كتبت – أماني ربيع

يقدم مسلسل «The Underground Railroad»، قصة عن الرق واستعباد الإنسان جسديًّا، بينما الروح تناضل لاستعادة الحرية، نرى على الشاشة مزيجًا من الهشاشة والقوة، الهزيمة والتحدي، وتمردًا شرسًا على واقع أليم.

يصطحبنا المخرج الجنوب أفريقي باري جانكيز، في عمله المأخوذ رواية «The Underground Railroad»، لكولسون وايتهيد الحائزة على جائزة بوليتزر، في رحلة مع كورا الفتاة السوداء التي تهرب من الرق، وتصطحبنا معها في رحلتها من أجل البقاء والحرية.

الهروب إلى الحرية

الرواية الأصلية قاتمة ووحشية، وكان هناك اهتمام حول كيفية تقديم رواية ذائعة الصيت حاصدة للجوائز وترجمة عالمها الذي ينتمي إلى الواقعية السحرية حول العبودية السوداء من صفحات كتاب إلى الشاشة، وما الجديد الذي سيقدمه المسلسل.

لكن جانكيز نجح في تقديم ملحمة بصرية يستخدم أبطالها أدق التفاصيل للتعبير عن الخوف الوحشي، حيث الوصول إلى الحرية تجربة مريرة تأخذنا إلى عالم تبدو فيه السكة الحديدية تحت الأرض مثل عالم مواز، هذا العالم الجديد الذي يقود الفارين من جحيم الاستعباد وصائدي الرقيق أمثال ريدجوار المتوحش، في شبكة سرية للهروب من الجنوب إلى الشمال حيث الولايات الحرة وكندا إلى الأمان والحرية.

تكرس الحلقات الأولى على حياتهم الجحيمية في مزرعة تيرانس راندال بجورجيا، والذي يلعب دوره بنجامين والكر.

نرى معاناة الإنسانية في أبشع صورها، حيث الرقيق عرضة دائما للجلد والاعتداء الوحشي والاغتصاب والعنف، ما يجعل البقاء في ظل العبودية جحيم حقيقي، لأنه لا توجد لحظة راحة واحدة.

هربت كورا من مزرعة في جورجيا، عبر ساوث كارولينا الجنوبية ونورث كارولينا، من تينيسي إلى إنديانا، مسافة طويلة قطعتها متهدجة الأنفاس، لكنها وجدت الرفقة في زميلها الهارب قيصر ويؤدي دوره آرون بيير، والرجل الحر رويال ويليام جاكيون هاربر.

تشق كورا طريقها عبر عدة ولايات إلى ساوث كارولينا حيث تجد عالما مختلفا يناطحات سحاب وترحب باللاجئين السود الذين وصلوا إلى نقطة الأمان، يقوم البيض برعايتهم وتثقيفهم، لكن الرحلة لا تنتهي، وكأن الفرار بلا هوادة اصبح قدرا والأمان لن يُعثر عليه أبدا.

ويبدو أن الحرية لن تتحقق إلا بتحرر كورا النفسي من طغيان مالكها، وعثورها على ذاتها الحقيقية الحرة.

تعلم التجربة كورا أن تغلق قلبها في وجه الحب، هكذا تشرح ثيدو مبيدو، التي تؤدي الدور، وجهة نظر الشخصية، “الشخص الوحيد الذي كان بإمكانها فتح قلبها له، كان أمها وقد غادرت، ليصبح هذا الغياب جوهر رؤيتها للحب، أصبحت تؤمن أنها إذا ما فتحت قلبها، سوف يحدث أمر مؤلم.”

ويبدو أن هذا الأمر واجهته الفنانة السمراء نفسها خلال حياتها، ما جعلها تتفهم ألم الشخصية، حيث توفيت والدتها عندما كانت صغيرة جدًا ، ولم تكن لها علاقة مع والدها، م فقدت عمها وهي في السادسة عشرة من عمرها ، ولم تتح لها الفرصة لتوديعه.

تقول: “كان الأشخاص موجودون في حياتك ثم يذهبون دون تحذير، لذا أصبح منطقيا لدي ألا أتعلق بأحد، وأن أنعزل عن الناس تماما”.

تقول مبيدو التي رشحت مرتان لجائز إيمي التلفزيونية المرموقة ونجمة مسلسليي”Shuga”، و”Is’Thunzi” إنها في أدوار جسدتها سابقا، كانت ستضع مسافة بين الشخصية وبينها، وستعزل أي أوجه تشابه بين صدمات الشخصية وصدماتها الخاصة، لكن في هذا العمل وجدت نفسها وجها لوجه أمام ألامها الخاصة.”

وأوضحت: “أن أكون وفية للشخصية بنسبة 100٪ يعني أنه كان علي مواجهة المشكلات التي تمر بها”.

