كتب – حسام عيد

ليست أوروبا وحدها التي تترقب بحذر شديد تطورات الصراع الروسي-الأوكراني، فقارات العالم ستطالها التداعيات حال بلوغ الصراع حد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، والذي بدأت ملامحه تبدو جلية بأفق المشهد المضطرب، خاصة مع حشد روسيا لأكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، وكذلك اختبارها لقاذفات صواريخ.

وقوع الغزو ينذر بتداعيات متشعبة، السلبية منها هي الأبرز، والأمن الغذائي العالمي بمقدمتها، فهناك بلدان أفريقية تعتمد بشكل رئيسي على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، مثل مصر بنحو 85%، وليبيا التي توفر نحو 43% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا. أما التداعيات الإيجابية، تتمثل في اتجاه الدول الأوروبية إلى أفريقيا لسد احتياجاتهم من النفط الذي يشهد قفزات غير مسبوقة في أسعاره بلغت حد تجاوز الـ96 دولارًا للبرميل الواحد (96.42 دولارًا للبرميل خلال يوم الإثنين 14 فبراير 2022 وهو الأعلى منذ سبتمبر 2014)، وكذلك الغاز، كون بلدان أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي المتدفق من روسيا، لكن الأمر هنا يحمل طابع المخاطرة بالعلاقات مع موسكو، فبعض الدول الأفريقية تجمعها شراكات وصداقة مع روسيا.

إمدادات القمح لمصر.. التحوط والبدائل

تعتبر روسيا وأوكرانيا لاعبين رئيسيين في سوق الحبوب العالمي، حيث شكلت صادراتهما من القمح 23% من التجارة العالمية في عام 2021-2022، وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية.

ويحذر الخبراء من أن الأزمة الأوكرانية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية، مما سيزيد من الأعباء المالية على مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم.

واستوردت مصر عام 2020 نحو 12.9 مليون طن قمح بتكلفة 3.2 مليار دولار، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

من جانبه، قال حسين أبو صدام، رئيس اتحاد المزارعين المصري، “حتى الآن، لا يوجد تأثير على واردات القمح من أوكرانيا وروسيا إلى مصر”. وأضاف “لكن إذا استمرت الأزمة في التصاعد فإنها ستؤثر سلبًا على مصر، خاصة وأن كلاً من روسيا وأوكرانيا هما أكبر موردي القمح في البلاد”، كما أفاد موقع “المونيتور” الأمريكي في تقرير له نُشر بتاريخ 4 فبراير 2022.

وتُغطي صادرات القمح من كل من روسيا وأوكرانيا نحو 85% من طلب مصر على القمح. ففي عام 2020، كانت مصر أكبر مستهلك للقمح الأوكراني، حيث استوردت أكثر من 3 ملايين طن، أي نحو 14% من إجمالي إنتاج القمح الأوكراني. كما اشترت مصر 8.9 مليون طن قمح من روسيا عام 2020.

ومن المتوقع أن يصل استهلاك مصر من القمح لعام 2021-22 إلى 21.3 مليون طن، بزيادة قدرها 2.4% تقريبًا عن عام 2020-2021، وفقًا لبيانات خدمة الزراعة الخارجية الأمريكية.

وقال أبوصدام: إن مصر لن تشعر بتأثير الأزمة الأوكرانية في المستقبل القريب حيث تستعد البلاد لحصاد إنتاجها من القمح في أبريل من العام الجاري. وأشار إلى أن “المحصول المحلي يزوّد مصر بنحو 9 ملايين طن من القمح، وهو ما يمثل نحو نصف احتياجات البلاد من القمح”.

وأدى التوتر الروسي الأوكراني بالفعل إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية، حيث ارتفعت بنسبة 7% في بورصة شيكاغو التجارية خلال الأسبوعين الماضيين. وفي أوروبا، ارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة 6% تقريبًا.

وقال أبو صدام: “اضطرت الحكومة المصرية إلى زيادة سعر القمح للمزارعين المحليين بمقدار 95 جنيهًا (6 دولارات) للبوشل بسبب ارتفاع أسعار القمح العالمية”.

وكان وزير المالية المصري محمد معيط أعلن في 25 يناير 2022 أن الخزانة العامة المصرية قد تكبدت نحو 12 مليار جنيه (762.3 مليون دولار) من المخصصات الإضافية لشراء القمح بسبب ارتفاع أسعار القمح العالمية.

وربما تتجه لشراء القمح من أسواق بديلة، تتمثل في دول أوروبا والولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية، لكن أسعار القمح من هناك أعلى من سعر القمح الأوكراني والروسي.

وبدورها، خففت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية من المخاوف بشأن أي تعطل لإمدادات القمح لمصر، قائلة في الأسبوع الأخير من يناير الماضي، إن مخزون القمح في البلاد يكفي لأكثر من 5.4 شهر.

وقالت الوزارة إنها تبذل قصارى جهدها لتأمين احتياجات مصر من القمح سواء من خلال المزارعين المحليين أو من خلال الواردات عبر المناقصات الدولية.

وفي أحدث مناقصة في مصر، التي جرت يوم 28 يناير الماضي، دفعت 350 دولارًا للطن، أي 100 دولار أكثر مما كانت قد وضعته في الميزانية. وبهذا السعر ستدفع مصر 1.5 مليار دولار إضافية (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي) هذا العام للقمح.

