كتب – حسام عيد

من المرجح أن تسمح نيجيريا بتخفيض إضافي لقيمة عملتها المحلية “النيرة” هذا العام، على الرغم من إبلاغها صندوق النقد الدولي بأنه لا حاجة لذلك.

وكان صندوق النقد الدولي قد أجرى مناقشات مع الحكومة النيجيرية والبنك المركزي قبل نشر تقريره بشأن أزمة سعر صرف العملة النيجيرية “النيرة”، مؤكدًا أنها مقومة بأكثر من قيمتها الحقيقية بنسبة 18%، وأنه من الضروري على السلطات القيام بإقرار خفض في قيمة النيرة. وهذا ما رفضته نيجيريا.

ويمر الاقتصاد النيجيري بمنعطف حرج، الذي في الأساس يعاني قبل أزمة جائحة “كوفيد-19” الوبائية، حيث يتميز الاقتصاد بهبوط دخل الفرد، وتضخم في خانة العشرات “من رقمين”، ونقاط ضعف كبيرة في الحوكمة ومحدودية الهوامش الوقائية في مواجهة صدمات متعددة من جائحة فيروس كورونا المستجد. ومن المتوقع أن يتقلص الناتج الحقيقي بنسبة 3.2% في عام 2020، مع تعافي ضعيف، ومن المرجح أن يبقي دخل الفرد ثابتًا ولا يزيد عن مستوى عام 2010 على المدى المتوسط. واليوم، هناك حاجة ماسة إلى تعديل السياسات والإصلاحات للتغلب على هذه الأزمة وتغيير مسار الأزمات الذي طال أمده.

رفض توصية خفض قيمة “النيرة”

من جانبه، أعلن صندوق النقد الدولي أن الحكومة في نيجيريا رفضت توصيته بشأن خفض قيمة العملة المحلية للبلاد من أجل تخفيف الاختلالات الخارجية.

وذكر الصندوق الدولي عبر تقرير نشره يوم الإثنين الموافق 8 فبراير 2021، أن إدارة الرئيس النيجيري “محمد بخاري” ترى أن العملة تتعرض لضغوط تنبع من التدفقات الخارجية العالمية الناجمة عن جائحة فيروس “كورونا”، معتبرة أن حدوث انخفاض آخر في سعر العملة سيتسبب في تسارع التضخم.

ويرى صندوق النقد أن عملة نيجيريا “النيرة” مقومة بأكثر من قيمتها الحقيقية بنسبة 18%، ما يضر بمصداقية السلطات ويؤدي لظهور سوق صرف موازٍ.

ودعا الصندوق السلطات في نيجيريا لتوحيد أسعار الصرف المختلفة وإزالة القيود المفروضة على الحصول على العملة الصعبة لبعض الواردات.

وكان تضخم مؤشر أسعار المستهلكين في نيجيريا قد سجل أعلى مستوى في ثلاث سنوات عند 15.8% في ديسمبر الماضي، مدفوعًا بارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ورأى المحللة في بنك الاستثمار والاستشارات الرائد في نيجيريا وأفريقيا “تشابل دينهام هيل Chapel Denham Hill” الذي يأخذ من لاجوس مقرًا، نكميدليم نواديالور؛ أن هناك عنصر يتمثل في أن صندوق النقد الدولي كانت نبرته “صماء” وغير فعّالة بالقدر الكافي بشأن تقديم توصيات تخفيض قيمة العملة المحلية، وهذا ما جعل من السهل على السلطات رفض ما كان “غير مفيد للغاية”.

وأضافت نكميدليم؛ “نيجيريا لديها ثقافة المقاومة ولا تستطيع الانحناء لفعل ما يخبرنا به صندوق النقد الدولي”.

وأشارت إلى أن التخفيضات التي حدثت في عام 2020 سميت جميعها بأنها “تعديلات وإصلاحات للعملة”.

تخفيض أكبر متوقع بالنصف الثاني

ويفيد بنك “تشابل دينهام هيل” بأن عملة نيجيريا “النيرة” مقومة بأكثر من قيمتها الحقيقية بنسبة تتراوح بين 12% و15%.

وتتوقع المحللة نكميدليم نواديالور أن تقدم السلطات على إجراء تخفيض في قيمة العملة بشكل أكبر في النصف الثاني من العام الجاري.