وأضافت مبيدو: “إنها تواجه نفس العوائق التي واجهتها، ونفس الأشياء التي قاومتها، كانت هي نفس الأشياء التي كنت أقاومها، ومن خلال مواجهتي لمخاوفي عبر كورا، بدأت جراحي في الشفاء”.

ملحمة من الأمل والرعب

قام جنكيز بتقديم رواية وايتهيد بأمانة، وجعلها ملحمة من الألم والرعب، تنطلق فيها البطلة كورا من بلدة لأخرى، هربا من وحش العنصرية متعدد الرؤوس.

وعن ذلك قالت الممثلة ثيدو مبيدو: إن المظالم التاريخية ضد السود كثيرًا ما يتم التغاضي عنها، وكثيرا ما يطلبون منا أن نتجاوز الأمر لأنه حدث منذ وقت طويل، وعلينا أن ننصاع باعتبار أفكارنا وآرائنا ومشاعرنا أصبحت باطلة، لأن ما نعاني جراءه حدث منذ زمن بعيد.”

وبحسب موقع سي إن إن، فإن المعنى الضمني الذي يحمله مسلسل «The Underground Railroad» هو ​​أن الماضي لم يمت أبدًا، بل إنه ليس ماضيًا حتى، على الرغم من أن الأحداث قد تفصل بين قرنين من الزمان، إلا أنه كيف يمكن للمرء أن يشاهد إطلاق نار في كنيسة سوداء خيالية ولا يتذكر مذبحة عام 2015 في تشارلستون.

في ولاية كارولينا الجنوبية، كان الجسم الأسود لعبة يمكن التخلص منها في العلوم الطبية، وهنا في الفيلم تبرز تلميحات إلى تجربة توسكيجي لمرض الزهري في ثلاثينيات القرن الماضي وتجارب القرن التاسع عشر بواسطة طبيب أمراض النساء جيمس ماريون سيمز.

أصداء هذه الأفعال الوحشية، طالت السود في جنوب أفريقيا أيضا، إبان عهد الفصل العنصري، من خلال التجارب الطبية التي رعتها الدولة وقتذاك، باسم “مشروع الساحل”.

يخلط المسلسل بين الحقيقة والخيال أحيانا ليجبر المشاهد على التساؤل: “أي من التاريخ الذي تعلمناه هو في الواقع صحيح وما هو ليس كذلك؟”.

وعن ذلك تقول بطلة المسلسل: “هذا شيء جيد، معظم الناس عندنا يسألون  عن شيء ما، يعني هذا أنهم يبحثون عن حقيقة الأمر، وعندما نبحث نكتشف الحقيقة، وهذا هو الوعي”.

يجبرك المسلسل، على رؤية ما تراه كورا، ترى العالم بنظرة أنثى سوداء، هي البطلة والراوي، تسرد الحكاية، حتى لو لم يكن بإمكانها دائما توجيه الأحداث، ميزة المسلسل أنه لا يقوم بتجميل بربرية وهمجية نظام العبودية، قد يكون الأمر صادما، لكنه بمثابة توثيق الحقيقة للأحيال اللاحقة.”

تقول مبيدو: “كل ما اعتقدت أنني أعرفه عن استعباد الجسد في أمريكا، يتضاءل أمام ما حدث بالفعل”.

تحاول مبيدو السير في خطوات وئيدة لكن ثابت وقوية نحو العالمية، وستلعب دور البطولة إلى جانب النجمة السمراء فيولا ديفيس في فيلمها الأول “The Woman King”، من إخراج جينا بيرنس بيثوود.

الفيلم يدور في إطار تاريخي مستندا إلى قصة حقيقية عن وحدة عسكرية نسائية بالكامل من مملكة داهومي، تقع في بنين الحالية. ت

وعن هذه التجربة تقول مبيدو: “يجبرني هذا العمل على الخروج من منطقة الراحة الخاصة بي”.

ومن أجله تضطر الفنانة الشابة، اتباع نظام تمرينات رياضية، ونظام غذائي مع تخصصين، بالإضافة إلى التدريب على استخدام الأسلحة المختلفة، من أجل دورها المليء بالإثارة.

ورغم أن مبيدو سبق وانتقدت مشاريع الإنتاج الدولي التي تصور في جنوب أفريقيا، لأنها تسرد ققصا تبدو في الظاهر عن أفريقيا، لكنها قصص عن القارة من وجهة نظر أجنبية، لكنها بررت مشاركتها “The Woman King”، بأنه يعتبر جزئيا عملا من داخل القارة، ويستخدم الكثير من العناصر المحلية، بالإضافة إلى تفاصيل الشخصيات المكتوبة بنكهة أفريقية حقيقية.