كتب – حسام عيد

في الأسبوع الأخير من شهر مارس 2021، وتحديدًا في يوم السادس والعشرين منه، أطلت علينا وكالة “رويترز” بخبر مفاجئ يبدو صادمًا نقلًا عن مصادر لم تسمها؛ وهو سعي عمالقة صناعة النفط العالمية “رويال داتش شل”، “إيني” الإيطالية، وشركة الطاقة النمساوية “أو إم في”، لبيع عملياتهم للنفط والغاز في تونس، ومن ثم التخارج من البلاد.

لكن المفارقة الغريبة هنا، هي أنه لم يمض سوى 7 أيام فقط، وتحديدًا في 1 أبريل الجاري، لتطل الوكالة البريطانية نفسها من جديد، ونقلًا هذه المرة عن مصدر رسمي بوزارة الطاقة التونسية، وهو استعداد البلاد لطرح تراخيص لاستكشاف النفط؛ في خطوة من شأنها جلب استثمارات بما قيمته 80 مليون دولار.

ورغم دحض الحكومة التونسية لرواية “رويترز” الأولى، وتأكيدها عدم نية “شل” أو “إيني” في مغادرة السوق المحلي، إلا أنه الأمر المؤكد هو مرور البلاد بأزمة سياسية متصاعدة بين الرئاسات الثلاث، ووفق بديهيات علم الاقتصاد، يعتبر ذلك غير صحي على الإطلاق للمناخ الاستثماري في البلاد، وأولى تداعياته هو فقدان المستثمرين الأجانب الحاليين للثقة بشكل نسبي، ويترك مخاوف كبيرة وصعوبات في استقطاب مستثمرين جدد.

أنباء عن تخارج “شل” و”إيني”.. والسبب الإحباط السياسي

 في 26 مارس 2021، أفادت مصادر بقطاع النفط التونسي في تصريحات لوكالة “رويترز”، أن تونس قد تواجه نزوحًا لعمالقة النفط الغربيين، مع سعي كل من “رويال داتش شل”، و”إيني” الإيطالية؛ لبيع عملياتهما للنفط والغاز في تونس، في الوقت الذي تواجه البلاد صعوبات في استقطاب استثمارات جديدة عقب سنوات من عدم الاستقرار السياسي.

وقالت المصادر، إن “شل” الشركة العالمية متعددة الجنسيات، عينت بنك الاستثمار “روتشيلد أند كو” لبيع أصولها التونسية، التي تشمل حقلين بحريين للغاز ومنشأة إنتاج برية اشترتهم الشركة الإنجليزية الهولندية في إطار استحواذها على مجموعة بي.جي بقيمة 53 مليار دولار في 2016.

وسعت شل لبيع أصولها التونسية في 2017، لكنها تخلت عن العملية بسبب نزاعات قانونية مع الحكومة التونسية.

ولم ترد “روتشيلد” على طلبات للتعليق. وامتنعت إيني وشل عن التعقيب.

وبحسب المصادر فإن إيني، التي تعمل في تونس منذ 1961، عينت بنك الاستثمار “لازارد” لتولي عملية البيع.

وأنتجت “إيني” الإيطالية نحو 5500 برميل من المكافئ النفطي يوميًا في تونس في 2019 ولديها تسعة امتيازات للنفط والغاز وتصريح تنقيب واحد في تونس وفقا لموقعها الإلكتروني.

يأتي النزوح التدريجي في السنوات الأخيرة لشركات الطاقة الغربية الكبرى من تونس عقب تنامي الإحباط من عدم استقرار المناخ التنظيمي والسياسي في البلاد منذ ثورة 2011 التي أدت إلى نضوب الاستثمارات.

كما يأتي في الوقت الذي تسعى فيه كبرى شركات النفط والغاز في العالم إلى بيع أصول تقدر بعشرات المليارات من الدولارات لتقليص الديون والتركيز على الإنتاج الأكثر تنافسية.

المصادر ذاتها، قالت إن شركة الطاقة النمساوية “أو.إم.في” تعتزم أيضًا بيع ما تبقى في محفظتها للنفط والغاز بتونس، وذلك بعد أن قلصت تدريجيًا وجودها في البلاد. وامتنعت “أو.إم.في” عن التعقيب.

وقد باعت “أو.إم.في”، بالفعل، في عام 2018؛ أغلب محفظتها في البلاد إلى “بانورو إنرجي” المدرجة في بورصة أوسلو مقابل 56 مليون دولار. ويفيد تقريرها السنوي بأنها أنتجت حوالي أربعة آلاف برميل يوميا من المكافئ النفطي في 2019.

وكانت “أو.إم.في” وشركة النفط الوطنية التونسية قد بدأتا العام الماضي حقل نوارة للغاز، وهو أكبر مشروع بالبلاد في السنوات الأخيرة، والذي من المقرر أن يرفع إنتاج “أو.إم.في” عشرة آلاف برميل يوميا من المكافئ النفطي لتصل إلى ذروتها، بحسب الشركة.