فيما أفاد وزير التموين المصري علي المصيلحي في تصريحات له يوم الأحد الموافق 13 فبراير 2022، بأن توتر الأوضاع بين روسيا وأوكرانيا، وهما أكبر دولتين مصدرتين للقمح في العالم، يزيد حالة عدم اليقين في السوق، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل حاليًا على عدة إجراءات وقائية. وقد تم تشكيل لجنة في وزارة المالية لدراسة سياسات التحوط وسيتم استكمال المناقشات مع بداية الشهر المقبل بحيث يتم بحث جدوى هذا الإجراء من عدمه.

وذكر المصليحي أن الحكومة عملت على تنويع مصادر استيراد القمح في مسعى لتأمين احتياطياتها الاستراتيجية. كما أضاف أن الدراسات في ما يتعلق بالتحوط من تقلبات أسواق القمح لا تزال جارية، حسب تصريحات نقلتها “وكالة أنباء الشرق الأوسط”.

الغاز الجزائري.. والمخاطرة بالعلاقات الروسية

ومع تصاعد الحديث عن غزو روسي لأوكرانيا وإعلان الولايات المتحدة بأن الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية أصبح وشيكًا، قفزت العقود الآجلة للغاز في أوروبا، يوم الإثنين الموافق 14 فبراير 2022، بنسبة 13.7% فوق مستوى 1000 دولار لكل ألف متر مكعب.

وأظهرت التداولات أن سعر العقود الآجلة لشهر مارس في مركز TTF -المرجع الرئيسي لتجارة الغاز الطبيعي في منطقة شمال غرب أوروبا- في هولندا ارتفع إلى مستوى 1031.8 دولار لكل ألف متر مكعب.

وترسل روسيا ما يقدر بنحو 230 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا كل يوم، ويذهب حوالي ثلثها غربا عبر أوكرانيا. وتصدر روسيا غازها إلى القارة بشكل رئيس عبر خط أنابيب يامال – أوروبا، الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا، وخطوط أنابيب نورد ستريم (تيار الشمال) الذي يوصل الغاز الروسي إلى منطقة بحر البلطيق عبر أوكرانيا.

ويثير الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، والعقوبات الأوروبية ضد الغاز الروسي، واحتمال إيقاف روسيا تدفق الغاز إلى أوروبا، مخاوف جديدة حول أمن الطاقة في القارة العجوز في وقت تشهد فيه المنطقة أزمة حادة في مجال الطاقة.

وحول البدائل المتاحة أمام أوروبا في حال تصاعد التوتر مع روسيا، قد تكون الجزائر بديلًا مناسبًا لتوفير الغاز للقارة العجوز، بحسب تقرير وكالة لوكالة “بلومبيرج” نُشر في 3 فبراير 2022.

وتستطيع الجزائر، المورد الرئيسي للغاز إلى إيطاليا وإسبانيا وأكبر مصدر للطاقة للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، أن توفر حلًا لهذه الأزمة، بحسب الوكالة.

وأكدت الوكالة أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة خزائن الجزائر وتمنحها نفوذًا دبلوماسيًا في أوروبا، لكنها قد تؤدي أيضًا إلى اضطراب العلاقات المتنامية مع روسيا.

وقال سيريل ويدرسهوفن، محلل الطاقة ومؤسس شركة استشارات المخاطر “Verocy”، إنه “موقف صعب” بالنسبة للجزائر. وأكد أنه إذا أرادت أن تظل مصدرًا رئيسيًا للطاقة، فإن مساعدة أوروبا “أمر منطقي”، لكن هذا يخاطر بتقويض خطط إقامة علاقة أعمق مع موسكو.

في سبتمبر الماضي، تعهدت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم، والجزائر بالعمل معًا على إنتاج ونقل الغاز. ووصفت صحيفة “المجاهد” الجزائرية الحكومية الاجتماع بأنه “شراكة بين عملاقين”.

وأعلنت شركة سوناطراك في 2 فبراير 2022، أن حقل العسل للغاز، مشروعها المشترك بحوض بركين مع غازبروم، سيبدأ الإنتاج في عام 2025.

وتأتي الأزمة الأوروبية في الوقت الذي تشهد فيه صناعة النفط والغاز الجزائرية، التي كانت ذات يوم مصدر دخل موثوق سمح للبلد الذي يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة بدعم الغذاء والوقود وكبح المعارضة السياسية، تقلبات شديدة، بحسب بلومبيرج”.

وأدى انهيار أسعار النفط في عام 2014 إلى تراجع الدخل المحلي للجزائر، حيث لعبت الأزمة الاقتصادية دورًا في إطلاق حركة احتجاجية جماهيرية أجبرت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على تخليه عن الحكم في عام 2019.

وسجل إنتاج الجزائر من الغاز أدنى مستوياته منذ عشر سنوات على الأقل في 2019، بحسب منتدى الدول المصدرة للغاز.

وقال ويدرسهوفن: إن الجزائر يمكنها زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، لكن الكميات المتاحة لن تقترب من سد الفجوة الناجمة عن توقف الإمدادات الروسية.

في أواخر أكتوبر، أغلقت الجزائر خط أنابيب غاز رئيسي إلى إسبانيا كان يمر عبر المغرب بعد تصاعد الخلاف مع المملكة المجاورة في شمال أفريقيا حول علاقاتها مع إسرائيل وعلى الأراضي المتنازع عليها في الصحراء الغربية. ومع ذلك، تمكنت الجزائر من الحفاظ على استقرار الإمدادات إلى إسبانيا عبر طرق أخرى.

كما أدى الخلاف إلى قطع الغاز الجزائري الذي كان يستقبله المغرب، مما قد يؤدي إلى توفير نحو مليار متر مكعب سنويًّا.