كتبت – باسنت عادل

باحثة في العلاقات الدولية

في خطوة مفاجئة، وقع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، مذكرة تفاهم مع زعيم أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، في بداية يناير 2024، وبموجب الاتفاق ستحصل إثيوبيا على حق الانتفاع بشريط ساحلي بطول 20 كيلومترًا بميناء بربرة على ساحل البحر الأحمر، لمدة 50 عامًا لتتمركز به القوات البحرية الإثيوبية، مقابل اعترافها الرسمي باستقلال أرض الصومال كدولة مستقلة، ليصبح أول اعتراف دولي بأرض الصومال، فضلاً عن منح الأخيرة 20% من أسهم الخطوط الجوية الإثيوبية، ويأتي هذا الاتفاق في وقت تسعى فيه إثيوبيا بشدة للحصول على منفذ بحري بعد أن فقدت سيطرتها على ميناء عصب الإريتري منذ استقلال الأخيرة عام 1993، ما جعل من إثيوبيا دولة حبيسة وقلَّص بشكل كبير من طموحاتها التجارية والبحرية، فأصبحت إثيوبيا تعتمد على 95% من معاملاتها التجارية على جيبوتي، كما يأتي هذا الاتفاق في وقت تحاول فيه أرض الصومال تحقيق الاعتراف الدولي بها كجمهورية مستقلة؛ لذلك يُعد هذا الاتفاق تطورًا مهمًا في العلاقات بين البلدين، ومن ثم تهدف إثيوبيا جراء هذا الاتفاق إلى تعزيز اقتصادها وتحسين قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية. ([1])

وقد تجددت الطموحات الإثيوبية بشكل واضح في عام 2018 مع الإعلان عن إعادة بناء البحرية الإثيوبية بمساعدة فرنسا، كما وافقت روسيا مؤخرًا على دعم الحكومة الإثيوبية في إعادة بناء قواتها البحرية، والجدير بالذكر، أن مكتب رئيس الوزراء أبي أحمد، وصف الاتفاق بأنه مذكرة تفاهم تهدف إلى تأمين الوصول إلى البحر وتنويع خيارات الموانئ لإثيوبيا. ([2])

ولكن، ما هي الأسباب التاريخية لانفصال إقليم أرض الصومال؟ وما دوافع إثيوبيا لتوقيع الاتفاقية؟ وما هي المواقف الدولية من الاتفاقية؟ وهل سيكون لها آثار على منطقة القرن الأفريقي أو على العلاقات مع الدول الإقليمية؟، هذ ما سنتعرف عليه خلال السطور التالية.

الأسباب التاريخية لانفصال إقليم أرض الصومال عن جمهورية الصومال وأهميته الاستراتيجية

تعاني القارة الأفريقية من صراعات معقدة ومتشابكة، تختلف أشكالها ودوافعها، وتعتبر الصومال، التي تحتل موقعًا استراتيجيًا متفردًا، واحدة من الدول الأفريقية التي عانت من تلك الصراعات، يحد الصومال دولة جيبوتي غربًا، وإثيوبيا جنوبًا، ومنطقة بونتلاند الصومالية من الشرق – بعد انفصالها عن الصومال، كما تمتلك الصومال ساحلاً طويلاً على خليج عدن، ويعود الصراع في الصومال إلى جذور تاريخية وسياسية، ففي عام 1888، خضع الصومال للاستعمار الأوروبي، وتم تقسيمه إلى إقليمين، الصومال البريطاني والصومال الإيطالي. إلى أن استقلت الأراضي الصومالية من الاستعمار الإيطالي والبريطاني واندمجتا لتشكلان ما يعرف بـ “جمهورية الصومال المتحدة” وذلك في عام 1960، ولكن ما لبثت أن اندلعت الحرب الأهلية في الصومال في عام 1991، مما أدى إلى انهيار الدولة الصومالية، وفي أعقاب الحرب، أعلن إقليم الصومال الشمالي استقلاله استقلالاً ذاتيًا، وعُرف باسم “صوماليلاند”، وعاصمته “هرجيسا”، يطل على خليج عدن ولكنه لا يزال غير معترف به من قبل النظام الدولي، إلا أن تايوان أقامت علاقات دبلوماسية مع «أرض الصومال»، إذ بدأ التقارب بينهما في سنة 2020، وهو ما أثار انتقادات من جانب الصين التي تدعم جمهورية الصومال، وتسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في القارة الأفريقية عمومًا، ومنطقة شرق أفريقيا على وجه الخصوص. ([3])

