ترجمة – آية سيد

في تصعيد كبير للعداء العنيف مع خصومه في إقليم تيجراي الشمالي, أمر رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد بتنفيذ عمل عسكري بعد ما قال إنه هجوم على معسكر للجيش الاتحادي في الساعات الأولى من يوم 4 نوفمبر. هذا الإعلان, الذي جاء بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة, ربما يشير إلى نقطة تحول خطيرة لبلد شهد استقراره عدة اختبارات منذ تولي آبي السلطة في 2018.

لم يأتي التدهور الحاد كمفاجأة لمراقبي انتقال أثيوبيا الذي كان واعدًا إلى الديمقراطية – وهي نقلة استهلّها آبي, الذي فاز أيضًا بجائزة نوبل للسلام لدوره في إنهاء حرب باردة استمرت لعشرين عامًا مع دولة إريتريا المجاورة.

لشهور, استشعر العديد من المراقبين مواجهة تتشكل بينه وبين حكام تيجراي, الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي, الذين هيمنوا على الائتلاف الحاكم للبلاد منذ 1991 – عندما أطاحوا بالنظام الديكتاتوري العسكري السابق – حتى 2018. وفي 30 أكتوبر, حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن المواجهة تخاطر بإثارة “صراع مدمر والذي ربما يمزق الدولة الأثيوبية إربًا”.

إن جذور هذه العداوة عميقة؛ فقد رفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي الانضمام إلى حزب آبي الجديد, حزب الازدهار, عندما تشكّل في أواخر العام الماضي؛ إنها ترى الحزب الجديد محاولة لتفكيك الدستور. وفي بداية هذا العام اتهمه قادة التيجراي بوضع الأساس لنظام ديكتاتوري عن طريق تأجيل الانتخابات بسبب جائحة كوفيد-19. وفي سبتمبر, وفي تحدٍّ للحكومة الاتحادية, عقد إقليم تيجراي انتخابات خاصة به, وهو ما حث البرلمان على التصويت على قطع كل العلاقات مع القيادة الإقليمية في الشهر الماضي.

تزعم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أيضًا أن حكومة آبي أشرفت على اضطهاد عِرق التيجراي, الذين يشكلون حوالي 6% من السكان, وتطهير انتقائي للمسئولين وقادة الأجهزة الأمنية التيجراي في الحكومة. وكشرط للحوار, تطالب الجبهة بتنحي آبي من منصبه كرئيس للوزراء وإفساح المجال أمام حكومة تصريف أعمال.

من جانبه، يزعم حزب الازدهار أن قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي يدبرون مشاكل أثيوبيا التي لا تُعد ولا تُحصى – والتي تشمل الاغتيالات السياسية, والاحتجاجات, والتمرد المسلح, ومذابح الأقليات – لكي يعرقلوا الانتقال السياسي ويستعيدوا السلطة التي خسروها بالقوة.

كان الجانبان يبنيان قدرتهما العسكرية – تيجراي, بصفتها واحدة من 10 ولايات إقليمية في أثيوبيا قائمة على العِرق وشبه مستقلة, تمتلك شرطتها وميليشيتها الخاصة – ويتبادلان الخطاب العدائي. أوقفت الحكومة الاتحادية مؤخرًا منحتها الشهرية إلى تيجراي, وهو آخر إجراء في وابل من الإجراءات العقابية المالية والإدارية المُصممة لفرض الضغط على قادته.

لم يتضح على الفور من الذي بدأ إطلاق النار؛ فوفقًا للحكومة الاتحادية, حاولت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي “نهب” المعدات من القيادة الشمالية للجيش الاتحادي, المتمركزة في تيجراي بالقرب من الحدود مع إريتريا، ويُقال إنها تضم معظم الأفراد المسلحين والفرق الآلية في أثيوبيا. لقد اعتقدت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي طويلًا أن ضباط هذه القيادة – والذي يُقال إن الكثير منهم من التيجراي – لن يطيعوا أوامر آبي.

وفي الشهر الماضي, قالت إنها لن تقبل أي تغييرات في قيادة أو هيكل الكتيبة, ثم رفضت السماح للقادة الجدد الذين عيّنهم آبي بتولي مناصبهم. 

