كتبت – أماني ربيع

“ما إن وصلنا إلى السلطة حتى قرّرنا اعتبار تنوّع الألوان واللغات مصدرًا للقوّة؛ بعدما كان يُستخدم في الماضي للتفرقة بيننا”.. “نيلسون مانديلا”.

تمثل التعددية الثقافية “إثنية ودينية ولغوية” حقيقة واقعة وسمة غالبة في كل الدول الأفريقية، وتشكل إرثًا ثقافيًّا غنيًّا، ويعد تنوع الثقافات وتداخلها ظاهرة تاريخية متصلة بحركة تطور المجتمعات الإنسانية؛ حيث تتأثر الجماعت المختلفة ببعضها البعض عبر الاتصال وتبادل المصالح والخبرات، ما يصنع حالة من الانسجام والتناغم، وهو ما شهدته المجتمعات الأفريقية القديمة.

ونستعرض في التقرير التالي ثلاثة أشكال من التنوع الثقافي بالقارة الفريقية من حيث اللغة والدين والإثنية.

أولًا: التعدد اللغوي في أفريقيا

إذا كان عدد اللغات في العالم يصل إلى نحو 6000 لغة، فنصيب أفريقيا من هذه اللغات يبلغ حوالي 1500 إلى 2000 لغة، بما يمثل نحو ثلث لغات العالم، وتندرج هذه اللغات ضمن أربع أو خمس أسر لغوية رئيسة، تضم كل أسرة مجموعات لغوية متعددة.

وهناك هيمنة لسيطرة لغات الدول الاستعمارية على الدول الأفريقية، فهناك 10 دول أفريقية فقط، من بين 53 دولة، تعترف برسمية اللغات الأفريقية المحلية، منها اللغة العربية في 9 دول؛ أما الدول الـ46، الباقية فتعتمد رسمية لغات أجنبية: الفرنسية في 21 دولة، والإنجليزية في 19 دولة، والبرتغالية في 5 دول، والإسبانية في دولة واحدة

ويصل التعدد اللغوي في نيجيريا إلى 400 لغة، والكونغو الديموقراطية 300 لغة، والكاميرون 250 لغة، ما يخلق صعوبة في استخدام اللغات المحلية كوسيط في الإدارة أو التعليم، وهناك بعض الدول المتعددة لغويًّا التي تملك لغة محلية وطنية مشتركة يمكنها أن تصلح وسيطًا للتربية والتعليم؛ منها السيتسوانا في بوتسوانا (95%)، والسانجو في جمهورية أفريقيا الوسطى (98%)، والسواحلي في تنزانيا (95%)، والأكّان في غانا (90%).

وكما ذكرنا سابقًا تتوزع اللغات الأفريقية على أربعة فصائل لغوية كبرى هي:

  1.  أسرة نيجر – كونغو: تتضمن 1436 لغة (بما في ذلك 500 من عائلة البانتو).
  2.  والأفروالآسيوية: 371 لغة.
  3.  والنيلية الصحراوية: 196 لغة.
  4. والخويسان في جنوب القارة: 35 لغة

وأغلب اللغات الأفريقية شفهية بلا أبجدية، فقليل من المجتمعات الأفريقية قام بوضع أبجديته الخاصة أو حتى رسمها بالأبجدية اللاتينية.

ثانيًا التعدد الإثني في أفريقيا:

لعل التعدد الإثني في أفريقيا هو أبرز مظاهر التنوع الثقافي في القارة السمراء، وبحسب التقديرات يصل متوسط التعدد الإثني في أفريقيا نحو 53.63 إثنية لكل دولة، وهناك إثنيات كبرى توجد في أكثر من دولة وهي الإثنيات العابرة للحدود، وقليل من الدول الأفريقية يتكون من إثنية واحدة مثل الصومال.

وسكنت أفريقيا عدة مجموعات بشرية رئيسية هي:

“الساميون”: في شمال أفريقيا

“الحاميون”: في الصومال وإثيوبيا وبعض مناطق شمال أفريقيا.

” الزنوج”: وينقسمون بدورهم إلى قسمين:

– البانتو: نسبة إلى اللغة التي يتحدثون بها

– الزنوج: في غرب أفريقيا، لا يتكلمون لغة البانتو.

“النيليون”: نسبة إلى النيل الذي يعيشون حوله.

” النيليون – حاميون”: خليط من النيليين والحاميين.

“البوشمان والهوتنتوت”: يعيشون بين الصومال إلى أنجولا

وتتفاوت الإثنيات الكبرى من حيث العدد والدور الثقافي والسياسي والاقتصادي، وأشهرها، “العفر، الأسانتي، الأمازيغ، الأمهرة، الأنلوي، الأورومو، والباكا، البامبرا، البيجا، الدينكا، التوتسي، التيجير، الحامير، الخوسا، والكانوري مانجا، التيجيرينا، الزغاوة، ليمبا الزولو، الماساي، السامبورو، وسيكريب، النيدليب، المورسي، السواحيلي، الشونا، النوير، الصومالية، الطوارق، النوبية، الهادزا، الهوسا، الولوف، اليوروبا”.

