حسام عيد – محلل اقتصادي
لأسباب عديدة لا تمتلك الأعمال التجارية الاسكتلندية، صوتًا حقيقيًّا في أفريقيا في الوقت الحالي، ورجال الأعمال والمستثمرون يواجهون مخاطر فقدان إحدى قصص النمو الأكثر إثارة في العالم.
فهناك فرص واعدة وأعمال أفريقية كبيرة يجب أن تُستغل وتتدفق في المجالات والقطاعات التي تنفرد الشركات الاسكتلندية بريادتها على مستوى العالم؛ مثل النفط والغاز، الطاقة المتجددة، البنية التحتية، الزراعة، الاقتصاد الأزرق، التكنولوجيا الفائقة، الصحة والتعليم.
لكن الآن، يبدو أن آفاق المستقبل تحمل انتعاشة وطفرة غير مسبوقة، فبعد الإعلان عن صفقات بقيمة 8.5 مليار دولار في قمة الاستثمار البريطانية-الأفريقية التي احتضنتها لندن في شهر يناير 2020، أفصح رجال الأعمال الاسكتلنديون المهتمون بأفريقيا عن تطلعاتهم الحثيثة إلى تعميق العلاقات مع القارة السمراء بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وكانت اسكتلندا -وهي بلد في المملكة المتحدة لديه أنظمة قانونية وتعليمية خاصة بها وحكومة ذاتية- شريكًا رئيسيًّا في مجموعة من الترتيبات التجارية البريطانية مع الدول الأفريقية والكتل الاقتصادية بموجب شروط عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وسوف تستمر هذه الصفقات حتى نهاية الفترة الانتقالية التي تنتهي في 31 ديسمبر 2020.
واليوم، تتفاوض وزارة التجارة الدولية بالمملكة المتحدة مع نظرائها الأفارقة لترجمة هذه الصفقات إلى اتفاقيات ثنائية تدخل حيز التنفيذ في بداية عام 2021.
ونظرًا لأن الحكومة -التي تتخذ من إدنبره مقرًّا لها- تركز على الأولويات التجارية الأخرى، فقد تم إنشاء جمعية الأعمال الاسكتلندية-الأفريقية (SABA) في عام 2019 لمساعدة الشركات الاسكتلندية والحكومات الأفريقية على استكشاف مجالات ذات منفعة متبادلة، ومن ثم تسهيل القيام بالأعمال التجارية بين أفريقيا واسكتلندا، وخلق فرص أكثر تنافسية للتصدير.
شركاء غير محتملين في الماضي
في حين أن هناك روابط قوية بين أفريقيا واسكتلندا، هناك العديد من العقبات التي عرقلت العلاقات التجارية العميقة في الماضي.
أولًا، أفريقيا ليست أولوية تجارية عليا للحكومة الاسكتلندية. لكن أُعدت سياسة تجارية جديدة تهدف إلى تعزيز الصادرات الاسكتلندية إلى نيجيريا باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة من بين 26 دولة أخرى يتم استهدافها خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتغطي هذه البلدان 80% من صادرات اسكتلندا الدولية الحالية وتستهدف أوروبا وأمريكا الشمالية ومجموعة من البلدان الكبيرة الأخرى معظمها المتقدمة؛ مثل اليابان وأستراليا والصين والهند والبرازيل وكوريا.
ونتيجة لذلك، فإن التمثيل عبر القارة السمراء محدود؛ فوكالة التنمية الاسكتلندية الدولية (SDI)، لديها مكتب واحد فقط في أفريقيا في غانا، رغم أن حكومة المملكة المتحدة كان لديها 31 سفارة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 2017، وتأمل اليوم أن تكون أكبر مستثمر لمجموعة السبع في المنطقة بحلول عام 2022.
وعلى الرغم من أن اسكتلندا يجب أن تستفيد من إمكانات المملكة المتحدة، إلا أن وزارة خارجية المملكة المتحدة -التي يوجد مقرها في لندن- لديها معرفة محدودة بالقدرات الاسكتلندية، كما يقول جون باترسون المدير التنفيذي لجمعية الأعمال الاسكتلندية-الأفريقية.
