كتبت – أماني ربيع

تعاني البلدان الأفريقية من نقص في إمدادات الطاقة والوصول إليها، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على التقدم الاجتماعي والاقتصادي فيها، ولهذا نجد أن معظم الطاقة المنفقة في المزارع بأفريقيا تأتي من القوى العاملة، وغالبًا ما يكون العمال نساء.

وبصفة عامة في المجتمعات الأفريقية حاليًا، نجد النساء مسؤولات إلى حد كبير عن الطهي والعمل خارج المنزل، كما يتحملن حصة كبيرة من من العمل اليدوي -وخاصة في مجال الزراعة- وبالتالي فإن انخفاض مستويات الحصول على الطاقة لا يؤدي فقط إلى تقويض التنمية الزراعية وإعاقة التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية العالمية، بل هي أيضًا تؤثر سلبًا على رفاهية المرأة الريفية، نظرًا لأن محدودية الوصول إلى الطاقة هي ظاهرة ريفية أكثر منها حضرية.

تحدي الطاقة

وتقوم النساء بما يصل إلى 90% من العمل اليدوي بالمزارع، بما في ذلك زراعة المحاصيل وإزالة الأعشاب الضارة والحصاد، وقد يستغرق حصاد هكتار واحد من الذرة البيضاء باليد حوالي 324 ساعة -ما يقرب من أسبوعين- وهو ما يبرز الحاجة الماسة إلى  استخدام أدوات ميكانيكية.

ويمكن أن يساعد تحسين الوصول إلى الطاقة على تخفيف الأعباء الأخرى عن النساء الريفيات أيضًا، خاصة وأن الطاقة في المناطق الريفية  مرتبطة بشكل وثيق بتطور الصناعات المنزلية  والأنشطة الاقتصادية الصغيرة؛ مثل الخياطة والحياكة والخبز والطهي، والتي تتم غالبًا في أماكن سيئة التهوية باستخدام أنظمة ملوثة.

ويمثل الطبخ حوالي 70% من استخدام الطاقة المنزلية في أفريقيا -مقارنة بـ10% المائة على مستوى العالم- وغالبًا ما يتم باستخدام الوقود الحيوي؛ مثل الحطب والأبخرة السامة المنتجة تؤثر على أسر بأكملها، وتتسبب في وفاة ما يقرب من ستمائة ألف شخص سنويًّا في جميع أنحاء أفريقيا، ما يجعلها أكثر فتكًا من الملاريا، ومع ذلك تلتزم النساء بواجباتهن المنزلية حتى مع هذا الدخان الضار.

وبالطبع فإن تطوير حلول للحصول على الطاقة المحلية يؤدي إلى نتائج جيدة، فعلى سبيل المثال أدى التحول إلى مواقد الطاقة النظيفة في أوغندا إلى تقليل أمراض الجهاز التنفسي الحادة بين المستخدمين بأكثر من 5%، في حين أن التكنولوجيا المماثلة في مالي قلصت إنفاق الوقود المنزلي بمقدار الربع، وقلصت من تلوث الجسيمات بنسبة 56%.

وبدأ استخدام التقنيات المبتكرة؛ مثل مضخات الري التي تعمل بالطاقة الشمسية  يتم على نطاق أوسع نسبيًّا في دول القارة، وقللت الآلات متعددة الوظائف التي تعمل بالديزل من عبء جمع الوقود في مالي، حيث كان هذا العبء يقع على عاتق النساء والفتيات اللاتي كن يقمن بجمعه يدويًّا، وهكذا تفتح هذه الحلول وقتًا لأنشطة أخرى بدلًا من ذلك، بما في ذلك الاتجاه للتعليم والترفيه ورفع مستوى الدخل.

ويساهم تحسين الوصول إلى مصادر الطاقة البديلة في تعزيز الأوضاع الاقتصادية للمرأة الريفية؛ لأنها تتمكن من تخصيص مزيد من الوقت للإنفاق على الأنشطة المدرة للدخل، وهو أحد الميزات المهمة، كما تعزز زيادة فرص الحصول على الطاقة بشكل مستدام أيضًا فرص عمل النساء.

فتواجد الكهرباء الدائم بمقاطعة كوازولو ناتال في جنوب أفريقيا  أدى إلى زيادة بنسبة 10% تقريبًا في فرص العمل بين النساء، بينما تمكن برامج “كهربة الريف” في غانا النساء من إدارة أعمال تجارية صغيرة من بيوتهن؛ مثل إعداد وبيع الوجبات الخفيفة.

ومكّن الوصول إلى الطاقة الشمسية أيضًا أطفال الريف من استخدام المصابيح الشمسية أثناء القراءة ليلًا، مما يحمي أعينهم من أضرار الدخان الناتجة عن شموع البارافين.

وفي السنغال، تفتح مبادرة كلية بيرفوت فرصًا متعددة لجمع الأموال للنساء لتدريبهن على أنشطة مختلفة لزيادة الدخل مثل تربية النحل والخياطة.

