كتب – د. محمد فؤاد رشوان

الباحث في الشؤون الأفريقية

“يجب أن يكون العمل الفني مكملًا لعملية خلق مأوى لعائلتي أو تحرير بلادي. هذه هي الثقافة”..

ثامي منيلي – جنوب أفريقيا

علاقة الفن بالحياة السياسية، عبارة تحتاج إلى كثير من التأمل هل الفن هو مجرد اللوحات الفنية والموسيقى المليئة بالجمال والتي تغذى الروح وتحلق بها بعيدًا في عوالم مثالية حالمة تخرج بنا من قبح الواقع الذي نعيشه؟ أم أن الفن هو الخوض في قلب المشاكل التي يعيشها المجتمع وخلق حلول لها بطرق أكثر إبداعية وصولًا إلى واقع أكثر جمالا وملاءمة للحياة.

وتوظيف الفن في المقاومة ليس بدعة جديدة، ولا هو خاص بعصر من العصور ولا بشعب من الشعوب، فلو تتبعنا الآثار الأدبية عبر الزمان والمكان منذ نشأة الفنون الأدبية لوجدنا صنوفا وفنونا من توظيف الأدب للمقاومة، وهو ما يدل على وجود صلة وثيقة بين الإبداع واحتياجات الانسان المادية والمعنوية.

أما عن المقاومة بالفن فتتوقف على أربعة عناصر هي طبيعة الفنان وخصوصيته وثقافته ونفسيته ومدى استعداداه للتضحية في سبيل موضوع المقاومة ومدى إيمانه به، كذلك طبيعة موضوع المقاومة ذاته وخصائصة وهو النضال ضد الاستعمار أو الاحتلال أو مقاومة فساد مع ضرورة الانتباه أن ثمة فرقا بين نضال المبدع بفنه ونضاله في ساحة المعركة، وأيضًا طبيعة الفن ذاته فما يمكن أن يؤديه الشعر من مقاومة يختلف عما تؤدية القصة أو المقال أو الأغنية، ولذلك يتم توظيف كل فن من الفنون بما يتناسب مع طبيعته في مجال المقاومة، وأخيرًا الغاية المعلقة على هذه المقاومة؛ فهناك فرق كبير بين المقاومة من أجل طرد المستعمر أو المحتل وبين مقاومة الفساد أو مقاومة أوضاع سياسية خاطئة[i].

ومن هنا جاءت فكرة البحث عن دور الفن في حياة الشعوب الأفريقية، وكيف عاش معهم سنوات نضالهم ضد الاستعمار، وإنهاء الإرث العنصري في جنوب أفريقيا وإلهاب الثورات الأفريقية سواء ضد الاستعمار أو ضد حكام مستبدين، ثم التحولات الحالية من ترشح للانتخابات الرئاسية، أو اغتيال أحدهم ليصبح فتيلا لثورة قد تسقط حكومة آبي أحمد.

أولًا: ارتباط التاريخ النضالي لأفريقيا بالفن.

1- الفن والثورات المصرية

ارتبطت تاريخ الثورات المصرية ضد الاحتلال بالأغاني الوطنية التي ألهبت حماس الشارع المصري مثل أغاني الراحل سيد درويش خلال ثورة 1919، والتي تعد أولى الثورات الأفريقية ضد الاحتلال، ومثلت مرحلة هامة في تاريخ النضال المصري والأفريقي ضد الاحتلال الإنجليزي، حيث قامت بريطانيا بإعلان الأحكام العرفية على مصر ووضعتها تحت الحماية البريطانية ومن ثم بدأت بعدها سلسلة من الانتهاكات والظلم للشعب المصري والاستيلاء على ثرواته، ومقدراته؛ حيث كبدت بريطانيا مصر أعباء حربها التي كانت تخوضها في الحرب العالمية الأولى، وتمت مصادرة أملاك الفلاحين المصريين للمساهمة في تكاليف تلك الحرب وإجبار الفلاحين على زراعة محاصيل معينة تتناسب مع متطلبات الحرب، وتم شراؤها باسعار زهيدة، وكذا إجبار المصريين على التجنيد للعمل خلف خطوط الجيش البريطاني[ii].