بواية التنافس الدولي في القرن الأفريقي

ونظرًا للأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية لإقليم أرض الصومال، فإن القوى العظمى تسعى للاستفادة من موقعه المميز؛ حيث تقدم السير غافن وليامسون، وزير الدفاع السابق في الحكومة البريطانية، باقتراح للاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال أمام البرلمان في الرابع من يوليو 2023، ورغم عدم تمريره، إلا أنه يُظهر بجلاء النوايا الحقيقية لبريطانيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تجاه أرض الصومال، لا سيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وبروز الصين كقوة عظمى عالمية، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، ليعكس بذلك أهمية موانئ أرض الصومال الاستراتيجية عند مدخل خليج عدن جلية أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للقوى الغربية، وحالة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على السيطرة على الممرات المائية والموانئ الاستراتيجية في كل من المحيط الهندي والهادئ.([4])

الأهمية الاستراتيجية لميناء بربرة في إقليم أرض الصومال الانفصالي:

في مايو عام 2016، وقعت شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال عقد امتياز لإدارة وتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي في ميناء بربرة لمدة 30 عامًا، وفي 2017 بدأت الإمارات في إنشاء قاعدة عسكرية بمدينة بربرة، وتم توسعة المشروع في 2018،([5])حيث وقعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقًا في دبي – في إطار توسعة المشروع – مع كل من الحكومة الإثيوبية وحكومة أرض الصومال، تصبح بموجبه إثيوبيا شريكًا في ميناء “بربرة” في أرض الصومال، حيث تحصل على حصة 19% في الميناء، فيما تحتفظ موانئ دبي العالمية بحصة 51% وهيئة الموانئ في أرض الصومال بحصة 30%، إلا أن الصومال اعترضت على هذا المشروع واعتبرته انتهاك لسيادتها، واعتبر البرلمان الصومالي الاتفاقية الثلاثية الموقعة لاغية وباطلة باعتبار أرض الصومال ضمن الأراضي الصومالية. ([6])

أهداف إثيوبيا من توقيع الاتفاقية:

يوفر الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال مصالح متعددة للدولة الإثيوبية، تتمثل في:

1– مصالح سياسية، تتمثل في تعزيز شعبية آبي أحمد،؛ حيث يُظهر قدرة حكومته على تحقيق أحد الأهداف الرئيسية التي أعلنت عنها منذ سنوات، وهو الحصول على منفذ بحري دائم، وهذا من شأنه أن يعزز شعبية آبي أحمد في الداخل الإثيوبي، ويجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها حكومته، خاصة في ظل الاضطرابات السياسية والعرقية التي تشهدها إثيوبيا، كما تحاول إثيوبيا من خلال الاتفاق أيضًا الانضمام إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي تأسس عام 2020، ويضم مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال من الضفة الأفريقية للبحر الأحمر، والسعودية والأردن واليمن من الجانب الآسيوي.

2- مصالح أمنية، يُعد الاتفاق خطوة مهمة لتعزيز الأمن القومي الإثيوبي؛ حيث يُوفر لها منفذًا بحريًا دائمًا يمكنها استخدامه في عملياتها العسكرية، وتعزيز قدراتها الدفاعية، كما تتمكن إثيوبيا من إعادة إنشاء القوات البحرية الإثيوبية، ويعتبر فرصة لإثيوبيا لتعزيز مصالحها الإقليمية مما يفتح لها الباب للانخراط كقوة إقليمية منافسة في المنطقة، مما يعزز نفوذها ويُمكنها من لعب دور أكثر فاعلية في البحر الأحمر.

