أماني ربيع
خلال فترة الإغلاق الأولى إثر فيروس كورونا، سُجلت أعلى نسب عنف ضد النساء في جنوب أفريقيا، وفي الأسابيع الثلاثة الأولى من هذا الإغلاق، سجل مركز قيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي، أكثر من 120 ألف ضحية.
وفي إحصاءات الجرائم لعام 2019/2020، أشارت خدمات شرطة جنوب إأريقيا إلى أنه يتم الإبلاغ عن 116 حالة اغتصاب في المتوسط يوميًا، وهو ما دفع رئيس البلاد سيريل رامافوسا، إلى وصف الأمر بأنه “جائحة ثانية”.


معاناة خلف الأبواب المغلقة
وأزمة العنف القائم على النوع الاجتماعي في جنوب أفريقيا ليست جديدة، ولكنها لم تظهر بصورة جلية للغاية إلا بعد جائحة كورونا التي أبرزت حجم التحديات التي يواجهها ضحايا العنف المنزلي، وكيف يتحول المنزل الذي من المفترض أن يكون مكانا للمودة والرعاية إلى ساحة للعنف، وبدلا من أن تشعر النساء فيه بالأمان، يصبحن فريسة للخطر، كل هذا خلف أبواب مغلقة، وفي مجتمع غالبا ما يحرم النساء من صوتهن للتعبير عن خوفهن ومعاناتهن وألمهن.
وبالنظر بصورة أعمق للأزمة، لا يؤثر هذا العنف على النساء فقط، فالعنف القائم على النوع الاجتماعي يمثل تحديًا هيكليًا جماعيًا، فعندما يتم انتهاك حقوق المرأة في المنزل، فإن ذلك يؤثر على العلاقات الأسرية، والإنتاجية في العمل، والأداء المجتمعي بشكل عام.
الفن فرصة للتعبير
كيف نتحدث الصدمة؟ ونحن نعلم من الطب أن الناس يجسدون الصدمة، بما يتجاوز الكلمات، وأن تأثير الصدمات يظهر في القلب والصحة الجسدية والكوابيس؟
الإجابة على هذا السؤال كانت هاجس بولينج سيجالو، رئيس مركز أبحاث ألبرت لوثولي بجامعة جنوب أفريقيا، والتي رأت أن تسخير قوة التعبير الفني البصري الوسيلة المُثلى لتسليط الضوء على أزمة النساء المعنفات في جنوب أفريقيا ومنحهن فرصة للتعبير عما يدور بداخلهن، واختارت التطريز كوسيلة لذلك، بحسب موقع “ذا كونفرسيشن”.
سيجالو كتبت في بحث سابق لها، عن دور التطريز في تمكين النساء من رواية قصصهن الصدمات العديدة الناجمة عن الفصل العنصري؟وهي الطريقة نفسها التي اتبعتها في مشروعها الجديد لسرد رواية العنف القائم على النوع الاجتماعي بصريًا بطرق ملونة ومبتكرة، مع الاهتمام بإبراز مرتكبي أعمال العنف وأولئك الذين يُرتكب ضدهم في نفس الإطار، ليصبح العمل الفني البصري هو دعوة للتأمل في الأزمة، وكذلك دعوة للعمل على حلها.
حكايات الأمل والمقاومة
إلى جانب صنع أعمال فنية جذابة بصريًا، كانت أعمال التطريز دائمًا أداة مفيدة لسرد القصص الصعبة أو التي لا يمكن وصفها. من خلال تصوير النساء لتجاربهن الحياتية المريرة، مما يمنحهن متنفس لآلامهن، وفي حين أن تطريزاتهم بمثابة لوحة زيتية للتعبير عن الألم والخسارة والصدمات، فإنها أيضا تروي قصصًا عن الأمل والقدرة على الصمود والمقاومة.
عملت سيحالو مع مجموعة نسائية تتكون من 16 امرأة سوداء متمركزة في بلدة إيكورهوليني في مقاطعة جوتنج، وهي مناطق سكنية حضرية سوداء تاريخيًا، وحيث لا يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤثر على النساء السود بشكل غير متناسب، وهو واقع متجذر تاريخيا وموجودة حاليا أيضا.
أداة توعية
كانت فكرة هذا المشروع هي السماح للوحات الفنية بالتحدث، ولم يركز على التجارب الشخصية، بل على نظرة عامة على الطرق العديدة التي يظهر بها العنف القائم على النوع الاجتماعي في حياتنا، سيجالو أيضا كانت جزءًا من المجموعة وساهمت في صنع قطعة تطريز بنفسها، وهو ما سمح لها بالتحول من مجرد باحثة ومتفرجة إلى مساهمة في عملية التفكير والتأمل والصناعة.
كان اختيار الموضوعات تعاونيا، حيث توصلن موضوعات بشكل جماعي ثم ركزت كل واحدة على موضوع معين لصنع المطرزات، وفي أثناء حياكة المطرزات تشاركت نساء المجموعة قصصًا حول كيفية تأثير العنف القائم على النوع الاجتماعي باستمرار على المجتمع، مما يعكس الحاجة إلى استخدام هذه المطرزات كشكل من أشكال رفع الوعي، وأداة للحوارات المجتمعية، وتحدي النظام الأبوي الذي جعل العالم غير آمن للنساء.
تحدي ملون في مواجهة العنف
تصور المطرزات مجتمعًا يتم فيه تصنيع الخوف وإنتاجه من قبل أنظمة عنيفة هيكلية أبوية وغير عادلة، وهذا بدوره يؤدي إلى حياة المرأة في خوف دائم، بحيث لا يمكنها الشعور بالأمان داخل المنزل أو خارجه، ومن خلال تصويرهن الفني البصري للمعاناة، عبرت النساء عن الكيفية التي يخلق بها العنف القائم على النوع الاجتماعي إحساسًا بأن النساء يعاملن مثل كائنات بلا عقل يخضعن للتنظيم والسيطرة، ولا يمتلكن أجسادهن بالكامل.
وأظهرت بعض المطرزات تعرض النساء للانتهاك والسرقة في الأماكن العامة، وركوعهن أحيانا طلباً للرحمة، مما يسلط الضوء على شعور النساء بأن الشوارع ليست آمنة وأنهن غير متأكدات أبدًا مما إذا كن سيعدن إلى المنزل بأمان، وهذا الشعور الدائم بعدم الأمان وحالة الخوف المستمرة، يجعل من الصعب على العديد من النساء ممارسة أعمالهن والسعي لتحقيق طموحاتهن.
بالنسبة ليسجالو، هذه المطرزات ليست مجرد قطع فنية بصرية فحسب، بل إنها تمثل تحديًا للمشاهد لمواجهة العنف على أمل أن يضطر إلى التفكير والتصرف، وتم عرض أعمال المجموعة في معرض فني بحيث يتمكن الجمهور من الحضور والتفاعل مع القطع، وأنتجت سيجالو أيضا كتيبا مرئيا متعدد اللغات ليتم استخدامه في مجتمع النساء والمدارس كأداة لفتح الحوارات حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.