كتبت – أسماء حمدي

تهدد الحرب في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بزعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي منذ اندلاعها في نوفمبر، عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، الحرب على الحكومة الإقليمية، التي يسيطر عليها جبهة تحرير شعب تيجراي، الجبهة التي حكمت إثيوبيا لما يقرب من 30 عامًا.

وفي نوفمبر أعلن أبي النصر إثر السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي، لكن في يونيو اتّخذت الحرب منعطفا مفاجئا عندما استعادت قوات موالية لجبهة تحرير شعب تيجراي ميكيلي، وذلك بعد انسحاب الجيش الاتحادي وإعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد ومن دون شروط، والذي برره رسميا باعتبارات إنسانية، لكن الجبهة واصلت هجومها شرقا باتّجاه عفر وجنوبا باتّجاه أمهرة.

هذا الأسبوع، دعت الحكومة الإثيوبية جميع الإثيوبيين القادرين للانضمام إلى الجيش لوقف القوات المتمردة من منطقة تيجراي بشكل نهائي، في تخلٍّ واضح عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، بالإضافة إلى تعليقها عمل منظمات الإغاثة لمدة ثلاثة أشهر متهمة إياهما بنشر معلومات مضللة.

أبي يحثّ المدنيين على حمل السلاح

حثّ رئيس الوزراء الإثيوبي المدنيين على الانخراط في الجيش، والمشاركة في القتال ضد المتمردين في إقليم تيجراي، مطالبا كل الإثيوبيين القادرين، بـ«إظهار وطنيتهم»، من خلال المشاركة في الحرب التي تدور رحاها منذ نوفمبر.

وفي إشارة إلى مدى صعوبة الوضع العسكري، قال أبي أحمد “إن البلاد بأكملها يجب أن تقف خلف الجيش لهزيمة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، ونتوقّع مساهمة وسائل الإعلام والفنانين والناشطين في تعزيز دعم الشعب للبلد”.

وأضاف: “يجب على كل إثيوبي العمل بشكل وثيق مع الجيش، ليكونوا عيون وآذان البلد من أجل تعقب وكشف جواسيس وعملاء جبهة تحرير تيجراي الإرهابية”.

والأسبوع الماضي، قال قائد المتمردين، إن توغل مقاتليه في المناطق المجاورة كان يهدف إلى رفع الحصار الفيدرالي، الذي منع وصول المساعدات.

لكن بيان رئيس الوزراء اتهم المتمردين بوقف تدفق المساعدات، وعدم السماح للمزارعين بزراعة المحاصيل، قائلا: “لقد أصبح من الواضح أن مزارعي تيجراي لن يكونوا قادرين على الزراعة بأمان، ما لم ينفصل سكان تيجراي إلى الأبد عن الجماعة الإرهابية”.

أشار رئيس الوزراء الإثيوبي بأصابع الاتهام إلى بعض الأطراف في المجتمع الدولي، إذ ألقى باللوم عليهم في “مكائد دبرتها أيدٍ أجنبية” في الحرب، وقال إن بعضهم ضبطوا “متلبسين بدعم قوات تيجراي تحت ستار المساعدات الإنسانية”.

ويقول الخبراء، إنّ دعوة الإثيوبيين إلى حمل السلاح “موقف جريء”، لكنه يثير تساؤلات حول مبرراته، وحول القوة الفعليّة للجيش الإثيوبي.

 تعليق جمعيات الإغاثة

أوقفت الحكومة الإثيوبية عمل منظمتين دوليتين للمساعدات لمدة ثلاثة أشهر، بما في ذلك في منطقة تيجراي المنكوبة بالصراع ، متهمة إياهما بنشر معلومات مضللة.

واتهم Fact Check، وهو موقع إلكتروني تديره الحكومة يركز على تيجراي، منظمة أطباء بلا حدود (MSF) والمجلس النرويجي للاجئين (NRC) بانتهاك العديد من القواعد.

وأكدت المنظمتان الحظر وقالتا إنهما تجريان محادثات مع الحكومة بشأن استئناف عملهما.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود: إن “الحظر ينطبق على أنشطة القسم الهولندي في مناطق تيجراي وغامبيلا وأمهرة والصومال في إثيوبيا”، وأشارت إلى أن الوصول إلى الرعاية الصحية في هذه المناطق محدود بالفعل، وتأثير المزيد من التخفيض في الخدمات بسبب التعليق الإجباري سيكون له عواقب وخيمة على الأشخاص الذين نساعدهم، بما في ذلك المواطنين الإثيوبيين ومجتمعات اللاجئين التي تستضيفها إثيوبيا.

