كتبت – أسماء حمدي

في أوغندا، الدولة الواقعة في شرق القارة السمراء، ينظر الناس للأشخاص المصابون بمرض البهاق على أنهم “ملعونون”، هكذا بدأ مارتن سينكوبوج الفنان الأوغندي حديثه، والذي يهدف فنه إلى جعل مصابي البهاق فخورين ببشرتهم.

احتضان البهاق

في معرض فني في كمبالا في عام 2019، كان أول ما لفت انتباه مارتن سينكوبوج إلى مرض البهاق، هو حديث مع إحدى المعجبات بمايكل جاكسون، عندما اتهم سينكوبوج نجم البوب بتبييض بشرته، لكن إحدى السيدات قاطعته وأخبرته أن مايكل جاكسون كان يعاني من البهاق، وهي حالة يؤدي فيها نقص الميلانين إلى ظهور بقع بيضاء شاحبة على الجلد.

لم يسمع سينكوبوج، الشاب البالغ من العمر 22 عامًا، والذي كان يدرس الفنون الجميلة والتصميم في جامعة ماكيريري في ذلك الوقت، بالمرض، بعد ذلك حاول التعرف على هذا المرض لكنه صُدم لاكتشاف وصمة العار الاجتماعية التي تحيط بمرضى البهاق في أوغندا وعبر شرق إفريقيا، وكيفية علاج الأشخاص المصابين بهذه الحالة.

يقول سينكوبوجي في حديثه لصحيفة “الجارديان” البريطانية: “قال الناس إن الأشخاص المصابين بالبهاق قد تعرضوا للسب والسحر، وكان هناك الكثير من الخرافات والمعلومات المضللة المحيطة بهم، وهو أمر غير عادل”.

قرر سينكوبوجي أنه سيستخدم فنه لتثقيف الناس حول البهاق، يقول: “بما أن الفن مرتبط بالجمال، قلت لنفسي إنني سأرسم صورًا ونماذج لأشخاص مصابين بالبهاق لاحتضانهم ودمجهم في المجتمع ولتغيير وصمة العار هذه”.

الشفاء يبدأ من الداخل

بدأ الفنان الشاب في التواصل مع الأشخاص المصابون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقترحًا رسم صورهم، يتذكر سينكوبوجي قائلاً: “لم يكن الأمر سهلا، في البداية حصلت على حوالي 60 جهة اتصال، لكن ثلاثة فقط حضروا لالتقاط الصور”.

يضيف: “لكنني لم استسلم، بدأت بتشجيع تلك النماذج الثلاثة لمحاولة إقناع الآخرين بالمشاركة في حملتي، وأخبرتهم بنواياي، وأردت منهم أن يقفوا شامخين ويفخروا بمن هم، أخبرتهم أن الفن جميل وأن الشفاء يبدأ من الداخل”.

تمكن سينكوبوجي من الحصول على منحة صغيرة قدرها 2 مليون شلن أوغندي (حوالي 560 دولارًا أمريكيًا) من الجمعية الثقافية الألمانية الأوغندية غير الربحية لإقامة معرض.

 في يوليو الماضي، تم افتتاح المعرض في كمبالا، يقول سينكوبوجي: “كان ذلك مُرضيًا للغاية، على الرغم من جميع القيود المتعلقة بـجائحة كورونا، لكن قد حضر العديد من الأشخاص، وأنا متأكد من أن أولئك الذين حضروا المعرض يعرفون الآن شيئًا عن مرض البهاق”.

يقول الشاب: “إن المصابين بالبهاق “جميلون بالفعل”، نريدهم فقط أن يصدقوا ذلك”، مشيرا إلى أنه يخطط الآن لالتقاط صوره ونشر حملته عبر شرق إفريقيا.

