كتب – حسام عيد
يتدفق الآلاف من المهاجرين من غرب أفريقيا إلى الولايات المتحدة بعد أن ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لمسار أقل شهرة ومنخفض المخاطر عبر نيكاراجوا.
يستخدم الموريتانيون “واتساب” و”إنستجرام” وقنوات أخرى لتوجيه زملائهم المهاجرين على طول الطريق؛ حيث ينقلهم المهربون إلى حافلة لعبور الحدود الأمريكية المكسيكية، وفقًا لما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”.
مسار منخفض التكلفة والمخاطر
لقد خففت نيكاراجوا، بشكل حاسم، شروط الدخول التي تسمح للموريتانيين وغيرهم من الرعايا الأجانب بشراء تأشيرة منخفضة التكلفة دون دليل على السفر بعد ذلك.
ومع انتشار أخبار هذه التسهيلات الجديدة قامت بعض وكالات السفر والأشخاص المتورطين في الهجرة، بالترويج على وسائل التواصل الاجتماعي لرحلات جوية تنقل المهاجرين الأفارقة عبر مطارات في تركيا وكولومبيا والسلفادور، وتنتهي وجهة تلك الرحلات في نيكاراغوا، ومن هناك، يتم نقل المهاجرين شمالاً عبر أمريكا الوسطى، بواسطة حافلات، وبمساعدة المهربين الذي يتركونهم على بعد ساعتين من المشي بالقرب من ولاية أريزونا الجنوبية.
كان التدفق مفاجئًا وغير متوقع – ويأتي في وقت يُسمح فيه لمجموعات من 2000 إلى 3000 أسبوعيًا بالدخول بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة في إل باسو، بولاية تكساس.
وقالت حكومة هندوراس التي تقع إلى شمال نيكاراغوا إنها سجّلت عبور 4 آلاف مواطن موريتاني عبر أراضيها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعدما كان عددهم في الفترة نفسها من السنة الماضية لا يتخطى الـ500.
بين مارس ويونيو 2023، وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 8500 موريتاني عبر الحدود بشكل غير قانوني من المكسيك، ارتفاعًا من 1000 فقط في الأشهر الأربعة السابقة، وفقا لبيانات الجمارك وحماية الحدود الأمريكية.
من المحتمل أن يفوق عدد الوافدين الجدد عدد الموريتانيين المولودين في الخارج والذين يقدر عددهم بـ 8000 والذين يعيشون بالفعل في الولايات المتحدة، نصفهم تقريبًا في أوهايو.
عمر بال، الذي وصل إلى أوهايو قادماً من موريتانيا في عام 1997 وفتح منزله مؤخراً لعشرات المهاجرين الجدد الآخرين الذين اتبعوا الطريق الجديد، قال: “في الأربعة أشهر الماضية أصبح الأمر جنونيًا.. وهاتفي لم يتوقف عن الرنين”.
وسائل التواصل الاجتماعي تعيد تشكيل أنماط الهجرة
على عكس التدفق الهائل للموريتانيين الذين وصلوا في التسعينيات كلاجئين، يشير تقرير “أسوشيتد برس” إلى أن الموجة الأخيرة من تدفق الموريتانيين فاجأت المسؤولين بالفعل في الولايات المتحدة، خاصة وأنه جاء دون وقوع حدث مثير في موريتانيا، مثل كارثة طبيعية أو انقلاب عسكري أو انهيار اقتصادي مفاجئ، مما يشير إلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي تعيد تشكيل أنماط الهجرة.
لقد انحنى وكلاء السفر إلى الاتجاه الجديد وقاموا بالترويج للرحلات بأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حزم الرحلات التي تتبع المسار الجديد.
في تعليق على فيديو بتطبيق “تيك توك”، كتب أحد الموريتانيين إلى جانب صورة لتأشيرة نيكارجوا، “الحلم الأمريكي لا يزال متاحًا”. وفي مقطع فيديو آخر، يشجع مهاجر موريتاني على اتباع نفس المسار؛ حيث كتب: “الوصول إلى الولايات المتحدة عبر نيكاراجوا”.


آمال وتحديات
قبل اكتشاف الطريق الجديد، كان الموريتانيون المتقدمون للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة يسافرون إلى البرازيل ويخاطرون بالرحلات عبر طريق “دارين غاب”، وهو مسار محفوف بالمخاطر يربط بين أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية، ويُعرف بكونه منطقة غابة ومستنقعات، لكن المهاجرون يضطرون لاجتيازه في سبيل البحث عن حياة أفضل، أو الفرار من العنف الدائر في بلدانهم.
كما يسمح مسار نيكارجوا للمهاجرين بتجنب رحلات القوارب المميتة في كثير من الأحيان إلى أوروبا -والتي قتلت إحداها ستة على الأقل من المهاجرين الخمسين الذين كانوا يعبرون القنال الإنجليزي في مطلع أغسطس 2023.
لكن المسار الجديد لا يخلو من التحديات؛ حيث قالت أيساتا سال -ممرضة تبلغ من العمر 23 عامًا شقت طريقها إلى سينسيناتي، أحد أكبر مدن أوهايو الأمريكية، بعد اكتشاف طريق نيكاراجوا على “واتساب”- إنها تعرضت لسلب ما تبقى من أموالها في حافلة في المكسيك من قبل رجال يرتدون زي ضباط الشرطة قبل نقلها إلى المستشفى بسبب الجفاف.
وأضافت سال، “على WhatsApp يقولون هذا ليس صعبًا للغاية.. لكن هذا ليس صحيحًا.. نحن نواجه الكثير من الألم على طول الطريق”.
وقال آخر إن شقيقه غادر البلاد في يونيو الماضي في رحلة عبر نيكاراغوا واحتُجز على الحدود، ولا يزال مسجونا في أحد مواقع الاحتجاز في تكساس.
فيما قال العديد من المهاجرين إن الرحلة الغادرة تستحق العناء هربًا من الأوضاع الصعبة التي يواجهها الموريتانيون السود والتي تفاقمت منذ وفاة الشاب الأسود عمر ديوب في عهدة الشرطة في مايو 2023، ودخول البلاد في مرحلة احتجاجات وأعمال شغب عنيفة.
وتعد موريتانيا واحدة من آخر الدول التي جرمت العبودية رسمياً، ولا يزال السكان السود فيها يعانون من القمع، وفقاً لمدافعين عن حقوق الإنسان. ويقول بعض الذين غادروا موريتانيا مؤخرًا إنهم يفرون مرة أخرى من عنف الدولة الموجه ضد السود.
ودعت جماعات حقوق الإنسان إدارة بايدن إلى منح الحماية المؤقتة للموريتانيين، مشيرة إلى تقارير عن انتهاكات تمارس ضد السكان السود الذين تم ترحيلهم بعد الفرار.
وبغض النظر عن الرغبة الشديدة في الهجرة إلى الولايات المتحدة، قال بكاري تانديا ، الناشط الموريتاني الذي يعيش في نيويورك، إن الحقيقة هي أن الأفراد يرون فرصة سانحة، ولهذا السبب يندفعون.