3- مصالح اقتصادية، تتمثل في تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتي، وهو المنفذ الوحيد لإثيوبيا على البحر الأحمر في الوقت الحالي، ومنذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي للتجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95٪ من وارداتها وصادراتها عبر ممر أديس أبابا – جيبوتي، وفقًا للبنك الدولي، يُشكل المبلغ البالغ 1.5 مليار دولار سنويًا الذي تدفعه إثيوبيا لاستخدام موانئ جيبوتي عبئًا كبيرًا على اقتصادها الذي يعاني من صعوبات في خدمة ديونه الضخمة أو حتى تتعرض لمنع دخولها في بعض الأحيان، ومن شأن الاتفاق مع أرض الصومال أن يمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا مستقلًا، مما يعزز سيادتها الاقتصادية، بالإضافة إلى أنه قد يُسهم في تعزيز التجارة الخارجية لإثيوبيا، حيث سيسمح لها بتصدير المزيد من منتجاتها إلى الأسواق الدولية، وزيادة وارداتها من السلع والخدمات، ويُقدر أن الاتفاق سيؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي الإثيوبي بنسبة تتراوح من 25% إلى 30%، ([7]) كما أن الأمر يكتسب أهمية مضاعفة مع انضمام إثيوبيا لمجموعة البريكس ما سيفتح لها الأبواب لتبادلات تجارية مع دول العالم.([8])

أهداف أرض الصومال من الاتفاقية:

منذ أن أعلن إقليم أرض الصومال استقلاله في عام 1991 ويسعى إلى الحصول على الاعتراف الدولي به كإقليم مستقل عن جمهورية الصومال المركزية، وتأتي مذكرة التفاهم بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا لتحقق للإقليم عدة امتيازات منها:

  1. امتيازات سياسية: تعد مذكرة التفاهم مع إثيوبيا خطوة أولى مهمة في مسار حصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي به، وهو ما قد يفتح المجال لاعتراف دول أخرى بالإقليم، مما يعزز من موقفه التفاوضي مع المجتمع الدولي.
  2. امتيازات اقتصادية: يضمن الاتفاق للإقليم استثمارات إثيوبية سواء في البنية التحتية أو الموانئ، أو حصوله على نسبة من الخطوط الجوية الإثيوبية، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الوضع الاقتصادي للإقليم.
  3. امتيازات أمنية: يوفر الاتفاق حماية للإقليم من التهديدات الأمنية خاصة من جمهورية الصومال. ([9])

المواقف الدولية تعكس القلق إزاء الاتفاقية

أثارت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي، قلقًا في منطقة القرن الأفريقي، والتي تعاني بالفعل من حروب أهلية وصراعات سياسية وأزمات إنسانية واسعة النطاق، وفي ظل التوتر التي تشهده منطقة البحر الأحمر وهي طريق شحن عالمي حيوي يمكن أن تتسبب الاتفاقية في مزيد من التوتر إذا لم يتم تداعي الموقف، نستعرضها كما يلي:

انتهاك للسيادة: تصدرت الصومال قائمة الدول المعترضة على الاتفاقية، معتبرةً إياها انتهاكًا لسيادتها؛ لأنها تعتبر أرض الصومال جزءًا من أراضيها، حيث استدعت الصومال سفيرها لدى إثيوبيا للتشاور؛ احتجاجًا على مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال، كما عقد مجلس الوزراء الصومالي، اجتماعًا طارئًا؛ لبحث الخطوة التي وصفتها حكومة الصومال بأنها “انتهاك إقليمي غير قانوني”، والجدير بالذكر، أن هذه الاتفاقية تأتي بعد خطاب آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، أمام برلمان بلاده، والذي تحدث خلاله عن الضرورة الوجودية لإثيوبيا في الوصول إلى منفذ في البحر الأحمر، مما أثار مخاوف الدول الإقليمية المجاورة، وتوقع البعض أن يكون هذا الخطاب تمهيدًا لتوقيع إثيوبيا اتفاقية تكفل لها الاستفادة من موانئ دول الجوار،([10]) وفي ذات السياق، عقد مجلس الوزراء الصومالي برئاسة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، اجتماعًا طارئًا لمناقشة الصفقة، ووصفت الحكومة الصومالية الاتفاقية بأنها “باطلة وغير مُلزمة”، وطالبت كلاً من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعقد اجتماعات بشأن هذه المسألة، كما استدعت الصومال سفيرها لدى إثيوبيا لإجراء مشاورات عاجلة، وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في خطاب حماسي ألقاه في البرلمان، تعهده بالدفاع عن سيادة بلاده مؤكدًا أن الصومال ملك للصوماليين. ([11])  

