كتبت – أسماء حمدي
على مدى 4 سنوات متتالية، جرفت الفيضانات في جنوب السودان قرى بأكملها، ودمرت المحاصيل، وأغرقت الماشية وأجبرت الناس على الفرار من منازلهم، تاركة العائلات جائعة وغير قادرة على إعالة نفسها.
وتركت الأمطار الغزيرة حوالي ثلثي جنوب السودان تحت الماء، وغطت معظم الأراضي، ما دفع المزارعين في باجوير، وهي قرية معزولة في مقاطعة فانجاك، التي أصبحت ملجأ لمئات العائلات النازحة، باستبدال اليأس بالصمود والسعي لتعلم مهارات جديدة للبقاء على قيد الحياة.
يأس
قضت الفيضانات على أفدنة من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء مقاطعة فانجاك، تاركة الناس يكافحون من أجل الغذاء، إذ حذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 7.7 مليون شخص في جنوب السودان سيواجهون نقصًا حادًا في الغذاء خلال موسم الجفاف بين أبريل ويوليو، بسبب الفيضانات وتفاقم العنف في أجزاء من البلاد.
في حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية، تقول أنجيلين نيابيلي إحدى سكان قرية باجوير، وهي تطبخ في منزلها الذي أصبح وكأنه جزيرة عشبية: “إذا زادت الفيضانات فسوف أوقف أطفالي من الذهاب إلى المدرسة، لن يكون هناك أمان ولا أموال لمساعدتنا على تكاليف الحياة وتوفير الطعام”.
في الجهة المقابلة، تقوم نياشوانا لوك، بتفكيك منزلها المتضرر في القرية لإعادة استخدام المواد في أرض أكثر جفافا، بعد أن أغرقت المياه المنطقة بأكملها.


صمود
قبل الفيضانات، كانت معظم المجتمعات في جميع أنحاء جنوب السودان، تعيش على الأطعمة المصنوعة من الذرة، لقد زرعوها وباعوها وأكلوها، لذلك عندما غمرت المياه المزارع فجأة، فقدت العائلات كل شيء.
وفي خضم الأزمة، سعى العديد من القرويين للتأقلم على الوضع، بمساعدة منظمة العمل ضد الجوع، التي أطلقت مشروع لسكان قرية باجوير لتعليم كيفية زراعة الأرز في مياه الفيضانات، وفي حال نجاحهم، فسيكونون الجيل الأول من مزارعي الأرز في المنطقة.
قدمت فرق منظمة العمل ضد الجوع، بذور الأرز وأوضحت للمزارعين كيفية زرعها في مياه الفيضانات، وبالنسبة للكثيرين، كانت هذه هي المرة الأولى التي يشاهدون ويزرعون فيها نباتات الأرز، كما ساعد هذا أيضًا في تعزيز المساواة بين الجنسين في المجتمع، إذ تمتلك العشرات من النساء الآن وللمرة الأولى مزارعهن الخاصة ويقمن بزراعتها بأنفسهن.
وتشير المنظمة إلى أنها وظفت المزارعين الذين فقدوا محاصيلهم في الفيضانات لإنشاء مجاري مائية، حتى يحصلوا على أجر شهري منتظم مرة أخرى، والتي تمكن القوارب الأكبر والأسرع الآن إلى الوصول إلى القرى المعزولة وجلب الغذاء والدواء والتجارة.
يقول منسق منظمة العمل ضد الجوع، في جنوب السودان، جو زباهية، أثناء تعليمه مجموعة من النساء في باجوير كيفية زرع الأرز بطريقة فعالة: “كان التحدي الأول هو إقناع الناس بأن هذا شيء يمكنهم فعله، عندما بدأت لأول مرة، تساءلوا قائلين: من هو هذا الشخص الذي جلبته منظمة العمل ضد الجوع والذي يزرع العشب ؟، لأنه بالنسبة لهم، كانت هذه هي المرة الأولى التي يشاهدون فيها نبتة الأرز”.
يضيف زباهية: “كانت فكرتي هي أنه يمكن أن يكون لدينا مجموعة دعم لهؤلاء النساء، وأعتقد أن التجربة قد تغير حياتهن، ويمكن للناس زراعة الأرز وتعليم الآخرين وأخذ بعض البذور ومكاثرتها هذا هو الحلم الذي حلمت به”.
وبينما تستعد النساء لنثر الأرز على أرضهن التي تم تجريفها حديثًا، يقوم نياريك بيل بتحريك إطارات الخشب والأسلاك المستخدمة كدليل إلى المكان الذي يجب أن يُزرع فيه الأرز، قائلا: “ندرب النساء على زراعة الأرز، لكنه عمل يدوي صعب”.
تقنيات زراعة الأرز
على الرغم من أن المشروع كان في قرية باجوير لفترة قصيرة فقط ، لكنه أحدث تحولا في المجتمع بالفعل، يقول نياجاي مالوال: “إنه عمل شاق، ولكن حتى لو بقينا هنا من الآن وحتى المساء، فلن أتعب لأنني بحاجة إلى المزيد من الخبرة، وفي المستقبل سأواصل هذه التجربة ، وسأصنع شيئًا لنفسي”
تقول نياديم مويش، وهي تأخذ شتلات الأرز لإعادة غرسها في الأرض: “أشعر بالثقة حيال كيفية زراعة الأرز وتشعر النساء الأخريات بالشيء نفسه، بالنسبة لنا، هذه المعرفة ترفعنا في أعين المجتمع، كما تجعل الآخرين يثقون بنا أكثر ويحترموننا أيضًا لأن لدينا مهارة جديدة”.
يزيل جيمس وور، الأعشاب في حقل الأرز المجاور لمنزله، في البداية كان وور خجولًا جدًا من الانضمام إلى فريق زراعة الأرز، لكنه كان يتابع الأمر، وبعد شهر، بدأ بزراعة الأرز في حديقته التي غمرتها المياه، لقد اندهش لرؤيتها تزدهر، يقول: “عادة ما نزرع الذرة الرفيعة في مكان جاف، لكن عندما رأيت الأرز، كان ينمو في الماء سعدت بذلك إذ يمكنني زراعة هذا الأرز حتى يتمكن أطفالي من تناول الطعام حتى يحين الوقت الذي يأخذ فيه الله هذه المياه بعيدًا عنا”.
بعد يوم طويل في الحقول، يشق النساء طريقهن إلى منازلهن، تقول مارثا نياكويكا داك، وهي من أوائل الأشخاص الذين تدربوا على مهارات الزراعة، والآن تقوم بتعليم الآخرين في القرية: “فقد الكثيرون منازلهم بسبب الفيضانات ويعيشون الآن في ملاجئ مؤقتة، وعندما يتم حصاد الأرز، سيتم تقاسمه بالتساوي لمساعدة الناس في بدء حياتهم من جديد”.