أماني ربيع

في يناير 2022، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية عملة معدنية من فئة 25 سنتاً أو ربع دولار، تحمل صورة الشاعرة الراحلة مايا أنجيلو، التي توفيت عام 2014 عن عمر ناهز 86 عاما، في تكريم لدورها الرائد في تاريخ البلاد.

لم تكن مايا أنجيلو، الشاعرة الأمريكية من أصول أفريقية، رائدة في الشعر والأدب فحسب، فهي واحدة من أيقونات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وخلال عملها كناشطة في هذا المجال، تعاونت مع عدة رواد ومؤثرين مشهورين منهم: مارتن لوثر كينج جونيور ومالكولم إكس.

امرأة متعددة المواهب

تعد أنجيلو أول امرأة من ذوي البشرة السمراء تكتب قصيدة وتؤديها في حفلة تنصيب لرئيس أمريكي، وهي قصيدة ” على نبض الصباح” أو “On the Pulse of Morning” التي ألقتها في حفل تنصيب الرئيس بيل كلينتون عام 1993.

أنجيلو كانت سيدة متعددة المواهب، اشتهرت كشاعرة وأديبة، وأيضا، ممثلة ومغنية، وتعد مذكراتها الصادرة عام 1969 بعنوان “أعرف لماذا يغرد الطائر الحبيس” حدثا فريدا في تاريخ الأدب الأمريكي، فهو أول كتاب واقعي لامرأة سوداء تضمنته قوائم الكتب الأكثر مبيعا.

خلال مسيرتها كممثلة ومغنية، رُشحت أنجيلو لجوائز مرموقة منها توني وإيمي عن أعمالها المسرحية أو على الشاشة، منها دورها في المسلسل الأمريكي الشهير “جذور”، وفي عام 1972، كانت أول امرأة سوداء تتحول مسرحيتها إلى فيلم على الشاشة.

طفولة صعبة

ولدت مايا أنجيلو مارجريت آن جونسون في 4 أبريل 1928 في سانت لويس، كانت طفولتها صعبة، فقد انفصل والداها وهي في سن صغيرة جدًا، وتم إرسالها هي وشقيقها الأكبر بيلي للعيش مع جدتهما لأبيهما، آن هندرسون، في أركنساس، كان بيلي يدلل مارجريت باسم “مايا” الذي أحبته كثيرا، واتخذته كاسم  لها فيما بعد.

وباعتبارها أمريكية من أصل أفريقي، عانت أنجيلو بشكل مباشر من العنصرية والتمييز في أركنساس، كما عانت من العنف في المنزل عندما كانت في السابعة من عمرها تقريبًا،وأثناء زيارتها لوالدتها، تعرضت مايا للاغتصاب من قبل صديق والدتها، وفي إثر هذه التجربة المؤلمة أصيبت بصدمة شديدة لدرجة أنها توقفت عن الحديث، وبعد عودتها إلى أركنساس وظلت نحو 5 سنوات صامتة تماما.

وفي عام 1944، وهي بعد، مراهقة تبلغ من العمر 16 عامًا، أنجبت ابنها، جاي جونسون، بعد علاقة قصيرة الأمد خلال المرحلة الثانوية، وبعد الولادة، اضطرت للعمل في عدد من الوظائف لإعالة نفسها وطفلها، وفي نفس الفترة تقريبا، انتقلت مايا إلى سان فرانسيسكو وحصلت على منحة لدراسة الرقص والتمثيل بكاليفورنيا، كما أصبحت أيضًا أول قائدة عربة تلفريك سوداء، وهي الوظيفة التي شغلتها لفترة وجيزة فقط في سان فرانسيسكو.

ممثلة مسرحية وناشطة

في منتصف الخمسينيات، بدأ العالم يعرف مايا أنجيلو، وهو اسمها المهني المقتبس من الاسم الأخير لزوجها الأول، عندما انطلقت مسيرتها المهنية كممثلة ومغنية، حصلت على دور في عمل لأحد الفرق المتجولة، ثم ظهرت لاحقا، في مسرحية خارج برودواي بعنوان  “Calypso Heat Wave” عام 1957، وأصدرت ألبومها الأول “Miss Calypso” في نفس العام.