على الصعيد الدولي، أصدرت دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية بيانًا أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، واعتبرته “انتهاكًا صارخًا لسيادة الصومال ووحدة أراضيها”، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة “تعترف بسيادة جمهورية الصومال الفدرالية ووحدة أراضيها”، وشدد على “أهمية الحوار الدبلوماسي لحل الخلافات بين جمهورية الصومال وإقليم أرض الصومال”،([12]) كما دعت تركيا إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين الصومال وإقليم أرض الصومال الانفصالي مع تأكيدها التزامها بسيادة مقديشيو، وذلك وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية التركية. ([13])

وعن موقف مصر والتأثير المحتمل عليها جراء توقيع الاتفاقية: أعلنت مصر رفضها لمذكرة التفاهم الموقعة مؤخرًا بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال “صوماليلاند”، والتي من شأنها أن تمنح أديس أبابا منفذًا بحريًا على حساب السيادة الصومالية، وأكد بيان صادر عن الخارجية المصرية، على ضرورة احترام وحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ورفض أي إجراءات تنتهك هذه السيادة، كما شدد البيان على حق الصومال وشعبها وحدهم في الانتفاع بمواردهم الوطنية، وحذر البيان من مخاطر تصاعد التصريحات والإجراءات من قبل بعض الدول في المنطقة وخارجها، التي تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقي وتزيد من التوترات بين دولها، وشدّدت مصر على “ضرورة احترام أهداف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها… وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”، يأتي البيان بعد يوم من اتصال أجراه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وينطلق البيان من مبدأ أن مصر تعتبر أرض الصومال جزءًا من جمهورية الصومال، وترى أن هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى تقسيم الصومال، وهو أمر ربما ينتج عنه مزيد من التوتر في منطقة القرن الأفريقي.([14]) ويرى خبراء أن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال قد يؤدي إلى آثار محتملة من شأنها تأثر الدور القيادي لمصر سلبًا في البحر الأحمر، كما يخشى البعض من أن يؤثر الميناء الجديد تحت الإدارة الإثيوبية على قناة السويس والاستثمارات المصرية فيها، حيث يمكن لإثيوبيا أن تستفيد من حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر وتقتطع حصة من الأرباح. ([15])

وعلى صعيد المنظمات الإقليمية والدولية، يغلب تجاه الرفض والإدانة على موقف المنظمات الإقليمية والدولية حيث سارع الاتحاد الأفريقي بالمناشدة بضبط النفس بين إثيوبيا والصومال، إثر التصعيد حول الاتفاقية الثنائية بشأن إقليم “أرض الصومال، وبحسب بيان صادر عن مفوضية الاتحاد، أكد على أهمية بدء مفاوضات فعّالة فورية لحل النزاع، مع التحذير من مغبة الإجراءات الفردية التي قد تؤدي إلى تدهور في العلاقات بين البلدين المتجاورين في القرن الأفريقي، وأكّد البيان على أهمية التمسك بمبادئ ميثاق الاتحاد الداعية إلى احترام سيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء، ([16]) واعتبر أيضًا الاتحاد الأوروبي احترام سيادة الصومال هو “المفتاح” نحو تحقيق السلام في منطقة القرن الأفريقي بأسرها، ونقل بيان صادر عن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، أن التكتل يؤكد على أهمية احترام وحدة وسيادة جمهورية الصومال الاتحادية وسلامة أراضيها، بما يتماشى مع دستورها ومواثيق الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، ومن جهتها أدانت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الاتفاقية التي أبرمتها إثيوبيا وأرض الصومال، وطالبت إثيوبيا باحترام سيادة الصومال، معربين عن تضامنهم مع الصومال، ودعا كل منهما إثيوبيا إلى “الالتزام بقواعد ومبادئ حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وأكدت الجامعة أن الاتفاقية “تتناقض مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي تعترف بالصومال كدولة ذات سيادة”، كما حذرت من أن الاتفاقية “قد تؤدي إلى تفاقم التوترات في منطقة القرن الأفريقي. ([17]) كما أعربت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، عن قلقها العميق بشأن التطورات الأخيرة إبان الإعلان عن مذكرة التفاهم الأخيرة، فيما طالبت الخارجية الصومالية منظمة “الإيغاد” بالاعتذار فورًا عن هذا البيان، الذي اعتبرته منحاز لإثيوبيا؛ لأنه لم يصل إلى حد إدانة الحكومة الإثيوبية. ([18])