وأهم هذه الإثنيات:

 الهوسا:

وسميت على اسم اللغة التي تتحدثها القبائل في المنطقة من النيجر إلى وسط نيجيريا، ومن بحيرة تشاد مرورًا بطول نهر النيجر حيث تقع دولة مالي، ويرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 999 على يد الملك كانو، والدين السائد بين أفرادها هو الإسلام.      

الفولاني:

وتتواجد في المنطقة من نهر النيجر إلى السنغال، يتكلمون لغة “فوفولدي”، ويظهر تأثير هذه الإثنية في غرب أفريقيا، حيث تتميز بثقلها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتنتشر في عدة دول مثل: نيجيريا والكاميرون وتشاد وأفريقيا الوسطى والسودان.

البانتو:

وينقسمون إلى:

  • البانتو الشرقيين: في أوغندا شمالًا إلى كينيا وتنزانيا وزامبيا وموزمبيق وحتى شمال نهر الزمبيزي.
  • البانتو الجنوبيين: في جنوب نهر الزمبيزي من زيمبابوي وموزمبيق وبتسوانا إلى جنوب غرب أفريقيا وناميبيا.
  • البانتو الغربيين: من شمال نهر كوتني إلى غرب زيمبابوي, ومن البحيرات العظمى حتى غرب أفريقيا وجنوب الكاميرون والكنغو والغابون إلى جنوب السودان.

وساهم الانتشار الواسع لهذه الإثنية في تحولها إلى قوة اجتماعية واقتصادية مؤثرة في عدة دول، مثل جنوب أفريقيا حيث يبلغ عددهم 24 مليون نسمة, إلى جانب زامبيا وزيمبابوي وأوغندا وكينيا.

الأورومو:

من أكبر القوميات في إثيوبيا، يشكلون نحو 50% من تعداد السكان، لديهم لغة مكتوبة، وينقسمون إلى 5 مجموعات، و80% منهم مسلمون.

النوير:

تتواجد في أعالي النيل بالسودان، وتمتد إلى داخل الأراضي الإثيوبية, وهي من القبائل النيلية، يصل عددهم إلى مليون نسمة تقريبًا، ويتسمون بالانعزال لحياتهم في منطقة مليئة بالمستنقعات، وهم أقرب لنموذج القبائل البدائية، وهي من القبائل المؤثرة في جنوب السودان، ولها تاريخ في محاربة الاستعمار البريطاني بالثورات.

ثالثا التعدد الديني في أفريقيا

تشهد أفريقيا تنوعًا في الأديان والمعتقدات، فإلى جانب انتشار الدين الإسلامي والمسيحية، تتعدد الأديان التقليدية قدر تعدد الإثنيات في القارة، ومن سمات الأديان التقليدية أنها بلا فعالية خارج نطاق جماعتها الدينية.

والأديان التقليدية هي الأديان الإثنية ذات الموروثات الدينية الشعبية التي تمارسها الجماعات الأفريقية المختلفة وبخاصة جنوب الصحراء، ونشأت هذه الأديان قبل معرفة كلمة دين “Religion” أو عقيدة “Creed”، وشعائرها التعبدية أقرب لطقوس السحر، معتمدة على أساطير قديمة أصبحت بمرور الوقت راسخة في العادات والتقاليد الأفريقية.

وليس للديانات التقليدية في أفريقيا كتبا مقدسة، وطقوسهم يتم توارثها، ما يجعل دراسة تلك الأديان أمرًا صعبًا، لابد فيه من الحضور والملاحظة المباشرة.

وتتوزع الأديان التقليدية في أفريقيا جنوب الصحراء بين 43 دولة، ويقدر عدد ممارسيها بنحو 70 إلى 100 مليون نسمة، بما يمثل نحو 12% من سكان أفريقيا، بينما النصيب الأكبر من الأديان للمسيحية بـ45 % والإسلام 40%،

ويتمتع الكهنة والسحرة والمشعوذون والأطباء التقليديون بمكانة مقدسة في المجتمع الأفريقي؛ ففي كينيا مثلًا هناك من يُعتقد بأنهم “صُناع للأمطار” يشتركون في صناعة القرار ببعض المناطق.

ومن أمثلة الأديان التقليدية في أفريقيا أديان “البامبرا” في غرب أفريقيا، ويدين أتباعها بالإله “لإارو” الذي يحمل أحيانا أسماء مثل “أشانتي” و”نانا”، وهناك أديان الدوجون، الذين يتبعون الإله “أما”، ومعتقدات المانجا.