باعتبارها عضوًا في رابطة كتاب هارلم وناشطة في مجال الحقوق المدنية، نظمت أنجيلو ولعبت دور البطولة في المسرحية الموسيقية “ملهى من أجل الحرية” لصالح مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية، الذي ساعد مارتن لوثر كينج جونيور في تأسيسه قبل أن يصبح أول رئيس له، عملت أنجيلو أيضًا كمنسق شمالي للتنظيم وأصبحت قريبة من كينج.

في عام 1961، ظهرت أنجيلو في إنتاج خارج برودواي لمسرحية “The Blacks” للمخرج جان جينيه مع جيمس إيرل جونز، ولو جوسيت جونيور، وسيسيلي تايسون. بعد ذلك، انسحبت من المشهد المسرحي في معظم فترة الستينيات، وعاشت في الخارج، أولاً في مصر ثم في غانا، وعملت كمحررة وكاتبة مستقلة، كما شغلت أنجيلو أيضًا منصبًا في جامعة غانا لبعض الوقت.

وفي غانا، انضمت أيضًا إلى مجتمع “العائدين الثوريين” الذين يستكشفون الوحدة الأفريقية وأصبحت قريبة من الناشط والزعيم القومي الأسود مالكولم إكس، وفي عام 1964، عند عودتها إلى الولايات المتحدة، ساعدت أنجيلو مالكولم إكس في إنشاء منظمة الأفريقيين الوحدة الأمريكية، والتي تم حلها بعد اغتياله في العام التالي.

عند عودتها إلى الولايات المتحدة، حصلت أنجيلو على ترشيح لجائزة توني عن دورها في مسرحية “انظر بعيدًا” عام 1973 وترشيح لجائزة إيمي عن دور جدة كونتا كينتي  في المسلسل التلفزيوني “جذور” عام 1977، من بين جوائز أخرى.

قصائد نضالية

واحدة من أشهر أعمال أنجيلو الشعرية هي قصيدة “على نبض الصباح” التي ألقتها في حفل تنصيب الرئيس بيل كلينتون في يناير 1993،  وكان تلاوتها في الحفل، جعلتها أول قراءة قصيدة افتتاحية منذ عام 1961، عندما ألقى روبرت فروست قصيدة “الهدية الصريحة”، في حفل تنصيب جون إف كينيدي، وفازت أنجيلو بجائزة جرامي الموسيقية المرموقة لأفضل ألبوم للكلمات المنطوقة عن النسخة الصوتية من القصيدة.

تشمل قصائد أنجيلو الأخرى الشهيرة “لقد انتهى يومه”، وهي قصيدة تحية كتبتها أنجيلو عام 1962 لنيلسون مانديلا أثناء قيامه برحلته السرية من أفريقيا إلى لندن، و”السلام المذهل” التي كتبتها عام 2005 للبيت الأبيض.

أعرف لماذا يغني الطائر في قفص!

بالإضافة إلى دواوينها الشعرية، كتبت أنجيلو أيضًا العديد من المذكرات وحتى كتب الطبخ، وفازت بجائزتي NAACP للصور في فئة العمل الأدبي المتميز عن كتاب الطبخ لعام 2005 و”رسالة إلى ابنتي” لعام 2008.

في عام 1969، حثها صديقها وزميلها الكاتب جيمس بالدوين على الكتابة عن تجارب حياتها، وأثمر ذلك مذكراتها الناجحة للغاية “أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس، الذي تضمن ذكرياتها عن طفولتها وسنوات شبابها، وجعلت هذه القصة المؤثرة أنجيلو في مصاف الأدباء المشهورين، وهو أول كتاب واقعي ضمن أكثر الكتب مبيعًا لامرأة سوداء، ولا يزال الكتاب، الذي جعل أنجيلو نجمة عالمية، أكثر أعمال سيرتها الذاتية شهرة.