تأثير الاتفاقية في أمن منطقة القرن الأفريقي

إن الاتفاق المثير للجدل بين إثيوبيا وأرض الصومال من شأنه إشعال فتيل أزمة في القرن الأفريقي، خاصة في ظلّ الأوضاع المشتعلة بالفعل في المنطقة سواء العدوان على غزة أو هجمات الحوثيين على الممرات المائية بالبحر الأحمر أو اشتعال الحرب الأهلية في السودان مؤخرًا، وفي ظل هذه الأوضاع يمكن الإشارة إلى أبرز تداعيات تداعيـات توقيـع الاتفاق الأخيـر علـى النحـو التالـي:

  1. تأجيج الخلافات بين الصومال وأرض الصومال، تأتي اتفاقية إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي في وقت تجري فيه محاولات جادة لإعادة فتح قنوات الحوار بين مقديشيو وهارجيسا، بهدف التوصل إلى حلول للقضايا العالقة بين الطرفين ؛ لذا فمن المرجح أن تُسهم هذه الاتفاقية في تصعيد حدة التوترات وتعميق الهوة بين الطرفين، ما يُعيق جهود إحلال السلام ويُبعد آفاق التسوية السياسية لقضية الانفصال، وبالتالي، فالاتفاق المذكور ربما يكون له تداعيات سلبية بالغة على مسار المصالحة الوطنية داخل الصومال.
  2. تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة، قد تدفع الاتفاقية إلى تزايد نشاط الجماعات الإرهابية الأخرى في الصومال والمعروفة باسم “حركة الشباب” واالتي اعتبرتها الولايات المتحدة حركة إرهابية، وقد يمتد نشاطها إلى شنّ هجمات انتقامية داخل الأراضي الإثيوبية أو إلى إقليم الصومال الانفصالي، وربما ترى الجماعات الإرهابية أن الاتفاقية تمثل فرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة، وهو ما يهدد الأمن في المنطقة بأكملها.
  3. تزايد القوى العسكرية البحر الأحمر في سياق إقليمي وعالمي معقد، تشهد منطقة البحر الأحمر زيادة التواجد العسكري المكثف في الآونة الأخيرة، حيث تتنافس القوى الدولية والإقليمية على النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهو ما يعكس رغبة القوى الدولية والإقليمية في السيطرة على المنطقة، وتأمين مصالحها الاستراتيجية، وتوسيع نفوذها السياسي والعسكري، ولا يُستبعد أن يقود التوتر الناجم عن عقد الاتفاقية بين إقليم الصومال الانفصالي وإثيوبيا إلى مواجهات عسكرية، لا سيما أن أغلب دول المنطقة تعاني من هشاشة أمنية، وربما لأن القوى الدولية والإقليمية تسعى لتحقيق أهداف مختلفة في المنطقة، وقد يؤدي هذا الاتفاق إلى تصادم مصالحها.