وقد اندلعت شرارة الثورة المصرية في أعقاب اعتقال سعد زغلول وثلاثة من زملائه وهم؛ محمود باشا وإسماعيل صدقي باشا وحمد الباسل باشا ونفيهم إلى جزيرة مالطا في الثامن من مارس 1919 وهنا ألهبت أغاني سيد درويش والتي تعاون فيها مع بيرم التونسي وبديع خيري روح الوطنية لدى الشعب الثائر مثل أغنيات “بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي” وأغنية “قوم يا مصري مصر دايما بتناديك”، وكذلك “أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرامين ” وقد كانت أغنياته بمثابة الهتافات السياسية التي يطلقها المواطنون في الشوارع فور تلحينها فلعبت دور الضمير الوطني الذي يحرك الشارع المصري في ذلك الوقت.

ووفقًا للعديد من المؤرخين يعد عام 1919 الأكثر إنتاجًا فنيا في حياة سيد درويش إذ قدم اكثر من 75 لحنًا في هذا العام، وهو ما يدل على تفاعله الشديد مع مجريات الأحداث السياسية في البلاد بأعماله الفنية[iii].

وتكلل ذلك النضال في نجاح المصريين في انتزاع استقلالهم من الاحتلال الإنجليزي مع احتفاظ إنجلترا ببعض المسائل كالدفاع عن المصالح الأجنبية والسودان والأقليات، كذلك نجح الشعب المصري في وضع دستور 1923 ومن ثم تأسيس هيئة تشريعية من مجلسين.

ومن سيد درويش إلى أغاني أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى والتي كانت تمثل مقاومة من نوع آخر؛ فقد أشعلت أغانيهم الوطنية والثورية الجامعات والنقابات العمالية وتجمعات المثقفين لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني والدفاع عن القضايا القومية العربية في الغناء لكل من فلسطين والجزائر ولبنان ويصرخ من وجع نكسة يونيو 1967، والتي تحولت أغانيهما إلى أيقونة وشعار للثورة الشعبية في 25 يناير 2011 والتي رددها الشباب الثائر في الميادين للثورة على الظلم والفساد[iv].

فكانت تلك الأغاني الوطنية ملهمة للتغير الداخلي والثورة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية من ناحية ومقاومة الاحتلال سواء المعلن أو المقنع في صور التبعية الاقتصادية والسياسية.

2 – الفن في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا

يتميز تاريخ جنوب أفريقيا تحت الحكم البريطاني الأبيض بوجود أكثر أنظمة الفصل العنصري وحشية التي عرفها العالم على الإطلاق، وهو مايعرف بنظام الفصل العنصري والذي جعل الأفارقة سجناء داخل أوطانهم لصالح قلة من الأجانب الملونين، حيث أجبرت قوانين الفصل العنصري الملايين من العيش في معازل فقيرة حرموا فيها من أبسط حقوقهم الإنسانية وسيطرت خلالها الأقلية البيضاء على كافة مفاتيح السلطة السياسية والاقتصادية.

وخلال 46 عامًا من وجود نظام الفصل العنصري تطورت حركات المقاومة من نقابات غير محكمة التنظيم، للاحتجاجات السلمية وصولًا إلى تحالفات قوية ومسلحة مثل المؤتمر الوطني الأفريقي ANC، وخلال كافة تلك المراحل غذى الفن بأشكاله المختلفة سواء الموسيقى أو الرسم الحركة الوطنية ووحدتها[v].

حيث شكلت أغاني المقاومة للفصل العنصري زيادة الوعي الجمعي وتوليد الدعم للحركة ضد الفصل العنصري، حيث جسدت تلك الأغاني والموسيقى الاحتجاجية في الخمسينيات مشاكل السكان الأصليين من قوانين العبور والترحيل القسري بعد مذبحة شاربفيل عام 1960[vi].

ظهرت الأغاني الاحتجاجية للرد على تصرفات هندريك فيرويرد رئيس وزراء جنوب أفريقيا منذ 1958 وحتى اغتياله في 1966 والذي يطلق عليه مهندس الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لدورة في تنفيذ عملية الفصل العنصري خلال فترة تولية منصب وزير شئون السكان الأصليين، وكان هندريك +موضوع لأحد أعظم أغاني المقاومة في جنوب أفريقيا للملحن فايوسيلي ميني Vuyisile mini وأصبحت الاغنية التي تحمل اسم “Ndodemnyama we Verwoerd” أو احترس فيرويرد، ها هو الرجل الأسود قد ولدت أيامك” واحدة من أكثر الأغاني الشعبية في جنوب أفريقيا.