ووجهت الحكومة الإثيوبية إلى منظمة أطباء بلا حدود اتهامات باستيراد أجهزة راديو عبر الأقمار الصناعية بشكل غير قانوني، وإلى جانب المجلس النرويجي للاجئين، لجلب عمال أجانب دون التصاريح الصحيحة.

وفي حديثه في نهاية رحلته إلى إثيوبيا هذا الأسبوع، رفض أمين عام الأمم المتحدة للمساعدات، مارتن غريفيث، مزاعم الحكومة الإثيوبية بأن مجموعات الإغاثة متحيزة تجاه الفصائل السياسية التيجراي.

وقال: “الاتهامات الشاملة لعمال الإغاثة الإنسانية يجب أن تتوقف، إنهم بحاجة إلى دعم بالأدلة إذا كان هناك أي منها، وبصراحة، هذا أمر خطير”.

في يونيو، أوقفت منظمة أطباء بلا حدود العمل في أجزاء من تيجراي بعد مقتل ثلاثة من موظفيها في المنطقة، حيث تم العثور على جثثهم بالقرب من السيارة التي كانوا يستقلونها بعد يوم من اختفائهم.

وأشار غريفيث إلى  إن الوضع الإنساني في تيجراي قد تفاقم بسبب تعطل إمدادات الوقود والاتصالات والبنوك، مضيفا: “كان من المفجع أن نرى حجم الدمار والأسر التي، حتى يومنا هذا، ليس لديها مكان للعيش فيه أو طعام تضعه على مائدتها، نحن بحاجة إلى تغيير الظروف التي أدت إلى بطء حركة المساعدات – نحن بحاجة إلى وقف الصراع.”

وفي بيان بشأن تعليق برامج المساعدة التي يقدمها المجلس النرويجي للاجئين في إثيوبيا، قالت إنها ساعدت 585 ألف شخص في ست مناطق في البلاد في عام 2020، بينما قالت منظمة أطباء بلا حدود: إن فرق الرعاية الصحية التابعة لها قدمت 220 ألف استشارة العام الماضي.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود إنها اضطرت أيضا للانسحاب من المنطقة الشمالية الغربية من الكاميرون بعد أن علقت الحكومة عملياتها هناك قبل ثمانية أشهر، جاء التعليق في أعقاب مزاعم السلطات بأن منظمة أطباء بلا حدود تدعم الجماعات المسلحة الانفصالية التي تقاتل في المنطقة، وقد رفضت منظمة أطباء بلا حدود هذه المزاعم بشكل قاطع.

الاغتصاب كسلاح حرب

تشويه وعبودية وتعذيب للنساء والفتيات في الروايات التي نشرتها منظمة العفو الدولية، والتي تقول المنظمة إنه يمكن أن يرقى إلى جرائم الحرب.

وأفاد تقرير جديد صدر عن المنظمة، أن القوات الحكومية الإثيوبية تقوم بشكل منهجي باغتصاب وإساءة معاملة مئات النساء والفتيات في الصراع الحالي في تيجراي، إضافة إلى مجموعة متزايدة من الأدلة على استخدام الاغتصاب كسلاح حرب في المنطقة الشمالية من إثيوبيا.

يقدم التقرير  لمحة عن مدى الجرائم في منطقة تم فيها تقييد الاتصالات مع العالم الخارجي عمداً من قبل القوات الفيدرالية.

يفصل التقرير، الذي يستند إلى روايات 63 امرأة من تيجراي وأخصائيين طبيين، كيف تعرضت النساء بشكل روتيني للتشويه والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي وأشكال أخرى من التعذيب من قبل أفراد الجيش الإثيوبي؛ وقوات الدفاع الإريترية المتحالفة مع حكومة آبي أحمد.

تقول أنييس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: «إن شدة وحجم الجرائم الجنسية المرتكبة مروعة بشكل كبير، وتصل إلى حد جرائم الحرب والجرائم المحتملة ضد الإنسانية، ومن الواضح أن الاغتصاب والعنف الجنسي قد استُخدما كسلاح حرب لإلحاق أضرار جسدية ونفسية دائمة بالنساء والفتيات في تيجراي”.

وأكدت كالامارد تعرض المئات لمعاملة وحشية استهدفت إهانتهم وتجريدهم من إنسانيتهم، مطالبة الحكومة الإثيوبية باتخاذ إجراءات فورية ودعت الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى إنهاء الصراع.

وأضافت أنه يجب السماح للجماعات الحقوقية ومنظمات الإغاثة، التي تم تقييد أنشطتها، بالدخول.