وختامًا، يمكن القول إن الاتفاق الأخير بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي يعد اتفاق غير قانوني ويثير مخاوف مشروعة بشأن احتمال تصاعد التوتر في منطقة القرن الأفريقي المضطربة بالفعل، وكذلك بشأن تقسيم الصومال، خاصة في ظل تنافس القوى العظمى على الاستفادة من الأهمية الجيوسياسية لإقليم أرض الصومال، فرغم الدوافع الاقتصادية والجغرافية المعلنة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، للتوصل إلى منفذ بحري عبر إقليم أرض الصومال، إلا أن المعارضة الدولية للاتفاقية تنذر باحتمال وقوع أزمة سياسية كبيرة خاصة في ظل تواجد القوى العسكرية الدولية في منطقة مشتعلة، وقد تجد إثيوبيا نفسها مضطرة لمواجهة ضغوط كبيرة من جيرانها والقوى الفاعلة عالميًا للتراجع عن قرارها بالاعتراف بإقليم أرض الصومال، ربما بسبب تعارض المصالح أو التخوف من تداعيات الاعتراف بإقليم أرض الصومال على استقرار المنطقة، وهو ما يتوقف على مرونة إثيوبيا السياسية في التعامل مع هذه الضغوط في ظل المناخ الدولي الملتهب.

المراجع


[1] واشنطن تعلق على اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، 4 يتاير 2024، سكاي نيوز عربية،

https://2u.pw/rO4NcBm
[2] Jerry Chifamba, Ethiopia: Somalia Rejects Ethiopia-Somaliland Deal as ‘Aggression’, 3 January 2024, https://2u.pw/fViTHZj

[3]  أسامة السعيد، قاعدة عسكرية إثيوبية في “أرض الصومال” … هل تزيد التوتر في البحر الأحمر؟”، 4 يناير 2024، صحيفة الشرق الأوسط، https://2u.pw/2WcEQ7V

[4]  الاعتراف بجمهورية أرض الصومال وعلاقة ذلك بالكيان الصهيوني، 29 يوليو 2023، المركز الديمقراطي العربي، https://democraticac.de/?p=91370

5 وليد بدران، جمهورية أرض الصومال: لا يعترف بها أحد وتقيم بها الإمارات قاعدة عسكرية، 25 أغسطس 2019، موقع BBC، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-
[6] Somaliland deal: Somalia vows to defend sovereignty, recalls envoy to Addis, 2 January 2024, https://2u.pw/kVRziZ7

[7]  د. أحمد عسكر، قراءة أولية في اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، 5 يناير 2024، مركز الأهرام للدراساتالسياسية والاستراتيجية https://2u.pw/Q5xMLdK

[8]  عماد حسن، اتفاق ميناء بربرة – مكاسب إثيوبية ومخاوف من بؤرة نزاع جديدة، 5 يناير 2024، دويتش فيله، https://2u.pw/TW1sxUQ

[9] قراءة أولية في اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، مرجع سابق

[10] عبير مجدي، كيف يهدد طموح إثيوبيا البحري الاستقرار في القرن الأفريقي؟، 3 نوفمبر 2023، موقع مركز رع للدراسات https://rcssegypt.com/15603   الاستراتيجية

[11]  Abdi Latif Dahir, Why a Port Deal Has the Horn of Africa on Edge, 2 January 2024, The New York Times, https://2u.pw/UakGBHx

[12]  واشنطن تعلق على اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، مرجع سابق.

[13] Beatrice Farhat, Ethiopia-Somaliland deal receives wide condemnations, including from Egypt, Turkey, 4 January 2024, Al-monitor, https://2u.pw/9u2QVAB

[14]  مصر ترفض اتفاقًا يمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا في أرض الصومال، 3 يناير 2024، https://2u.pw/7C2UteF

 

[15] عماد حسن، إثيوبيا تصل قريبا للبحر الأحمر.. توتر جديد بالقرن الأفريقي؟، 2 يناير 2024، دويتش فيله، https://2u.pw/DGvfcLv
الاتحاد الأفريقي يمسك العصا من المنتصف في الخلاف الناشئ بين الصومال وإثيوبيا، 5 يناير 2024، العرب،[16] https://2u.pw/P4e1pST
[17]  الاتحاد الأوروبي يدعو لاحترام سيادة الصومال بعد اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال، 3 يناير 2024، الشرق الأوسط، https://2u.pw/5qSdCBH

[18] https://2u.pw/2ptIvcF الصومال: بيان “إيغاد” حول الأزمة مع إثيوبيا منحاز، 3 يناير 2024، الشرق الأوسط،