كتب – محمد الدابولي

باتت التغيرات المناخية حقيقة جاثمة يدركها القاصى والدانى، فمن الصعب إنكارها وإنكار آثارها السلبية التي نلتمسها يوميا، إذ بتنا جميعا نشعر بارتفاع غير عادي في درجات الحرارة تأثرت به حياتنا الشخصية ونمطنا الإستهلاكي بعض الشئ، وبدئنا نلتمس أية بارقة أمل تنجينا من حالة الاحتباس الحراري التي نعايشها اليوم.

كل التقارير البيئة عن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري تنذرنا بفناءالعديد من الموارد الطبيعية والاقتصادية الأمر يعلى من سقف التنبؤات التشاؤمية حول مستقبل البشرية بأجمعها على الكوكب، إذ يتنبأ الكثير بالجفاف والتصحر واندلاع الحروب على مصادر المياه والموارد الطبيعية، لذا خرجت العديد من المبادرات الدولية لأجل مواجهة التغيرات المناخية مثل أهمية التقليل من الانبعاثات الحرارية تبني خطة تنمية مستدامة قائمة على استغلال الموارد المتجددة للطاقة والاعتماد على الاقتصاد الأخضر والأزرق لمواجهة تحديات التغيرات المناخية.

كانت ولا تزال القارة الأفريقية حاضرة بقوة في الدراسات البيئية والجيوسياسية المتعلقة بالتغيرات المناخية، إذ تنبأت أغلب تلك الدراسات بجفاف شديد يضرب منطقة الصحراء الكبرى وحوض بحيرة تشاد والقرن الأفريقي، كما تم ارجاع النزاعات الإثنية الأخيرة في القارة إلي التغيرات المناخية، إذ أدت موجات الجفاف المتلاحق إلي تصاعد النزاع بين الرعاة والزراع حول موارد المياه كما هو الحال في إقليم دارفور غرب السودان وأزمات جماعة الفولاني في شمال ووسط مالي وشمال نيجيريا.

رغم الصورة السوداوية حول مستقبل القارة في ظل التغيرات المناخية، يتبادر إلى ذهنى تساؤل حول إمكانية مواجهة القارة الأفريقية للتغييرات المناخية؟ الإجابة على هذا التساؤل معقدة نوعا ما نظرا  لأن عملية استشراف مستقبل القارة في ظل الظاهرة المناخية أمر يرتبط بالعديد من الظواهر الأخري الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها حاليا الدول الأفريقية.

يحضرني في هذا السياق الفيلم الأمريكي «2012» ـــــــ الذي تم انتاجه في عام 2009ــــــ المتحور حول أسطورة «شعب المايا» التي تتحدث عن نهاية العالم في عام 2012 جراء كوارث طبيعية مثل الفيضانات العارمة وتؤدي إلي تدمير  جميع القارات ماعدا القارة الأفريقية التي نجت في الصمود أمام تلك الكوارث، لذا نأمل أن تصمد القارة السمراء أمام التغيرات المناخية مثلما صمدت ميثولوجيا هوليود الدرامية.

تحدى مزدوج

مبدئيا يجب إدراك أن أزمة التغيرات المناخية بحالها لن تشكل خطر جوهري على مستقبل أفريقيا، فالأزمة يتعاظم تأثيرها وتصبح أكثر تهديدا إذا تم ربطها بأزمات وظواهر أخرى أهمها التغيرات الديمغرافية التي طرأت على القارة الأفريقية منذ الاستقلال.

استقبلت القارة الأفريقية الألفية الجديدة بتعداد سكان يبلغ حوالي 783 مليون نسمة تقريبا، أما اليوم فيبلغ اجمالي تعداد سكان أفريقيا مليار ومائتي مليون نسمة على الأقل، الأمر الذي يؤدي إلي ضغطا متزايدا على الموارد الطبيعية في القارة خاصة المياه والمراعى الصالحة والأراضي القبلة للزراعة، ففي عام 2009 تنبأ منتدى الخبراء الرفيع المستوى التابع لمنظمة الأغذية والرزاعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بانخفاض سلة الحاصلات الزراعية المعتمدة مياة الأمطار بنسبة 50% على الأقل وهو ما سينجم عنه أزمة غذاء متفاقمة في القارة، أما على مستوى المياه، فتشير  الدكتورة أماني الطويل في تقرير لها منشور على موقع اندبندت عربي بأن هناك تسع دول أفريقية دخلت في مرحلة الفقر المائي وأن نصيب الفرد فيها من المياه تام تحديدة بـ 10 لتر من المياه.

يدفعنا الترابط بين ظاهرتي التغير المناخي والزيادة الديمغرافية في أفريقيا، إلي إيلاء اهتمام متعال للتنبؤ بالمخاطر الجيوسياسية للتغيرات المناخية في القارة الأفريقية وذلك من أجل تقديم المساعدة لصناع السياسات العامة في القارة الأفريقية من أجل تدارك الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

تحرك أفريقي مبكر

مما لاشك فيه أن الأزمات البيئية مثل الجفاف والتصحر وانخفاض نسبة الأمطار التي تعرضت لها القارة الأفريقية خلال العقود الماضية وتحديدا خلال الفترة الممتدة ما بين السبعينيات والتسعينيات، كانت بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي لأهمية التغييرات البيئية، فنتيجة حالة الجفاف والاحترار التي أصابت القارة الأفريقية نهاية الثمانيات قرر الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في عام 1988 بتشكيل فريق من العلماء والأكاديميين وخبراء الأرصاد الجوية في دراسة التغيرات المناخية وأثرها على الحياة الانسانية.

وأسفرت الجهود الأممية إلي تحفيز المجتمع العلمي العالمي لأهمية التغيرات المناخية وإنشاء العديد من مراكز  مراقبة الجفاف في معظم الأقاليم الأفريقية الشرق والوسط والغرب والجنوب، للتنبؤ بالمتغيرات الحديثة في البيئة والمناخ.

جاء التحرك الأفريقي لمواجهة التغيرات المناخية مبكرا ففي عام 1985 تم انشاء «المؤتمر الوزراري الأفريقي المعني بالبيئة» (AMCEN) بهدف صياغة سياسات عامة أفريقية من أجل معالجة قضايا البيئة، هذا بالإضافة إلي تدشين عدد من المراكز الرئيسية المتعلقة بدراسة أحوال المناخ منهم المركز الأفريقي لتطبيقات الأرصاد الجوية من أجل التنمية «أكماد»،

بادرة تفاؤل

اعتبرت الأمم المتحدة أن عام 2020 هو عام المحيطات، إذ كان من المستهدف خلال العام الجاري أن يتم اجراء أربعة اجتماعات أممية رفيعة المستوى بشأن التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة وتغير المناخ وذلك من أجل تعزيز الاقتصاد الأزرق، إلا أن ظروف جائحة كورونا حالت دون تحقيق تطلعات الأمم المتحدة والعالم.