وأكدت أن الخفض الإضافي في قيمة العملة سسيشجع المستثمرين الآخرين على الدخول في سوق أدوات الدين النيجيرية؛ حيث ستتمكن دولاراتهم من شراء المزيد من النيرة، مما يسمح بمزايا التجارة المحمولة. هذا التدفق يمكن أن يعزز بشكل كبير مركز الاحتياطيات للدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

وأضافت، “إن إمكانية إصدار سندات دولية نيجيرية تجعل من العملة النيجيرية المنخفضة القيمة خطوة منطقية لزيادة الاستثمار والاكتتاب فيها”.

ويقول ويل أوكونرينبوي، المحلل في شركة الاستثمار “سيجما للمعاشا التقاعدية Sigma Pensions” -واحدة من كبار مديري صناديق التقاعد (PFA) في نيجيريا وتتخذ من لاجوس مقرًا- إن ” هناك بعض المزايا في الحجة المؤيدة لتعديل النيرة المتأخر بالنظر إلى الضغوط التضخمية”.

ويتوقع أوكونرينبوي يظل التضخم مرتفعًا -في المنطقة من 16% إلى 17%- في النصف الأول من هذا العام. ويتوقع بعض التباطؤ في النصف الثاني مع تحسن إنتاج الغذاء مما يساعد على تهدئة أسعار المواد الغذائية.

ويضيف، “المزيد من تعديلات العملة ستظهر في المستقبل القريب نحو سعر صرف يتراوح بين 410-415 نيرة نيجيرية لكل دولار أمريكي”.

عدم اليقين في القطاع الخاص

بدوره، قال صندوق النقد الدولي إن النظام الحالي، بنوافذه المتعددة وقواعده الغامضة لتخصيص العملات الأجنبية، يخلق حالة من عدم اليقين للقطاع الخاص.

وأفاد تقرير الصندوق بأن “سياسة سعر الصرف الأكثر شفافية والقائمة على السوق أمر حتمي لغرس الثقة”.

ويقول ويل أوكونرينبوي، المحلل في شركة الاستثمار “سيجما” إن توافر العملات الأجنبية لتمويل واردات المواد الخام الحيوية يعد “القضية الرئيسية” للشركات.

ويضيف أنه خلال العام الماضي، كافحت الشركات للحصول على دولارات للواردات من النوافذ الرسمية، مما أجبر البعض على الانخراط في السوق الموازية.

ويقول جيسون تشوكوما نجوكو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة iROKOtv، وهي خدمة الفيديو حسب الطلب للأفلام النيجيرية إن نظام سعر الصرف يجعل من المستحيل عليه التخطيط لأعماله النيجيرية بعد ثلاثة إلى ستة أشهر. لقد أعاد تحديد استراتيجيته للتركيز على أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا، بدلًا من نيجيريا.

نصيحة صندوق النقد الدولي على المدى القصير والمتوسط

يرى صندوق النقد الدولي، ضرورة انصهار أسعار الصرف في نيجيريا في سعر صرف واحد مرن “معوم” في السوق مع قيام البنك المركزي بإجراء مزادات بالعملة الأجنبية، وذلك على المدى القصير.

أما على المدى المتوسط، يقول الصندوق إنه يجب على البنك المركزي أن يحد من التدخلات لتهدئة تقلبات السوق والسماح للبنوك بتحديد أسعار العملات.

ويفيد صندوق النقد الدولي بأن سياسة سعر الصرف الواضحة ستساعد في جذب تدفقات أكبر لرأس المال، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر.

وترى المحللة نكميدليم نواديالور أن منطق السعر الرسمي هو محاولة مساعدة الشركات النيجيرية من خلال جعل الحصول على الدولارات التي يحتاجونها لشراء الواردات أرخص. وأشار إلى أن هناك بعض الأشخاص يستطيعون الحصول على الدولارات بالسعر الرسمي ثم بيعها في السوق الموازية بربح.

وتضيف، “الافتقار إلى الوضوح يجعل من المستحيل تخمين متى قد يظهر سعر صرف واحد للنيرة. كانت الفكرة قيد المناقشة منذ حوالي خمس سنوات، لكن ليس لدي فكرة عن موعد حدوثها”.

وختامًا؛ بلوغ مستوى سعر الصرف الأمثل والعادل لـ”النيرة” وفق قواعد السوق سيسمح للشركات بالتخطيط بشكل أفضل للمستقبل.