وكان ميني منخرطًا في نشاط حزب المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي، وكان من أوائل الذين تم تجنيدهم في تأسيسه العسكري عام 1961 واعتقل عام 1963 بتهمة الجرائم السياسية والتخريب وحكم عليه بالإعدام عندما رفض الاعتراف على رفاقه، ويصفه أحد رفاق السجن بأنه كان يمشي بتحد إلى المشنقة وهو يردد أغنيته الشهيرة[vii].

وانتقلت حركة المقاومة للعنصرية إلى مجال آخر وهو المسرح، حيث تم تشكيل حركة المسرح الأسود مع بداية سبيعينات القرن الماضي والتي تكونت على يد مجموعة من الطلاب في منتصف الستينيات بأحد الكليات الجامعية للهنود في جزيرة سالزبوري والذين بدأوا في النظر إلى حياتهم في الحرم الجامعي والتي تختلف عن حياتهم الاجتماعية التي نشأوا فيها حيث وجدوا أنه لا يوجد سوى المسرح الأوروبي الذي ينقل مشكلات وقضايا الرجل الأبيض دون أي تركيز على ظروف ومشكلات الرجل الأسود وباعتبار المسرح يمثل انعكاسا للواقع فكان لابد من قيام نهضة مسرحية تعكس حياة الرجل الأسود وطريقة حياته وجعل المسرح انعكاسا لوعي الرجل الأسود والتعبير عن الأفكار التي لم يجرؤ على الحديث عنها من قبل وأن يدرك السود من خلاله بأدميتهم وأنهم ليسوا مجرد أشياء أو كائنات مهمشة.

ومن هنا بدأت حركة المسرح الأسود تكشف عن التمييز العنصري الموجود في مجتمع جنوب أفريقيا وكان على المسرح الأسود أيضا أن يتكلم لغة الثورة والتحرير كتعبير عن الوعى الأسود، وكان الهدف الرئيسي لهذه الحركة هو كسر الإطار المرجعي الأوروبي المركزي للفنون ومحاولة تطوير منهج أفريقي للفنون[viii].

وأخيرًا، في مجال الفنون البصرية فقد نشأت مقاومة من نوع آخر تزعمها ثامي منيلي Thami Mnyele[ix]، والذي رأى منذ بداياته أن المواهب السوداء في جنوب أفريقيا منتجة للبيض، وموجهة للبيض، وحتى مملوكة للبيض، وكانت النتيجة الطبيعة لذلك هو فنون محرفة لا تدور حول الحياة السوداء وتطلعات السود في جنوب أفريقيا حيث كان السائد أن كل ما هو سلبي كان أسود وتم استغلال الرجل الأسود بوقاحة ودون خجل وذلك بالتزامن مع ظهور حركة المسرح الأسود.

سعى ثامي منيلي من خلال الرسم إلى توثيق ما يحدث في جنوب أفريقيا فكان يرى أن يجب تصميم رسوم تعبر عن كاف المواقف التي يتعرض لها الإنسان الأسود سواء في البطاقات البريدية وبطاقات عيد الميلاد، وقد سعى إلى ذلك من خلال تصميم المعارض لتلك الرسوم التي تعبر عن السكان السود ففى يونيو 1976 أقام منيلي وفيكجيل وبن أرنولد معرضًا فنيًّا حضره آلاف الأشخاص في جنوب أفريقيا في سابقة جديدة على السكان السود وتدافع الناس لمشاهدة لوحاتهم والتي اعتبرها ثامي نوعًا جديدًا من أنواع التواصل مع الشعب وزيادة الوعي لديه.

ونتيجة لنشاطه اللافت للنظر تم نفيه إلى بوتسوانا ومن هناك أصبح أحد الكوادر الهامة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وخلال فترة المنفى استمر في الحركة النضالية من خلال تنظيم العديد من المعارض إلى جانب مشاركته في التنظيم العسكري لحزب المؤتمر وانضم للعديد من معسكرات التدريب على القتال في أنجولا ولوساكا جنبًا إلى جنب مع توثيق ذلك من خلال لوحاته الفنية، وشارك في تصميم المسودة الأولى لشعار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي[x].

في مطلع 1985 شارك منيلي في مؤتمر أمستردام تحت عنوان “سيتم فتح أبواب الثقافة” والذي نظمته حركة مناهضة العنصرية، وفى 14 يونيو 1985 تم اغتياله في جابورون عاصمة بوتسوانا عن عمر ناهز 36 عامًا، وتم قتله مع أحد عشر شخصًا من ضمنهم أطفال، وقد تم تنفيذ الهجوم من قبل جيش جنوب أفريقيا تحت قيادة الجنرال كونستاند فيلجوين، وفي اليوم التالي لعملية الاغتيال ظهر العقيد كريج ويليامسون في بث تليفزيوني حاملًا إحدى لوحات ثامي كدليل على نشاطه الإرهابي[xi].

