كتب – حسام عيد
وسط تضافر التوترات الجيوسياسية مع حالة عدم اليقين الاقتصادي عالميًا، لا تزال أوروبا تبحث عن نافذة أمل لضمان أمنها الطاقوي مع استشراف مرحلة الانتقال العادل والمستقبل المستدام. وربما أصبحت أفريقيا اليوم هي الخلاص للقارة العجوز، نظرًا لما تعج به دول القارة السمراء من كنوز متدفقة من الطاقات المتجددة والنظيفة والموارد الطبيعية، وهذا ما يضمن لأفريقيا تحقيق الريادة التنافسية ورسم مسار مستقبل آمن ونظيف ومستدام للعالم.
الغاز الأفريقي.. “شريان حياة” لاقتصادات أوروبا الكبرى
في الأسبوع الأخير من أكتوبر 2023، دعا وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب الشركات الإيطالية والأوروبية إلى زيادة الاستثمار في قطاع الطاقة في الدولة الواقعة شمال أفريقيا.
الرئيس التنفيذي لشركة “سوناطراك” الجزائرية، رشيد حشيشي، أكد أن الجزائر ملتزمة بتوريد الغاز إلى إيطاليا عبر مجموعة الطاقة الإيطالية “إيني”، لكنّ هناك حاجة إلى استثمارات لتلبية الطلب.
وقال حشيشي إن إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي بلغ 100 مليار متر مكعب سنوياً، والاستهلاك 45 مليار متر مكعب، مما يجعل الباقي متاحاً للتصدير.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، قال إن شركة “سوناطراك” للطاقة تعتزم إطلاق مشروع يهدف للتخزين الطبيعي للكربون باستثمار يقدَّر بمليار دولار. وأضاف الوزير أن المشروع يتضمن غرس 420 مليون شجرة على مدى 10 سنوات.
من جهة أخرى، قال عرقاب إنه من الضروري الاستمرار في إنتاج الطاقة الأحفورية خصوصًا الغاز وفقاً لقواعد صارمة بهدف تقليل تأثيرها على النظم البيئية والحد من الانبعاثات، وذلك إلى جانب تعزيز الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة.
جنوب الصحراء.. وجهة غنية بالطاقة والمعادن
وفي 29 أكتوبر 2023، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، أن بلاده مستعدة للاستثمار في الغاز والمعادن الحرجة في نيجيريا، أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وذلك في مستهل زيارة لدولتين في جنوب الصحراء، كما أوردت “رويترز”.
وهذه ثالث زيارة يقوم بها شولتس إلى المنطقة خلال عامين، وتأتي في الوقت الذي تسلط فيه الصراعات في أماكن أخرى الضوء على الأهمية المتزايدة لمنطقة غنية بالطاقة لم يكن لبرلين تعاملا يذكر معها.
وقال شولتس للصحفيين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس النيجيري بولا تينوبو في العاصمة أبوجا “هناك استعداد للاستثمار، خاصة في المعادن الحرجة”. وفيما يتعلق بالغاز، رحب بجهود نيجيريا لتوسيع قدرتها في مجال الغاز الطبيعي المسال.
وقال تينوبو إنه أجرى “مناقشة مستفيضة للغاية” بخصوص قضية الغاز وشجع الشركات الألمانية على الاستثمار في خطوط الأنابيب في نيجيريا.
وتسعى نيجيريا أيضا إلى جذب المستثمرين إلى قطاع التعدين لديها، الذي ظل متراجعا لفترة طويلة، حيث يساهم بأقل من 1% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وقال شولتس إن هناك أيضا رغبة من الشركات الألمانية لبناء خطوط سكك حديدية في نيجيريا. وتهيمن الشركات الصينية حاليا على هذا القطاع، إذ فازت بعقود لتوسيع خطوط السكك الحديدية في أكبر اقتصاد في أفريقيا.
عوائد مليارية مرتقبة من الهيدروجين الأخضر
فيما تتبنى الجزائر استراتيجية لتعظيم دورها وعوائدها كمصدر رئيسي للطاقة إلى القارة العجوز؛ سواء من خلال إمدادات الطاقات الأحفورية التقليدية، للوفاء بالتزاماتها الحالية والمستقبلية إزاء شركائها الأوروبيين، وكذلك في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، في وقت تتمتع فيه بإمكانات واسعة تُمكنها من أن تكون لاعبًا رئيسيًا في هذا السياق.
ويأتي “الهيدروجين الأخضر” كمحور رئيسي ضمن تلك الاستراتيجية، في ظل تلك الإمكانات المتوافرة في الجزائر التي تسعى إلى أن تلبي نسبة تصل إلى 10% من الطلب الأوروبي على “الهيدروجين الأخضر”، وعبر تحديث وتطوير خطوط الأنابيب من أجل بلوغ مساحات أوسع في القارة، وفق ما أفادت وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية.
تعزز تلك الخطوات المتسارعة حاجة أوروبا إلى تأمين موارد طاقة بديلة عن الغاز الروسي، في ظل النقص الذي عانت منها القارة العجوز بعد الحرب في أوكرانيا نتيجة التراجع الحاد في الإمدادات والعقوبات الغربية على موسكو. وقد نجحت الجزائر في أن تقتنص فرصاً للتخفيف من بعض المشاكل التي واجهتها أوروبا في سياق تأمين إمدادات الطاقة.
ووفق بيان صادر عن وزارة الاقتصاد الألمانية في 24 أكتوبر 2023، فإن مباحثات تمت بين برلين والجزائر، ناقشت فرص أن تكون الجزائر المورد الأكبر للهيدورجين الأخضر -الذي تعول عليه برلين جنباً إلى جنب والفحم والغاز في إدارة صناعتها- ليؤمن البلد العربي تبعاً لذلك نسبة 10% من الإمدادات التي تحصل عليها أوروبا.
وبحسب بيان الوزارة، فإن المحادثات الأخيرة تشمل كذلك “تطوير وتوسعة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الحالية، والتي تمر عبر تونس وإيطاليا والنمسا، من أجل توصيل الهيدروجين الأخضر إلى جنوب برلين”.
يأتي ذلك في وقت تعول فيه عديد من البلدان الأوروبية على تأمين إمدادات “الهيدروجين الأخضر” من دول شمال أفريقيا، من بينها إسبانيا، حيث أعلنت شركة “إيناغاز” وهي الشركة المشغلة لشبكة الطاقة بالبلاد، عن استعداداتها للحصول على واردات محتملة من الهيدروجين الأخضر من المنطقة في العام 2030.
وبحلول العام 2050، بحسب شركة ديلويت، من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدّرة للهيدروجين الأخضر، شمال أفريقيا (110 مليارات دولار سنويًا)، وأمريكا الشمالية (63 مليارًا)، وأستراليا (39 مليارًا)، والشرق الأوسط (20 مليارًا).