وفي نوفمبر 2020، قال الرئيس التنفيذي لـ”مازارين إنرجي” إن الشركة المدعومة من عملاق الاستثمار المباشر “كارليل جروب” تسعى أيضًا إلى بيع ما يصل إلى النصف من حصصها في تراخيص استكشاف النفط الخاصة بها في تونس لتسريع تطورها.

الحكومة ترد.. طرح 4 تراخيص نفطية للمستثمرين

سرعان ما أحدث الخبر الذي نشرته “رويترز” وتفاعلت معه الصحف والمواقع والوكالات المحلية والعالمية، ليخرج بعدها مسؤولي وزارة الطاقة عبر مؤتمر صحفي عُقد يوم الخميس 1 أبريل 2021 بمقر الوزارة؛ مؤكدة أنه لا نية هناك لشركات النفط الكبيرة، مثل “شل” بمغادرة تونس، بل وأفادت أن البلاد ستطرح 4 تراخيص لاستكشاف النفط هذا العام باستثمارات تقارب 80 مليون دولار.

وتهدف تونس إلى رفع إنتاجها من النفط، الذي تراجع بشكل حاد إلى حوالي 3.4 مليون طن من المكافئ النفطي في عام 2020، من أكثر من سبعة ملايين طن في 2010.

وقالت رانيا المرزوقي، مديرة الاستكشاف بوزارة الطاقة لوكالة “رويترز” إنه “من المتوقع أن تمنح تونس أربع رخص استكشاف هذا العام باستثمارات قد تصل إلى 20 مليون دولار لكل رخصة”.

وتراجع عدد تراخيص الاستكشاف في تونس من 52 في 2010 إلى 24 فقط في 2020 بسبب التعقيدات الإدارية وسوء مناخ الاستثمار جراء تنامي حركات احتجاجية تسببت في تعطيل الإنتاج في حقول نفط وغاز بالجنوب التونسي في السنوات الماضية.

ومن جانبه، قال رشيد بن دالي، مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم: “شل أبلغتنا أنه ليس لديها نية لترك البلاد، لكن في ما يخص إيني فهي تخطط لبيع المساهمات في البلدان التي يكون الإنتاج فيها منخفضًا، في إطار سياسة الشركة”.

وأضاف: “الأمر لا يتعلق بالوضع الحالي، بل في إطار سياسة عامة للشركة، ولكن إيني مثلًا لديها مشاريع جديدة في تونس في الطاقات المتجددة ومهتمة بمشاريع أخرى في تونس”.

مخاوف واقعية

رغم النفي الحكومي، وتأكيد الحكومة التونسية بقاء الشركات العملاقة، حتى وإن ذهب البعض منهم لتوجه استثماري جديد في الطاقات المتجددة، والابتعاد أو التخارج من الأنشطة الأحفورية، فهناك صعوبات فعلية متجذرة بالواقع التونسي.

ووفق المهندس الخبير في استكشاف المحروقات وإنتاجها، والمستشار السابق لوزير الطاقة والمسؤول المكلف بملف المحروقات والعضو باللجنة التنفيذية لمؤسسة “تانس”، حامد الماطري؛ هناك ثلاثة أسباب رئيسية تولد المخاوف دومًا لدى شركات النفط المستثمرة بالسوق التونسي، أولها؛ المشاكل المالية نتيجة للانخفاض المتتالي في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، مقابل ارتفاع كلفة التشغيل نسبيًا في تونس.

ثانيها؛ توجد صعوبات في التعامل مع الهيئات الوطنية وغياب رؤية استراتيجية للقطاع النفطي، والتي تفاقمت بسبب غياب الاستقرار السياسي وتولي 10 وزراء مهمة الطاقة منذ 2011.

أما ثالثًا، فيكمن في المشاكل الاجتماعية الآخذة في التصاعد، وتوالي الإضرابات وتعمد غلق الطرقات، وجميعها أمور تهدد سلامة التجهيزات البترولية والأنشطة وتسوية وضعيات الموظفين.

وفي نوفمبر الماضي، كانت تونس أعلنت استئناف الأنشطة النفطية في تطاوين (جنوبًا)، عقب تعطلها لأكثر من شهرين على خلفية احتجاجات شعبيّة مطالبة بتطبيق وعود حكومية تعود إلى عام 2017 بتوظيف آلاف العاطلين وإنشاء صندوق استثمار لصالح المنطقة.

وإنتاج تونس النفطي متواضع؛ إذ يناهز 40 ألف برميل يوميًا يستخرج نحو 55%، منها في تطاوين.

وفي ظل تلك الظروف من الطبيعي أن تخشى الشركات على مصالحها وتحبذ الاستثمار في مكان آخر.

وختامًا، يمكن القول؛ إن تونس من البلدان الأفريقية المحظوظة بامتلاك موارد طبيعية “استراتيجية”، لذلك من الضروري الحفاظ عليها وتنميتها بطريقة مسؤولة وللمصلحة الوطنية.