ثانيًا: الفن ومقاومة الفساد والأوضاع السياسية

1- اغتيال هاشالو هونديسا والثورة في إثيوبيا

تشهد الحياة السياسية في إثيوبيا اضطرابات إثنية في عدد من الأقاليم نتيجة لممارسات آبي أحمد ومحاولته أحكام سيطرته على البلاد وإسكات أي صوت للمعارضة داخل إثيوبيا حتى وإن كانت من داخل جماعته الإثنية (جماعة الأورومو) كما حدث في اغتيال المطرب هاشالو هونديسا والذي ينتمي لجماعة الأورومو والذي ركزت أغانيه على حقوق الأورمو باعتبارها أكبر المجموعات العرقية في إثيوبيا والتي برزت خلال موجة الاحتجاجات التي أدت الى سقوط رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين، والتى بدأت منذ 2015 وحتى عام 2018 وصعود آبي أحمد للحكم، وينظر إلى هونديسا باعتباره بطلًا في جماعة الأورمو[xii]، وعقب سماع نبأ اغتياله قام محبوه باغلاق تام لمداخل العاصمة أديس أبابا التي شهدت مظاهرات عارمة، وتم وضع الحواجز وأحرقت الإطارات على الطرق الرئيسية تعبيرًا عن الغضب، وتم خلالها اعتقال أكثر من 9000 شخص وراح ضحيتها أكثر من مائة وستين قتيلًا منهم أكثر من 11 فردًا من الشرطة الإثيوبية[xiii].

وقد جاءت عملية الاغتيال بعد مقابلة أجراها مع شبكة أوروميا الإعلامية والتي أدان فيها الأنظمة السابقة والقيادة الحالية لرئيس الوزراء آبي أحمد بسبب اعتقاله للصحفيين وحجبه للإنترنت وقمع المتظاهرين، وكذلك تقاعس الحكومة عن تقديم ضباط الشرطة المتهمين في قتل عشرات في الاحتجاجات المناهضة للحكومة إلى العدالة، مما دعا العديد منظمات حقوق الإنسان لاتهام قوات الأمن بتنفيذ عملية الاغتيال، ليزيد الضغوط على حكومة آبي أحمد والتي تواجه احتجاجات في عدة أقاليم ومحاولات للانفصال وخطر تفكك الدولة[xiv].

من الجدير بالذكر أن هاشالو هونديسا ولد في إقليم أمبو عام 1986 وهو الإقليم الذي كان في صدارة الحملة التي يخوضها شعب الأورومو من أجل الحكم الذاتي في بلد يشعرون فيها بالتهميش والاضطهاد، وعندما بلغ 17 عامًا تم سجن هاشالو لمدة خمس سنوات لنشاطه السياسي وانضمامه للحركة الطلابية في ذلك الوقت، وقد اعتبر هاشالو تلك الفترة فترة لتطوير قدراته الفنية والإبداعية داخل السجن وكذلك خبراته السياسية وازداد وعيه بتاريخ إثيوبيا وحكامها الأباطرة، وعقب خروجه من السجن أصدر ألبومه الأول (سبق الملك) والذي تحول بعده لنجم موسيقي ورمز سياسي لدى شعب الأورومو، باعتباره يعبر معاناتهم وطموحاتهم[xv].

2-  المطرب بوبي واين والترشح للرئاسة في أوغندا

“عندما تصبح حرية التعبير هدفًا للقمع، تصبح المعارضة موقفنا” هي كلمات من أغنية المطرب بوبي واين من أغنية (Situka) والتي غناها المطرب لحث الأوغنديين على لعب دور فعالي في محاربة الفساد والظلم في بلادهم، ففي الوقت الذي أيد أغلب المطربين المشهورين ترشيح يوري موسيفينى (76 عامًا) والذي يحكم أوغندنا منذ 34 عامًا، ولكن بوبي واين رفض ذلك وتحول الى أحد النشطاء السياسيين منذ الانتخابات العامة في 2016، وتم انتخابه لعضوية البرلمان كمستقل في عام 2017 في كيادوندو، والذي يعتبر نفسه مدافعًا عن قضايا الشباب وبأن وجوده في البرلمان ليمنحهم الثقة على الترشح[xvi].

