسبة 45% عن يوليو 2022، بحسب رصد السوق الشهري لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في البلاد.
بالنسبة لأسرة تعولها امرأة، يعد البقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف أمرا صعبا، وفي إحدى ضواحي كمبالا حيث تعيش جوزفين نانتونجو، تناضل على قطعة أرض صغيرة من أجل تربية الماعز والأرانب والدجاج كما تزرع الموز والخضروات، أدت الشمس القاسية لجفاف أرضها، بينما ماتت دجاجاتها بسبب المرض، وقبل شهرين، اقتحم اللصوص منزلها وسرقوا ماعزها.
للتغلب على الأوضاع السيئة، كانت نانتونجو تتجول من منزل إلى منزل لبيع الملابس، بات هذا الأمر أصعب كل يوم، لأنه لم يعد أحد يملك المال، والكل يعاني من أجل الحصول على الطعام، وأحيانا لا يكون لدى الجيران ما يأكلونه، فيضطرون إلى تقاسم القليل فيما بينهم.
تقول نانتونجو: “إذا كان لدى أحد الجيران محصول جيد من البطاطس، فسوف يتقاسمه مع الجميع، وإذا زار أحد الأقارب جارا وأحضر الفاكهة، فسيكون من الظلم أن تأكل الفاكهة بمفردك، مع العلم أن جارك قد يكون جائعًا”.
وتضيف: “نالونجو جلوريا، التي تمتلك محل بقالة قريب، تتفهم مأزق جيرانها جيدًا، وعندما تفشل كل الطرق، أذهب إليها وأحصل على بعض الطعام بالدين، ثم أدعو الله أن أجد المال لدفع ثمنها”.
الزراعة الذكية تتغلب على شُح المياه
انتقلت ماريا مويتي إلى قرية موتوني، بالقرب من إيسيولو، قبل 20 عامًا، للنجاح كمزارعة خضروات، لكن منطقة إيسيولو الواقعة شمال كينيا قاحلة بشدة، حيث 80٪ من الأراضي غير صالحة للزراعة وتستخدم للرعي، وفقا لملف المخاطر المناخية الصادر عن وزارة الزراعة الكينية.
تقول مويتي: “كانت الحيوانات البرية تجوب المنطقة، وكل شيء جاف، مما جعل الزراعة صعبة”، ورغم ذلك، حاولت المرأة الكينية زراعة الذرة، لكنها لم تحصد شيئًا، إذ أكلت الأفيال والحمير الوحشية والخنازير من محميات الحياة البرية القريبة محصولها قبل أن ينضج.
قبل عشر سنوات، قامت مويتي بتسييج قطعة أرضها لإبعاد الحيوانات، ثم زرعت الطماطم على قطعة أرض مساحتها 2000 متر مربع (نصف فدان)، باستخدام مياه الأمطار، لكن مستويات المياه انخفضت بشكل كبير بسبب الجفاف الناجم عن المناخ الذي دمر منطقة القرن الأفريقي خلال السنوات الأربع الماضية.
لتحسين محصولها، كانت مويتي تحضر ندوات للتعرف على أفضل الممارسات الزراعية، بما في ذلك الاستخدام الصحيح للمبيدات الحشرية، واستمعت إلى نصيحة مدير مشروع المجتمع المحلي في المنطقة، باستخدام الري بالتنقيط بدلاً من ملء الخنادق داخل الحديقة بالمياه، والتي كانت شحيحة، تقول: “أجبرنا تغير المناخ على تغيير أساليبنا الزراعية”.
كما ساعدتها منظمة “ليوا” للحياة البرية القريبة في تحليل تربتها لتحديد أفضل أنواع الطماطم التي يمكن زراعتها، ولجأت إلى زراعة طماطم هجينة سريعة النمو وذات إنتاجية أكبر.
والآن، أصبحت تستطيع كسب نحو 300 ألف شلن (1600 جنيه إسترليني) في موسم جيد، وبإمكانها، هي وعائلتها شراء الطعام من عائدات زراعة الطماطم، ولديها أيضًا 11 بقرة تنتج ما يصل إلى 60 لترًا من الحليب يوميًا، وهي لا تزال تزرع الذرة، ولكن لاستخدامها كعلف لتغذية الأبقار.
تقول مويتي: “لولا الزراعة الذكية مناخيا، لظلت أسرتي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، والآن يمكنني توظيف خمس نساء في اليوم الواحد لمساعدتي في المزرعة الصغيرة”.


البطاطا الحلوة.. قصة نجاح
كانت لوكيرو دومينيك، مديرة مدرسة جوبيلي الثانوية المجتمعية في كارينجا شمال شرق أوغندا، يواجه كل يوم تحديا يتمثل في إطعام نحو 1500 طالب بمنطقة تعاني من مواسم الجفاف الطويلة ثم الفيضانات، عندما تهطل الأمطار أخيرًا، وهي سجلت على مدى عقود مستويات عالية من الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
في العام الماضي، حصلت المدرسة على منحة من مؤسسة “نوفو نورديسك” وبرنامج الأغذية العالمي لتوسيع الحديقة الصغيرة التي زرعت فيها البطاطا الحلوة لتصبح قطعة أرض كبيرة بما يكفي لإطعام المدرسة والمجتمع ككل، تقول دومينيك: “كانت البطاطا الحلوة خيارًا سهلاً، فهي مغذية ومقاومة للجفاف وتستغرق ثلاثة أشهر فقط حتى تنضج، والجميع قادرون على زراعتها في المنزل وستكون آمنة من الحيوانات البرية”.
والآن، تُزرع البطاطا المدعمة بفيتامين أ، الذي يعزز المناعة ويحسن الرؤية، على مساحة تزيد عن 8 أفدنة، وقامت المدرسة مؤخرًا ببناء نظام للري لضمان إمكانية الحصاد طوال العام، ويقوم الطلاب بزراعة البطاطس والعناية بها، وتشغيل نظام الري بأنفسهم، ويُستخدم جزء من أراضي المدرسة لزراعة البطاطا التي يبيعونها للمجتمع المحلي.
وعندما تهطل الأمطار بغزارة، عادة في شهري مارس وأبريل، ستطيع المدرسة حصاد 10 أكياس من البطاطس يوميًا، وهو ما يكفي لإطعام المدرسة بأكملها وترك فائض، يقوم موظفو المدرسة بغلي البطاطس الطازجة وتقديمها مع الفاصوليا، ويستخدمون أوراق البطاطس المسلوقة كخضروات خضراء، ينما يتم تجفيف البطاطس الفائضة في الشمس وتخزينها للأشهر الجافة عندما يكون الحصاد أقل حجما.
تقول دومينيك: “كان هناك وقت لم تكن فيه أمطار ولا طعام لعدة أشهر، لكن البطاطا الحلوة نجت، وكذلك نحن”.
وينصب مديرة المدرسة الآن على تعليم الأطفال كيفية زراعة هذه البطاطا، لأنه أحيانا قد لا يوجد طعام في المنازل، ومن المهم أن يتعلم الأطفال أساليب الزراعة المرنة.


الزراعة المتجددة للتكيف مع أزمة المناخ
شهدت جنوب أفريقيا، مثل العديد من الدول الأفريقية الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة، أشد حالات الجفاف وحشية منذ ثلاثة عقود في عامي 2014 و 2015، ومع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع وتغير أنماط هطول الأمطار بسبب أزمة المناخ، تبرز الحاجة إلى التحول لأساليب جديدة ومرنة في الزراعة.
في مزرعة ريتبولت إستيتس على بعد 60 ميلا من جوهانسبرج، تبنى داني بيستر، قبل 10 سنوات، تقنيات ساهمت في مضاعفة إنتاجيته مع خفض التكاليف، والتي يعتقد أنها قد تكون تكون الحل للتكيف مع أزمة المناخ بالنسبة للمزارعين.
ويؤكد بيستر، من مقاطعة مبومالانجا في شرق جنوب أفريقيا أن التعليم وتحسين استيعاب الزراعة المتجددة يمكن أن يتغلب على تغير المناخ، وتدور الزراعة المتجددة حول الحفاظ على الأرض بشكل طبيعي عن طريق إبقاء التربة مغطاة ومضطربة بأقل قدر ممكن، واستبدال الأسمدة الاصطناعية بالسماد وبول الحيوانات، وتنويع المحاصيل.
منذ إجراء هذا التحول في عام 2012، تضاعف إنتاج بيستر من الذرة وفول الصويا وعباد الشمس تقريبًا، في حين انخفضت تكاليف المدخلات الزراعية بشكل كبير، كان بيستر يستخدم ذات مرة 450 كيلوجرامًا من الأسمدة سنويًا لأرضه ولكنه يحتاج الآن إلى 280 كيلوجرامًا فقط.
“هناك العديد من المزايا، بما في ذلك الاحتفاظ بالرطوبة بشكل كبير.” ويضيف أن هذا أمر حيوي، “مع احتمال حدوث حالات جفاف كبيرة بشكل متزايد كل عامين”.
يوضح المزارع الجنوب أفريقي: “مع الزراعة المتجددة، نحصل على تربة أكثر إنتاجية لأنها تحتفظ بمزيد من الرطوبة وهو أمر حيوي، خاصة مع احتمال حدوث حالات جفاف كبيرة بشكل متزايد كل عامين، كما تعزز التربة قدرتها على تغذية المحاصيل، ويحدث انخفاض كبير في المدخلات لأن التربة تبدأ في توفير خصوبة أفضل من تلقاء نفسها”.