كتبت – أماني ربيع

انتشرت مؤخرا، شائعات حول وجود الماس في إحدى قرى جنوب أفريقيا، واستشرت هذه الأنباء الزائفة كالنار في الهشيم من العالم الافتراضي لمواقع التواصل الاجتماعي، إلى العالم الفعلي حيث يقبع الآلاف من العاطلين عن العمل في دولة جنوب أفريقيا، ويسعون خلف أي بريق للأمل، مهما بدا غير معقول وزائف.

سعى الآلاف إلى القرية وسط مزاعم من الحكومة بأن الماس المكتشف هو من الكوارتز، لكن المواطنون اليائسون شعروا بالشك في تصريحات الحكومة، وأطلقوا فؤوسهم في الأرض بحماس كبير للعثور على طوق نجاة من الفقر.

رفع سبوسيسو موليفي الفأس عالياً فوق رأسه، ثم هوى بها واخترق التراب الأسود المتكتل حول قدميه، واستمر في الحفر بضربات أكثر قوة على حواف الفوهة الضحلة التي حفرها في أسفل منحدر التل، ثم بدأ في التقاط حفن من التراب وهزها بحثا عن بريق جوهرة، لم تجد طريقها إليه بعد.

بريق زائف

جذبت الشائعات القائلة بأن أحد الرعاة عثر على أحجار صافية تشبه الألماس في تربة منحدر عشبي مليء بالأشجار الشهر الماضي ، الآلاف من سكان جنوب إفريقيا إلى قرية كواهاتي الهادئة في مقاطعة كوازولو ناتال الشرقية حيث تتجول الماشية بحرية.

جاءوا بسيارات الأجرة، واستمروا في السفر لساعات، حالمين بتحول الحظ، في دولة تزداد فيها المعاناة مع البطالة إلى مستويات قياسية، خاصة مع جائحة كورونا التي ضربت النظام الاقتصادي الهش أصلا.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، لم تردع التصريحات عن زيف الأخبار والتشكك من وجود ألماس حقيقي هؤلاء القادمون عن أمالهم، في مقامرة على نصيبهم من الحظ، وهو ما يميز حمى البحث عن الماس أو الذهب، حيث مع كل محاولة للتراخي تنطلق شرارة المغامرة لتشحذ الحماس مجددا.

أسفرت أعمال الحفر المضنية التي استمرت يومين عن أربعة أحجار للسيد موليفي، 41 عامًا، الذي اعترف بأنه ليس لديه أدنى فكرة عما إذا كانت ألماسًا بالفعل.

قال: “أشعر باليأس”. “نحن فقط نأمل، إذا كانت ماسات حقيقية، فهذا يعني أني فزت”.

كانت كواهاتي، قرية نائمة منسية وهادئ يعيش فيها نحو 4000 آلاف أسرة، لكنها تغيرت تماما بعد حمى الماس المنتشرة، حيث كانت الماشية ترعى ذات في حقل الحفر، الذي يقع على أرض تقليدية يملكها الزعيم، وكان هذا الحقل، مغطى، حتى وقت قريب، بالعشب وأشجار الشوك، لكنه الآن يبدو أشبه بقمر مليء بالفوهات وتضاريس غائرة من الثقوب التي بلغ بعضها حجم حفر القبور.

أعرب زعيم القرية عن استيائه مما يفعله الحفارون بالأرض، لكنه رغم ذلك، لم يتدخل لمنعهم، فقد تفهم المحنة التي يمرون بها.

جاء السيد موليفي إلى كواهاتي، بعد أن قرأ على وسائل التواصل الاجتماعي عن اكتشاف الماس في هذا الحقل، على بعد أقل من ساعة من قريته، ساعتها، بدا أن الأمر يصعب تصديقه، لكنه شعر بأن عليه التحقق من ذلك.

بطالة وعجز

كان موليفي، بلا عمل منذ أكتوبر الماضي، عندما احترق مصنع النسيج حيث كان يعمل مشرفًا، ومع وصول بحثه عن وظيفة إلى طريق مسدود ، كان يعتمد على المنح الاجتماعية التي يبلغ مجموعها أقل من 1100 راند، نحو (77 دولارًا) في الشهر، أي ربع ما كان يجنيه في المصنع، وأصبحت المواد الغذائية الأساسية مثل لحم البقر والحليب والزبدة من الكماليات التي لم يعد يستطيع تحملها.

شعر بصعوبة في إعالة أطفاله الثلاثة، يقول: “يفترض أنني رجل المنزل، لكنني شعرت بأنني غير جدير بذلك وأقل منه.”

بلغ معدل البطالة في جنوب أفريقيا 32.6% ، وهو أعلى مستوى مسجل منذ أن بدأت الحكومة في إصدار تقارير القوى العاملة ربع السنوية في عام 2008.

ويزداد الوضع بشكل أكثر خطورة بين الشباب: حوالي ثلاثة من كل أربعة شباب في جنوب أفريقيا بلا عمل، وهي نسبة مخيفة.

تُترجم هذه الإحصائيات ما يحدث الآن، فالجميع يبحث عن أي شئ حتى لو كانت وظائف خطرة أو قاتلة، وهو ما يفسر سبب جاذبية الماس المزعوم في قرية كواهاتي.

وبعد ساعات من التنقيب بلا جدوى، يلتحف الباحثين عن الماس بطانياتهم، وينامون في الثقوب التي حفروها، يدور حولهم باعة البسكويت وحبوب الذرة الحلوة، و”الكوتا” وهو طعام شائع في جنوب أفريقيا من الخبز الأبيض والبطاطا المقلية والبولونيا، بينما تنطلق الموسيقى من السيارات، وعليها يدور النقاش حول أحلام جني الأموال مما سيكتشفونه في الماس، يبدو كمن يستغرق في أحلام اليقظة التي تنسيه همومه ومتاعبه.

في حين كانت الصعوبات الاقتصادية هي التي جلبت الكثيرين إلى هذا المكان، إلا أن المشهد لا يزال يبدو وكأنه كرنفال كبير، هروب من اليأس، ومن سوق العمل القاسي، الناس تتجمهر لفحص الحجارة والاحتفال بما يكتشفونه.

لم يفرق البحث عن الحلم بين الرجل والمرأة، فباستطاعتك أن ترى النساء أيضا في محيط حقل الماس المزعوم في كواهاتي، تقول تشيبانج موليفي، 38 سنة ، بعد أن أخذت استراحة من الحفر، هذه فرصة للحلم.

وأضافت: “من النادر أن يشعر الناس بهذه السعادة، يبدو وكأنه عيد الميلاد”.

استغرقت رحلة تشيبانج إلى كواهتي نحو خمس ساعات بسيارة أجرة من جوهانسبرج وحفرت طوال الليل، ولا زالت تحفر دون يأس.

حكومة لا يصدقها أحد

بعد أيام قليلة من تدافع الناس على قرية كواهاتي، زار المسؤولون الموقع وأخذوا عينات للاختبار، طلب قادة الحكومة من الناس التوقف عن الحفر والمغادرة ، مشيرين إلى مخاوف من تحول المكان إلى بؤرة لتفشي فيروس كورونا، حيث تعاني جنوب أفريقيا من موجة ثالثة من الإصابات، التي ترتفع باضطراد.

وأوضح المسؤولون، أن الحفر غير الرسمي كان ضارًا بالبيئة، ودمر أراضي الرعي الحيوية.

لكن على الرغم من التحذيرات، استمر الناس في القدوم، ساخرين من نداءات المسؤولين الحكوميين، بعد أن سئموا من تاريخ الفساد والاستعمار الذي شهد قيام الكيانات الأجنبية باستخراج الموارد المعدنية المربحة من أراضيهم، بينما استفادة حفنة فقط من النخب في البلاد.

يقول لاكي خازي، 61 عاما، وهو يقف بجانب حفرة: “الحكومة لا تستطيع إخبارنا بما نفعل، هذه ارض أجدادنا”.

وأضاف: “هذه القطط السمينة، هؤلاء المحتالون القدامى، ماذا يفعلون؟ نسمع كل يوم عن الملايين المسروقة”.

خسر السيد خازي، في ديسمبر الماضي، وظيفته التي عمل فيها بجد لـ 26 عاما في إحدى شركة النقل، بسبب الوباء، وكانت مسألة حصوله على عمل آخر أمر مستبعد، فلا أحد يريد توظيف شخص في مثل عمره.

لا تزال الصيحات تدوي: “إنه الماس.. إنه الماس”، وبعد دقائق من الفحص، تتردد أصوات خافتة بخيبة أمل “إنها زائفة”، ورغم ذلك لا يموت الأمل في نفوس أصابها اليأس، ولم يعد لديها ما تخسره.