ويسعى بوبي واين الى الفوز بانتخابات الرئاسة الأوغندية عن طريق معازلة الشباب البالغ نسبتهم 65% من سكان أوغندا وأكثر من 70% من الناخبين الذين لهم حق التصويت في الانتخابات وقام باستخدام وسائل وأساليب جديدة للوصول لهذه الفئة من الناخبين منذ عام 2017 عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي خاصة بعد التضييق عليه من قبل قوات الأمن وبخاصة في الآونة الأخيرة بحجة إجراءات مواجهة فيروس كورونا، وقد أعلن أنهه سيتم انشاء موقعًا إلكترونيًّا لحملته الانتخابية وسيديره شباب إما ما زالوا في الجامعة أو تخرجوا حديثًا[xvii].

وبرؤيته الشبابية ونظرته للقطاع العريض في الدولة أحدث بوبي واين ثورة في السياسة الأوغندية ومنذ عبّر عن رغبته في الترشح لانتخابات الرئاسة فقد تم توجيه العديد من التهم إلية مثل إثارة الذعر أو الإزعاج والسخرية من الرئيس.

وعقب موافقة اللجنة الانتخابية على ترشحة لانتخابات الرئاسة عام 2021 بفترة وجيزة ألقت الشرطة الأوغندية القبض عليه، وألقت الشرطة القنابل المسيلة للدموع لتفريق أنصاره الذين تجمعوا حوله في كمبالا بحجة اختراق حظر مواجهة فيروس كورونا المستجد، ويرى أنصاره أن الشرطة تسمح بتكوين تلك التجمعات لمؤيدي الرئيس يوري موسيفيني الذين احتفلوا بإقرار ترشحه في الشوارع دون ملاحقة من السلطات[xviii].

وختامًا، تعددت أشكال المقاومة للاستعمار أو الأوضاع السياسية، فقد تكون تلك المقاومة في شكل حمل السلاح أو الشعر أو الغناء أو عبر ريشة، فنان وهي أدوات الفنان للتعبير عن هموم شعبه واحتياجاتهم وقضيتهم، وكون الفن أحد أدوات المقاومة يكون فيها الفنان لا يسعى لتصوير المقاومة بل يريد أن يجعل الفن سلاحًا يقاوم به هو ذاته سواء كان ما يقاومه احتلالًا، أو عدوانًا، أو ممارسة سياسية أو اجتماعية خاطئة.

ولعل ما يلفت الانتباه في الآونة الأخيرة في الحياة السياسية في القارة الأفريقية هو دور الفن والفنانين في إلهاب ثورات شعوبهم للتخلص من الأوضاع السياسية القائمة، فكان اغتيال الفنان الإثيوبي هاشالو هونديسا مثار تغيير كبير واحتجاجات اجتاحت جماعة الأورومو الإثيوبية وراح ضحيتها أكثر من 166 ومئات من المصابين في مظاهرات امتدت حتى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

 وفى ذات السياق، فقد جاءت موافقة اللجنة الانتخابية في أوغندا على ترشح المطرب والمشرع روبت كياجولاني المعروف باسم بوبي واين لانتخابات الرئاسة عام 2021 لتهدد باستقرار حكم الرئيس يوري موسيفيني والذي يحكم أوغندا منذ عام 1986 وحتى الآن فبدأ باستخدام أساليب قمعية لمواجهته خاصة بعد استخدامه لأساليب أكثر تقدمًا للوصول إلى الناخبين.

إلا أن العامل المشترك في ذلك الإرث الطويل من المقاومة بالفن هو عدم قدرة الدول الاستعمارية على الصمود طويلا أمام هذا الفن الذي يعبر عن طموحات تلك الشعوب فيتم ملاحقة تلك الأصوات التي تنادى بالحرية والاستقلال إما بالاغتيال أو التنكيل أو السجن لفترات طويلة وهو ذات الأمر مع بعض النظم الفاسدة والمستبدة في محاولة حفاظها على مكتسباتها والبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة.


[i] عزت السيد أحمد، المقاومة في الفن والمقاومة بالفن، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية، (اللاذقية، جامعة تشرين، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد 27 العدد (1)، 2005) ص ص177- 179.