ليس معديا

يُقدر أن 1٪ من سكان العالم مصابون بالبهاق، وهو ليس معديًا ويمكن أن يكون وراثيًا أو ناجمًا عن أحد أمراض المناعة الذاتية أو ناتجًا عن حدث مرهق أو تلف شديد في الجلد أو التعرض لمواد كيميائية معينة، لكنه لا يحظى باهتمام كبير، لأنه يُنظر إليه على أنها حالة تجميلية وليست مهددة للحياة.

على الرغم من أنه لا يمكن علاجه، إلا أن هناك كريمات يمكن أن تساعد في تقليل ظهوره، هناك القليل جدًا من المعلومات للتعرف على مرض البهاق في أوغندا ولم يتم جمع أي أرقام رسمية عن عدد الحالات.

تقول باليندا موستي، 25 عامًا، والتي تقود جمعية لمرضى البهاق في أوغندا، والتي تضم 1000 عضو يعيشون مع هذه الحالة: “إن وصمة العار المحيطة بالمرض تجعل الكثير من الناس يحاولون إخفاءه”.

تضيف موتسي، الذي أصيبت بهذه الحالة عندما كانت في السابعة من عمرها: “نحن لا نرتاح حقًا حول الأشخاص الذين لا يعرفوننا، لذلك نقوم بارتداء الملابس التي تغطي بقية أجسامنا، ونغطي بشرتنا بالمكياج والنظارات”.

تشير موتسي إلى أن كثير من الناس هنا يرسلون الأشخاص المصابين بالبهاق إلى أطباء سحرة وغيرهم من المعالجين بالأعشاب الذين يزعمون أنهم يستطيعون علاج الحالة، تضيف موتسي: “عادة ما يقرأ الأطباء السحرة بعض السحر ويعطون المريض بعض الأشياء للشرب، وفي بعض الأحيان يقوم المعالجون بالأعشاب بدهان البشرة بأعشاب معينة، لكن عقاقيرهم لا تعمل أبدًا”.

أما إيف أتوكوندا، 31 عامًا، والتي شاركت بصورتها في المعرض، تعاني من البهاق منذ سن العاشرة، في البداية، طلب والداها المساعدة من المعالجين بالأعشاب المحليين وغيرهم من المعالجين التقليديين، لكن عندما لم يتمكن هؤلاء الأشخاص من المساعدة، لجأوا إلى الطب الحديث.

قد يصف أطباء الجلد المختلفون كريمات ومكملات مختلفة، لكنها تقول إن الأمر لم ينجح حقًا، وتضيف أتوكوندا: “أنه في حين أن الحالة ليست مؤلمة جسديًا، إلا أنها يمكن أن تؤذي المريض عقليًا ونفسيا”.

تقول: “حتى عندما يتطور المرض، لا نشعر بالألم، قد تستيقظ في يوم من الأيام وهناك بقعة على أي جزء من جسمك، التحدي الأكبر لمرضى البهاق هو أنه يمكن أن يكون مرهقا عاطفيا، إنه يؤثر على صحتك العقلية أكثر مما يؤثر على صحتك الجسدية، ويمكن أن تجعلك الحالة غير آمن وتقلل من ثقتك بنفسك إذا لم يكن لديك دعم اجتماعي”.

تضيف أتوكوندا: “هناك أشخاص مصابين بالبهاق لا يستطيعون مغادرة المنزل، لا يستطيعون النظر إلى أنفسهم في المرآة، كنت دائمًا فتاة واثقة من نفسي، حتى عندما أصبت بالبهاق، لكن عندما تم قبولي في الجامعة شعرت بالاختلاف، سيتحدث الطلاب وستعتقد أنهم يتحدثون عنك، ذات مرة كنت في سيارة أجرة وبدأ الركاب في الإدلاء بتعليقات مفادها أن والدي قد ضحا بي، فتركت السيارة”.

تأمل أتوكوندا بأن ترى المزيد من الوعي بمرض البهاق، قائلة: “في بعض القبائل، يعتقد الناس أن شخصًا مصابًا بالبهاق أكل حيوانًا معينًا، هذه الأساطير يجب أن تتوقف”.