في عام 1974، أصدرت أنجيلو جزءًا جديدًا من مذكراتها “أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس”، غطى هذا الجزء حياتها كأم مراهقة عاطلة عن العمل في كاليفورنيا، عندما تحولت إلى المخدرات وحياة الليل، ثم نشرت في عام 1976 Singin’ and Swingin’ and Gettin’ Merry Like Christmas، وهي كتاب سيرة ذاتية تحدثت خلاله عن بدايات مسيرتها المهنية كمغنية وممثلة.

أغنية صعدت إلى السماء

وفي عام 1981، كتبت “قلب امرأة” وهي المذكرات التي تناولت انتقالها إلى نيويورك ومشاركتها في حركة الحقوق المدنية.

وعن سنواتها في غانا” كتبت كتاب السيرة الذاتية “All God’s Children Need Traveling Shoes”، الذي نُشر عام 1986، والذي جعلتنا نستكشف من خلاله عما يعنيه أن تكون أمريكيا من أصل أفريقي في أفريقيا.

من أعمال السيرة الذاتية الأخرى لها كتاب “A Song Flung Up to Heaven” الذي صدر عام 2002، وتضمن مذكراتها عن عودتها من أفريقيا لأمريكا، وكفاحها خلال فترة الاغتيالات الوحشية لاثنين من قادة الحقوق المدنية الذين عملت معهم: مالكولم إكس ومارتن لوثر كينج جونيور، وتنتهي المذكرات مع بداية عمل أنجيلو العمل على “أعرف لماذا يغني الطائر الحبيس”.

كان كينج قد قُتل في عيد ميلاد أنجيلو الأربعين، مما دفع الكاتبة إلى التوقف عن الاحتفال بعيد ميلادها لسنوات بعد ذلك، وظلت تُرسل الزهور إلى أرملة كينج، كوريتا سكوت كينج، لأكثر من 30 عامًا، حتى وفاة كوريتا في عام 2006.

في عام 2013، أصدرت أنجيلو مذكراتها “أمي وأنا وأمي” التي ناقشت خلالها علاقتها المعقدة مع والدتها التي تخلت عنها في طفولتها.

ومن الكتب الملهمة لأنجيلو “رسالة إلى ابنتي”، وهو كتاب مخصص لابنة لم تنجبها أنجيلو أبدا، ويتضمن نصائح من الكاتبة للشابات حول عيش حياة لها قيمة ومعنى، بينما اهتمت كتب الطبخ التي أصدرتها الأطعمة الصحية ومنها كتب: “طاولة الترحيب: ذكريات مدى الحياة مع وصفات” عام 2005 و”طعام رائع طوال اليوم” عام 2010.

جوائز لتكريم مسيرة ملهمة

على الصعيدين الوطني والدولي، كرمت العديد من المنظمات أنجيلو لمساهماتها في الأدب، وفي عام 1981، منحت جامعة ويك فورست لأنجيلو منصب أستاذية رينولدز للدراسات الأمريكية، ومنحها الرئيس كلينتون الوسام الوطني للفنون في عام 2000.

 وفي عام 2010، منح الرئيس باراك أوباما أنجيلو وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى وسام مدني في البلاد، تقديرًا لمسيرتها الملهمة في مجال الفنون.

وفي عام 2013، حصلت على الجائزة الأدبية من مؤسسة الكتاب الوطنية عن الخدمة المتميزة للمجتمع الأدبي الأمريكي، كما ألقت أنجيلو العديد من خطابات التخرج وحصلت على أكثر من 30 درجة فخرية في حياتها.

توفيت أنجيلو في 28 مايو 2014. وأقيمت العديد من النصب التذكارية لتكريم إرثها، وأصدرت خدمة البريد الأمريكية طابعًا يحمل صورتها في عام 2015.