[ii] أسباب ونتائج ثورة 1919 في مصر على رابط:

https://www.almrsal.com/post/858583

[iii] سيد درويش صوت ثورة 1919 الذي أشعل حماس الجماهير في مصر:

https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-47604041

[iv] محمود دوير “أغنية المقاومة: من سيد درويش إلى محمد حمام.. أيقونة النضال التي انطفأت” 27 فبراير 2019:

«أغنية المقاومة»: من سيد درويش إلى محمد حمام.. أيقونة النضال التي انطفأت – أصوات أونلاين https://wp.me/p9QU4p-36I

[v] vershbow, Michela E. “The Sounds of Resistance: The Role of Music in South Africa’s Anti-Apartheid Movement.” In Inquiries Journal ,Student Pulse( London, Routledge, Vol(2) No(6), (2010).

[vi] في بلدة شاربفيل السوداء بالقرب من جوهانسبرج بجنوب أفريقيا فتحت شرطة الأفريكانز النار على مجموعة من المتظاهرين غير المسلحين في جنوب أفريقيا مما أسفر عن مقتل 69 شخصًا وإصابة 180 آخرين، وكان المتظاهرون يحتجون على القيود المفروضة على حرية التنقل لغير البيض وفي أعقاب تلك المذبحة اندلعت الاحتجاجات في كيب تاون، وتم اعتقال أكثر من 10000 شخص قبل أن تستعيد القوات الحكومية النظام، وقد أقنع الحادث زعيم مناهضة الفصل العنصري نيلسون مانديلا بالرجوع عن موقفه اللاعنيف وتنظيم مجموعات شبه عسكرية لمحاربة نظام نظام الفصل العنصري والقيام ببعض الأعمال العسكرية الصغيرة وأدين بسببها نيلسون مانديلا بالخيانة وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأطلق سراحه بعد 27 عام. للمزيد انظر:

Massacre in Sharpeville at:

https://www.history.com/this-day-in-history/massacre-in-sharpeville

[vii] vershbow, Michela E. The Sounds of Resistance , OP.CiT.

[viii] https://www.researchgate.net/publication/323112944_In_steadfast_allegiance_Adam_Small_and_the_Cape_Flats_Players/fulltext/5a9adcb70f7e9be379661cdc/In-steadfast-allegiance-Adam-Small-and-the-Cape-Flats-Players.pdf

[ix] ولد ثامي منيلي في العاشر من ديسمبر 1948 وهو الثالث بين خمسة أطفال في ألكسندرا بالقرب من جوهانسبرج، كان والده كاهنًا وأمه عاملة منزلية في الستينات انفصل والده عن والدته وأرسل للعيش مع أخيه وبعد ذلك عمه، وفي أواخر الستينيات أرسلته والدته إلى مدرس داخلية في بريتوريا وبدا تعلم الرسم فيها في سن الرابعة عشرة في سنته الأخيرة بالمدرسة وترك المدرسة لعدم قدرة والدته على تحمل مصاريفها، وفي عام 1971 انضم إلى مسرح ملوتي الأسود… للمزيد عن حياة ثامي انظر:

https://www.sahistory.org.za/people/thamsanqa-thami-mnyele

[x] Idem.

[xi] https://www.zammagazine.com/perspectives/blog/959-studio-zam-how-35-years-after-his-killing-south-african-artist-thami-mnyele-came-to-life

[xii] مقتل هاشالو هونديسا: الاحتجاجات على اغتيال المغني الشهير أسفرت عن 166 قتيلًا، في 5 يوليو 2020 على الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/world-53303018

[xiii] فتنة الفنان الإثيوبي القتيل… احتجاجات وانفجارات واختطاف الجثمان في 30 يوليو 2020 على الرابط:

https://al-ain.com/article/1593542069

[xiv] Hachalu Hundessa, Ethiopian Singer and Activist, is Shot Dead, at:

[xv] هاشالو هونديسا: الفنان الإثيوبي القتيل الذي غنى للحرية على الرابط:

https://www.bbc.com/arabic/world-53266077
[xvi] Bobi Wine: The pop star seeking ‘people power’ at:
https://www.bbc.com/news/world-africa-45195664
[xvii] Uganda: 2021 General Election – Presidential Candidates Take Fight to New Voters at:
https://allafrica.com/stories/202011090641.html

[xviii] https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B6-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%BA%D9%86%D8%AF%D9%89-%D8%A8%D9%88%D8%A8%D9%89-%D9%88%D8%A7%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AD%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9#sthash.JeoagFPz.dpbs