فهذا التمثيل الحكومي المحدود أدى في نهاية المطاف إلى تعاون لندن وإدنبره في إنشاء تلك الجمعية، مع تصاعد الحاجة الملحة لروابط أكبر وأوثق مع أفريقيا.
ويقول المدير التنفيذي السابق للنفط والغاز: “لدينا 17 دولة أفريقية ترغب في القدوم إلى اسكتلندا هذا العام، إما ككيانات حكومية أو كقطاع خاص”.
العلاقات التاريخية ركيزة لبناء تعاون تجاري
في عام 2018، استضافت جمعية الأعمال الاسكتلندية-الأفريقية حدثًا استمر ثلاثة أيام في إدنبره حضره أكثر من 100 شركة اسكتلندية ووفد تجاري من جميع أنحاء أفريقيا.
ومنذ ذلك الحين، استكشفت الجمعية الاسكتلندية-الأفريقية الفرص في تونس، غانا، ناميبيا، سيراليون، موزمبيق، تنزانيا، مصر، أوغندا.
أما الدولة الأفريقية الرائدة للتعاون مع اسكتلندا، فهي كينيا؛ حيث وطنت الجمعية هناك الخبرات الاسكتلندية في مجالات الزراعة والزراعة والتعليم بمساعدة المفوضية العليا في كينيا بلندن.
وبدوره، يقول جون باترسون، المدير التنفيذي للجمعية: إن الشركاء الاسكتلنديين مناسبون للحكومات الأفريقية بسبب التاريخ المشترك.
وتتمتع اسكتلندا بتراث طويل في أفريقيا، لكنه ليس معظمه إيجابيًّا بشكل واضح، وليس معظمه أيضًا مرتبطًا بالمستشكف الاسكتلندي لوسط أفريقيا، ديفيد ليفينغستون.
تاريخيًّا، كانت اسكتلندا أكثر مشاركة في التعليم والرعاية الصحية بسبب المبشرين المسيحيين في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويقال: إن القماش التقليدي لقبيلة الماساي في كينيا وتنزانيا مستوحى من الترتان الاسكتلندي، وهو ما يوضح تأثير اسكتلندا.
وتأمل جمعية الأعمال الاسكتلندية-الأفريقية (SABA) في الاستفادة من هذه الروابط العميقة الجذور وكذلك النجاح التجاري للشركات الاسكتلندية مثل أجريكو Aggreko في أفريقيا، وهي شركة رائدة عالميًّا في مجال تأجير الطاقة والتدفئة والتبريد.
وتعول الجمعية على دعم مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة الذين يتطلعون إلى تعميق العلاقات التجارية بين اسكتلندا وأفريقيا، وتقوم الآن بجمع التمويل والتبرعات لنقل العمليات إلى المستوى التالي من خلال استقطاب أرباب أعمال ومستثمرين.
ويقول باترسون: “لدينا قائمة انتظار من الأشخاص الذين يرغبون في ترتيب الأحداث إما الخروج إلى أفريقيا أو المجيء إلى اسكتلندا؛ فمشكلتنا ليست قلة الطلب، إنما هي نقص الموارد اللازمة لتلبية الطلب”.
وختامًا يمكن القول: إن البلدان الأفريقية كانت تشعر في الماضي أن المملكة المتحدة مجزأة للغاية، بحيث لا تسمح بخلق فرص أو بناء علاقات مرنة مع شركاء تجاريين محتملين، وربما تكون الشركات الاسكتلندية قد تبنت وجهة نظر مفادها أنه من الصعب تحديد الفرص المتاحة في القارة.
واليوم تقوم جمعية الأعمال الاسكتلندية-الأفريقية؛ بإنشاء نموذج تجاري جديد يساعد في تقديم فوائد تجارية ملموسة لكلا الجانبين، من خلال تحديد فرص محددة وتحويلها لاستثمارات رائجة.