لذا فتحسين الوصول إلى الطاقة النظيفة والمستدامة في جميع أنحاء أفريقيا، ليست مجرد رفاهية أو نوعا من الكماليات، بل هي ضرورة ملحة للزراعة وتنمية المجتمعات الريفية، وقد أظهرت بلدان بدأت في اعتماد سياسات مبتكرة في هذا الشأن، مثل إثيوبيا وغانا والمغرب والسنغال وجنوب أفريقيا وزامبيا، أن ذلك ممكن، ولكن على المسؤولين عن تصميم وتنفيذ استراتيجيات الطاقة الجديدة، الانتباه إلى المرأة ومراعاتها بصفتها عاملًا رئيسيًّا في التنمية الزراعية وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، يجب مراعاة النساء في هذه.

وإلى جانب تعزيز الأنشطة الاقتصادية والحدّ من التدهور البيئي، فإن فتح باب الوصول إلى مصادر الطاقة المستدامة بشكل أسهل، من شأنه إحداث تحول كبير في الإنتاجية الزراعية للمرأة وصحتها، ويحدث هذا عبر مراعاة احتياجات المرأة على مستوى صنع السياسات، وعلى المسؤولين أن يلعبوا دورًا مفيدًا في تصميم وتطوير حلول إنتاج الطاقة المحلية.

ودون المرأة، فإن القطاع الزراعي في أفريقيا سوف يتعثر كثيرًا، ولكن من خلال تحسين الوصول إلى الطاقة يمكن للنساء الريفيات في المجتمعات الريفية والمجتمعات الزراعية أن يزدهرن ويصنعن طفرة إنتاجية كبيرة.

حكاية أمل

ومن إحدى النماذج النسائية الرائدة في قطاع الطاقة بالريف هي جويس جيما، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Boma Safi link is external، وهي أول شركة لتوزيع الطاقة تديرها امرأة في كينيا، وتستهدف تعبئة النساء الريفيات لتوزيع وبيع منتجاتها التي تعمل بالطاقة الشمسية ومواقد الطهي، خاصة وأن غالبية النساء في كينيا يعانين من صعوبة الحصول على الطاقة النظيفة، ويضطررن لطهي طعام عائلاتهن على مواقد الكيروسين، وما تنتجه من دخان ضار يلوث البيوت، ويؤذي صحتهن وصحة أطفالهن، وعن هذا المشروع فازت جيما، بجائزة تحدي الطاقة في أفريقيا عام 2014.

ومنحت المؤسسة الأمريكية للتنمية الأفريقية (USADF)، 100 ألف دولار دولار لمشروع جيما، التي تمكنت من خلال تلك المنحة من تأسيس مراكز توزيع ريفية في 5 مناطق داخل كينيا.

وسمح المشروع الذي ابتكرته جيما لتمكين النساء الريفيات في كينيا، من بيع المنتجات وتسليمها دون الحاجة إلى المساهمة برأس مال ناشئ، وذلك بالتعاون مع 150 منظمة محلية للادخار والائتمان.

تقول جويس: “يصبح تفكير النساء في إنشاء الأعمال أمرًا صعبًا دون الحصول على فرص ائتمانية مناسبة، وكذلك بسبب نقص المهارات اللازمة، ومن هنا جاءت فكرة مشروع Boma Safi لتشارك النساء في الأعمال دون الحاجة لرأس مال باهظ”.

وتعتبر المرأة الريفية حجر الزاوية في مشروع Boma Safi، حيث تبيع منتجاتها للطاقة النظيفة لمن هم أسفل الهرم الاستهلاكي، ويتمكن العملاء من شراء المنتجات عبر مؤسسات الائتمان القروية، ما يجعل منتجات الطاقة الشمسية عالية الجودة في متناول الأسر ذات الدخل المنخفض، وهكذا تصبح  النساء الموزعات والمستفيدات النهائيات من منتجات الطاقة المتجددة عالية الجودة.

وإحدى الموزعات الأكثر مبيعًا في Boma Safi هي امرأة تدعى إستر التي تبيع منتجات المشروع من مصابيح شمسية ومواقد طهي موفرة للطاقة، بمنطقة كيتنجيلا، جنوب نيروبي، حيث تدير صالون تجميل، وتتفاعل مع النساء في مجتمعها الريفي، وبهذه الوظيفة، تحصل على 45 دولارًا إضافيًّا شهريًّا، بجانب دخلها كمصففة، وهكذا تستفيد هي، وتوفر لعملائها فرص الاستفادة من بيئة طهي أنظف في المنزل.

ومن قصة إستر، نرى أنه عندما يتم توفير الموارد المناسبة، تتمكن النساء من دفع أعمالهن إلى الأمام وتزويد أنفسهن وعائلاتهن ومجتمعاتهن بحلولٍ للطاقة النظيفة.