ومن المنطقي, كما يدعي آبي, أن الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي حاولت الاستيلاء على المعدات الخاصة بالقيادة. لكن ليس من المؤكد ما إذا كان هذا حدث قبل نشر القوات الاتحادية أم بعده. أخبرني جنرال تيجراي سابق في ميكيلي, عاصمة الإقليم, أن إخراج هذه المعدات من “المعادلة” ربما يكون ضروريًّا في حالة تفاقم التوترات. كتب جيتاشيو رضا, وهو مسئول رفيع المستوى في الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي, على تويتر يقول: إن اجتماع المكتب السياسي نهاية الأسبوع الماضي أدى إلى اتخاذ “قرارات تاريخية” لتعزيز جاهزية الإقليم. ويوم الأحد أعلن رئيس الإقليم, دبرصيون جبراميكائيل, أنه “إذا كانت الحرب وشيكة, فنحن مستعدون ليس فقط للمقاومة؛ بل للفوز”.

لكن من الواضح أيضًا إنه كانت هناك تحركات كبيرة للقوات الاتحادية في الأيام التي سبقت 4 نوفمبر؛ فوفقًا لدبلوماسي في الأمم المتحدة, جرى سحب الوحدات من عدة مناطق في جنوب أثيوبيا, مثل منطقة هارارجي والمنطقة الصومالية في الجنوب الشرقي, ومن منطقة ويليجا في منطقة أوروميا الغربية. وقال المصدر: “سوف تواجه [الحكومة الاتحادية] صعوبة في إقناع أي شخص يستحق الاحترام بأن هذا لم يكن مُخططًا له مسبقًا”.

وفي ظل انقطاع شبكات الإنترنت والهاتف في أنحاء تيجراي, فإن تفاصيل المواجهات الدائرة بين القوات الاتحادية وقوات التيجراي شبه العسكرية غير مكتملة ويصعب التحقق منها. وبحسب مصدر في ميكيلي, والذي تحدث لي عبر الاتصال عن طريق القمر الصناعي, استمر إطلاق النار في المدينة لحوالي ساعة في الساعات الأولى من الصباح.

كان القتال مقتصرًا على المنطقة المحيطة بالمطار، وقالت عدة مصادر في أديس أبابا إن الحكومة الاتحادية نشرت كوماندوز في طائرة عسكرية إلى ميكيلي بهدف تأمين المعدات العسكرية، وربما عزل قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. ولا يبدو أن هذا كان ناجحًا, ويُقال إن شرطة تيجراي الخاصة تولت السيطرة على القاعدة العسكرية الاتحادية، وظلت المدينة هادئة لبقية اليوم.

وفي البيان الصادر عنه, زعم آبي أيضًا أن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي هاجمت القوات الاتحادية في بلدة دانشا في غرب تيجراي بالقرب من حدودها مع إقليم أمهرة. ومنذ صباح 4 نوفمبر كانت هناك تقارير عن قتال في الغرب, لكن من الصعب إثبات هذا، وعدد الخسائر غير معلوم.

يأمل الكثيرون في أديس أبابا أن تقتصر عملية آبي العسكرية على ضربة جوية دقيقة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من أجل تأكيد سلطة الحكومة الاتحادية في تيجراي. لكن الصراع قد ينتشر بسهولة في أنحاء المنطقة الأوسع.

تمتلك ولاية أمهرة المجاورة مطالب إقليمية في أجزاء من تيجراي, وكان أعضاء من الحزب الحاكم هناك – وهم حلفاء رئيسيون لرئيس الوزراء – يطالبونه باتخاذ إجراء صارم ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. في 4 نوفمبر, طالب رئيس الولاية قدامى المحاربين الأمهريين بحمل السلاح في القتال ضدها.

مع هذا, الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إمكانية تدخل القوات الإريترية إلى جانب الجيش الاتحادي الأثيوبي – الذي كان حتى وقت قريب عدوهم اللدود. يضمر رئيس إريتريا, أسياس أفورقي, ضغينة قديمة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي – تعود إلى ما قبل الحرب الأثيوبية – الإريترية 1998-2000 – وأصبح مقربًا من آبي منذ أن عقد الاثنان السلام في 2018. ويشك بعض المراقبين في أن أسياس ربما يميل إلى التدخل بطريقة ما. قال جيتاشيو الأسبوع الماضي: “نحن لسنا متوهمين أن الإريتريين سوف يقفون مكتوفي الأيدي”.

وحتى دون الانتشار إلى البلاد المجاورة, فإن عملية محدودة لإزاحة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي لن تكون سهلة، حيث تسيطر الجبهة على كل المناصب الحكومية في الإقليم، ويقود قواتها الأمنية محاربون قدامى متمرسون من الحروب السابقة، ولا يبدو أن الجبهة أو الحكومة الاتحادية لديهم رغبة في التوصل إلى حل وسط.

وقال محلل مطلع في أديس أبابا: “عندما أفكر في الحرب بين آبي والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.. أتعرف ماذا يخطر ببالي؟ إنها ورطة”.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا