كتب – حسام عيد
على مسار استشراف المستقبل النظيف والمناخ المستدام، تواصل مصر تسريع جهودها المضنية عبر توسيع شبكة مشروعاتها الداعمة لنهج التحول الطاقوي الأخضر في البلاد.
ويُعد الميثانول الأخضر، الرافد الأحدث للطاقات النظيفة والمتجددة في مصر؛ حيث يعزز طريقها الصديق للبيئة والمناخ عبر إنتاج الوقود النظيف منخفض الكربون.


المشروع الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط
في 14 مايو 2023، شهد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية والسفيرة النرويجية بالقاهرة هيلدا كيلمتسدال توقيع اتفاقية التطوير المشترك لمشروع جديد لإنتاج الميثانول الأخضر يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، وذلك بين شركة الإسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات “إنربك” وشركة “سكاتك” النرويجية الرائدة في مجال حلول الطاقة الخضراء، وبالتعاون مع الشركة المصرية للإيثانول الحيوى.
وقع الاتفاقية الكيميائي صلاح جابر رئيس شركة الإسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات “إنربك” وتيرييه بيلسكوج الرئيس التنفيذي لشركة “سكاتك” النرويجية.
وأكد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية أن الاتفاق الموقع هو خطوة جديدة تعكس تقدم قطاع البترول على مسار تنفيذ مشروعات الطاقة الخضراء والوقود منخفض وعديم الانبعاثات بالتعاون مع شركات عالمية رائدة بعد إبرام اتفاق مشروع الأمونيا الخضراء مؤخرًا، وذلك في إطار مواكبة المتغيرات المستمرة في قطاع الطاقة وتبني قطاع البترول لاستراتيجيات التنمية المستدامة سواء بإزالة الكربون من عمليات صناعة البترول والغاز أو إقامة مشروعات للمنتجات الخضراء.


ضخ 40 ألف طن من الميثانول الأخضر سنويًا
وفق وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية؛ يهدف المشروع الجديد لإنتاج 40 ألف طن سنويًا من الميثانول الأخضر يمكن زيادتها حتى 200 الف طن سنويًا، في إطار تشجيع التحول للإنتاج الأخضر بما يفتح آفاقًا تصديرية جديدة لقطاع البتروكيماويات المصري من المنتجات الخضراء ويعزز من تنافسيته وتواجده في الأسواق الخارجية من خلال مواكبة متطلباتها؛ حيث يعد الميثانول الأخضر وقودًا نظيفًا لتموين السفن.
وسيسهم المشروع الذي توليه شركة “سكاتك” اهتمامًا بالغًا في وضع مصر على الخريطة العالمية للدول المنتجة لهذا الوقود الأخضر لتزويد السفن، وسيشتمل على إنشاء محطات طاقة متجددة بقدرات لاتقل عن 40 ميجاوات للطاقة الشمسية و120 ميجاوات لطاقة الرياح، بالإضافة إلى مًحلل للهيدروجين الأخضر بقدرة 60 ميجاوات، وكذلك محطة لتحلية مياه البحر ومحطات إنتاج وتخزين للميثانول الأخضر، كما سوف يشتمل أيضًا على أول محطة في مصر لتزويد السفن بالوقود الحيوي الأخضر، وسيقام بميناء دمياط باستثمارات حوالي 450 مليون دولار.


توفير وقود نظيف مستدام بأسعار تنافسية
يشار إلى أن هذا المشروع هو أحد مشروعين للطاقات الخضراء في إطار الشراكة بين قطاع البترول المصري وشركة “سكاتك” بعد إبرام اتفاق مشروع إنتاج الأمونيا الخضراء نهاية فبراير الماضي مع كل من الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات وشركة موبكو في دمياط.
ومن جانبه، أكد رئيس “سكاتك” النرويجية تيرييه بيلسكوج أن التوقيع هو خطوة جديدة لتعزيز التعاون مع مصر والذي يأتي في أولوية اهتمامات الشركة لتوفير وقود أخضر مستدام عالي الجودة بأسعار تنافسية وبما يسهم في وضع مصر على رأس قائمة الدول المصنعة للمنتجات الكيماوية الخضراء والمصدرة لها ويجعلها وجهة ومحورًا للتزود بالوقود الأخضر لخطوط الملاحة العالمية.
والميثانول عبارة عن مادة كيميائية متعددة الاستعمالات، ولديها خصائص مشابهة للإيثانول، ويمكن إنتاجه من مجموعة متنوعة من المواد الأولية -من الوقود الأحفوري إلى الكتلة الحيوية والكربون المحتجز- واستعماله وقودًا نظيفًا؛ وفق ما أورد تقرير صدر عن منتدى الطاقة الدولي في فبراير 2023.


الميثانول الأخضر.. واستشراف المناخ المستدام
لقد عززت أزمة المناخ المتسارعة والمخاوف المتزايدة بشأن أمن الطاقة الاهتمام بالميثانول الأخضر، الذي يُنتج عبر دمج الهيدروجين الأخضر المُستخرج باستخدام الكهرباء النظيفة مع ثاني أكسيد الكربون المتجدد أو المعاد تدويره.
يُسمى الميثانول حيويًا إن أتى ثاني أكسيد الكربون الداخل في إنتاجه من مصادر حيوية مثل نفايات الزراعة أو الغابات. بينما يُنتَج الميثانول المصنّع بالكهرباء النظيفة من الكربون الملتقط من عمليات صناعية أخرى أو حتى من الهواء مباشرة. لكن كلا النوعين هو ميثانول أخضر لو تباينت مصادر ثاني أكسيد الكربون الداخل في تركيبهما.
وفي حالة إنتاج وقود الميثانول من خلال الكتلة الحيوية أو الكربون المحتجز، يصبح عندها وقود منخفض الكربون، ويسهم بصورة كبيرة في خفض الانبعاثات.
وتعتمد عملاقتا الشحن البحري “ميرسك سيلاند” و”كوسكو” على الميثانول الأخضر لتزويد جزء من أساطيلهما بالوقود، ما يجعله جزءاً رئيسيًا من إزالة الكربون من صناعة الشحن البحري.
ويحفز ذلك توفير شركات الطاقة مثل “أورستد”، التي تبني أكبر محطة لإنتاج الميثانول المركب باستخدام الكهرباء النظيفة في أوروبا، لإمدادت جديدة. يُتوقع أن يصل حجم إنتاج الميثانول الصناعي والحيوي، مجتمعين، إلى أكثر من 8 ملايين طن متري سنويًا بحلول 2027، وفقًا لمجموعة “معهد الميثانول” التجارية في واشنطن.
في الوقت الراهن، تعتمد أساطيل الشحن والحاويات وصيد الأسماك على الزيوت الثقيلة القائمة على الديزل بشكل كبير. ويُعدّ الديزل، بما لإنتاجه وتسربه من آثار مدمرة للبيئة، السبب الرئيسي في جعل قطاع الشحن البحري مسؤولاً عن 3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا. لكن يمكن للميثانول تقليل هذه البصمة بنسبة تصل إلى 95% إذا كان الميثانول الأخضر مصنّعًا باستخدام مدخلات نظيفة وفقًا لـ”معهد الميثانول”. وعادةً ما يُصنع الميثانول حاليًا باستخدام الوقود الأحفوري، لا سيما الغاز الطبيعي في الغالب.
ويتمتع الميثانول الأخضر ببعض المزايا الفيزيائية مقارنةً بأنواع الوقود الصناعي الأخرى التي يمكن الاستعانة بها لتسيير أساطيل قطاع الشحن البحري، بما يشمل الهيدروجين والأمونيا. فالميثانول الأخضر يظل سائلاً في درجات الحرارة والضغط المحيطين على عكس الهيدروجين، ما يجعل شحنه أسهل وتخزينه أكثر كفاءة.
في حين يمكن تصنيع الأمونيا من الهيدروجين الأخضر أيضًا، فيما يعرف بالأمونيا الصناعية، إلا أنها شديدة السمية وتتطلب رفع كفاءة البنى التحتية لتخزينها بأمان.
بالمقابل، يتميز الميثانول بقابليته للتحلل البيولوجي ويمكن التعامل معه مثل البنزين، ما يتطلب إجراء عدد أقل من التعديلات التحديثية أو تغييرات البنى التحتية ويجعله أكثر أمانًا حال تسربه، بحسب “معهد الميثانول”.

وختامًا، يلعب الميثانول الأخضر – الوقود النظيف الأكثر أمانًا- دورًا حيويًا في إعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون لصالح صناعة الشحن البحري، فهو بمثابة الخيار المتاح حاليًا إذا كان العالم يريد إقصاء الوقود الأحفوري.
وقد شدد مؤتمر الأطراف COP27 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية في 2022 على أن الميثانول الأخضر يمثل الحل الوحيد الجاهز للسوق والقابل للتطوير للشحن اليوم، والنظام البيئي في مصر ينفرد بمقومات مثالية لإنتاجه ضمن شبكة مشروعاتها الواسعة النطاق للطاقاتالمتجددة؛ حيث تطمح البلاد لأن تصبح رائدة عالميًا في سلسلة قيمة الطاقة الخضراء.