والمعتقدات الأفريقية التقليدية تتمثل في:

عبادة الأسلاف:

وهي من أهم المعتقدات، حيث يعتقد أتباعها أن الموت يجعل الأرواح تتنقل في الكون، وأن الأسلاف وإن غابوا يراقبون، والعلاقة بينهم وبين عالم الأحياء قوية لا يقطعها الموت.

السدانة:

وهم الوسطاء بين الآلهة والمتعبدين، وهم من يقود الطقوس، ويرفع الصلوات للآلهة، وأحيانا ما يمارسون دورهم لغير العبادة، فيقدمون باعتبارهم أطباء وحكماء وقضاة، والسدانة وظيفة مقدسة عند الوثنيين، ومفتوحة للرجال والنساء، وغالبا ما تكون موروثة من بيت معين في القبيلة، وعلى الشخص المرشح للسدانة أن يثبت كفاءته لذلك.

وللأديان التقليدية طقوس في الزواج عبر ترانيم معينة، وارتداء ملابس معينة، وكذلك الحمل والولادة وهو أمر مهم حيث يحاط الطفل في بطن أمه بعناية من الأقارب والجماعة، وكذلك فيما يتعلق بطقوس البلوغ للذكور والإناث، وفي الموت والجنائز.

تعددية جالبة للأزمات

لأسباب كثيرة يبدو التنوع الثقافي في أفريقيا معرضًا للخطر بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والمجتمعية للدول الأفريقية، حيث أصبح هذا التنوع الذي تفاعل عبر السنين لينتج هوية وطنية، مجالًا لتكريس الانقسامات وخلق الأزمات المتعلقة بالهوية والاندماج الذي تم استغلاله في عهد الاستعمار وحتى بعد الاستقلال لتغذية الصراعات، بسبب هيمنة جماعة ما بإثنيتها ودينها ولغتها على الدولة وإيقاع باقي الفئات تحت طائلة التهميش، هذا الإقصاء المجتمعي وغياب المساواة بين فئات الدولة المختلفة خلق مجالًا للاحتجاجات والثورات والحروب؛ مثل ما حدث في “بيافرا بنيجيريا عام 1967″، والحروب الأهلية في أنجولا وسيراليون وجنوب السودان، ومذابح الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي، ما انعكس سلبًا على استقرار الدول الأفريقية وعلى بنية الدولة في حد ذاتها.

لكن لا ينبغي النظر إلى التعددية والتنوع الثقافي بصورة سلبية؛ فهو ليس أمرًا سيئًا إذا كان داخل مجتمع يراعي متطلبات كافة الجماعات التي يحتويها بميزاتها وخصائصها، والمحافظة على قيمها وإدماجها تحت مظلة هوية واحدة دون المساس بإرثها الخاص؛ فالتنوع والاختلاف كظاهرة في حد ذاتها ليس مشكلة، لكن الأزمة تحدث عندما تستغل الأحزاب السياسية ومجموعات المصالح والإعلام تلك التمايزات والاختلافات الثقافية في تكريس الانقسامات الدينية واللغوية والأيدلوجية واللإثنية.

والتعدد ظاهرة طبيعية وموجودة في كثير من الدول، لكن في أفريقيا لم تستطع السلطة السياسية تدجين التنوع وإدراته، وجنحت إلى استبعاد المختلفين إثنيًّا ودينيًّا، وأصبحت ثمار التنمية حكرًا على جماعات بعينها، ما ولّد صراعًا بين الولاء القبلي الفرعي والولاء الوطني، فنشأت ولاءات ضيقة نتيجة الاضطهاد أدت إلى العنف.

كذلك وجود مؤسسات لا تتسم بالفعلية فهي مجرد إطار شكلي يخدم شخصًا واحدًا متمثلًا في الرئيس وحاشيته، وحتى التشريعات والنصوص الدستورية أضحت وقف التنفيذ لا تطبق في الواقع، بالإضافة إلى تداخل المسؤوليات بين المؤسسات.

التهميش وسوء توزيع الثروات الوطنية عبر تركيز الثروة في أيدي أقلية بعينها على حساب باقي السكات ما يشجع العنصرية والانقسامات ويقوض حقوق المواطنين ما خلق أزمة ثقة مع الأنظمة الحاكمة التي فشلت في إيجاد قنوات اتصالات فعالة لجمع كل فئات المجتمع.

مما سبق نرى أن التعدد الذي هو سمة غالبة في أفريقيا نراه في أكثر من صورة، وبإمكانه أن يصبح أداة فعالة لتحقيق التكامل والتفاعل والثراء الثقافي، عبر الاتصال الفعال والحوار، مع الأخذ في الاعتبار أهمية اعتماد هوية أفريقية تحترم الاختلاف والتنوع والخصوصية وتسعى للتفاعل فيما بينها.