كتبت – أسماء حمدي
في إثيوبيا لا تقل طقوس إعداد القهوة أهمية عن تناولها، إذ تبدأ هاجري بيكيلي، التي تعيش في كافا، موطن القهوة في البلاد، بتحميص الحبوب الخضراء ثم تطحنها يدويًا وتقوم بتحضيرها في الجبينة، وهو وعاء فخاري منتفخ طويل العنق، ليصبح المشروب جاهزًا عند الغليان.
يقدم ابنها أبراهام المشروب في أكواب صغيرة مملوءة حتى حوافها، إلى جانب قطع سميكة من الخبز وحفنات من الحبوب المحمصة، وهي وجبة خفيفة تسمى كولو، وعندما يشرب الكوب الأول، تقوم هاجري بتحضير القهوة مرتين أخريين، وبشكل عام، يعتبر عدم تقديم 3 أكواب أمرًا غير لائق كما تقوم هاجري بحرق البخور، وتقول إن رائحته تعزز طعم القهوة، ويعتقد البعض أنه يبعد الأرواح الشريرة.
تحضير القهوة
تستغرق عملية تحضير القهوة الإثيوبية حوالي ساعة، ولجعل الأمور أكثر كفاءة، ولضمان حصولهم على جرعة منتظمة من الكافيين طوال اليوم، تتقاسم هاجري عملية تحضير القهوة مع جيرانها، فهي المسؤولة عن إعداد القهوة وقت الغداء، بينما يتولى جارها، وينيتو جبري، مهمة إعداد القهوة في الصباح، وفي المساء يذهب الجميع إلى حماة هاجري، إنه نظام مطبق منذ عقود ويتم تكراره، بأشكال مختلفة، في ملايين المنازل كل يوم في جميع أنحاء إثيوبيا.
وفي حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية، تقول هاجري: “من المستحيل بالنسبة لنا أن نعيش بدون قهوة، إنها لا تقل أهمية عن الغذاء بالنسبة لنا، وعندما نشربها نشعر بأننا أقوياء”.
في معظم أنحاء إثيوبيا، يتم تحلية القهوة بملاعق صغيرة من السكر، لكن معظم الناس في هذه المنطقة من الجنوب الغربي يفضلونها بدونه، لكن البعض يضيف الملح.
وفي المناسبات الخاصة، يتم إضافة خليط من الزبدة الممزوجة بالريحان والأوريجانو والهيل، وهو ما يقول وينيتو إنه أفضل مذاق، فيما يقول آخرين أنه يتم إضافة التينادام، أو الحرمل، وهو عشب طبي.
تعتبر طقوس شرب القهوة أمرًا أساسيًا في الحياة اليومية، وهي فرصة لمناقشة الأخبار والتخطيط للعمل في المزرعة والعدديد من الأشياء، يقول وينيتو: “إذا شعرنا بالاكتئاب، فإن ذلك يساعدنا على النهوض”.
يستغرق شرب القهوة بعض الوقت في إثيوبيا، لكن لا يعتبر الجميع أن ساعات شرب القهوة أمر جيد، إذ يقول بوجال ديسالين، الذي يعيش على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام: “أنا لا أوافق على ذلك، الاجتماع معًا وشرب القهوة يستغرق وقتا طويلا، ومن الأفضل أن أعمل في هذا الوقت، على الرغم من أنه لا يزال يشرب حوالي 4 أكواب في اليوم، مضيفا: “كانت عائلتي تتناوب مع 10 أسر أخرى، لكننا الآن نشرب القهوة معًا فقط في أيام العطلات.”
ومثل جميع المزارعين في كافا، يعتمد بوجالي على القهوة، فالحبوب التي يحصدها من هكتار واحد من أشجار البن تدر عليه حوالي 30 ألف بر إثيوبي (حوالي 420 جنيهًا إسترلينيًا) سنويًا، وهو ما يكفي لإدخال أطفاله في المدرسة وشراء سلع لا يستطيع زراعتها في مزرعته.


إنتاج البن
ينتج المزارعون الذين يزرعون البن في إثيوبيا، والبالغ عددهم 5 ملايين، نصف مليون طن من الحبوب سنويا، مما يجعلها خامس أكبر منتج في العالم، تعد القهوة أكبر صادرات البلاد وتوظف حوالي 25٪ من السكان بشكل مباشر أو غير مباشر، يقول بوجالي: “لقد جعلت القهوة من كافا مكانًا ثريًا”.
تعد غابات كافا واحدة من الأماكن القليلة التي تنمو فيها القهوة بريًا، وتزعم المنطقة أنها مسقط رأس حبوب أرابيكا، وتقول الأسطورة المحلية أن القهوة تم اكتشافها هنا على يد راعي ماعز يُدعى كالدي، الذي قرر تجربة حفنة من حبوب البن بعد ملاحظة التأثيرات المنشطة التي أحدثتها على ماعزه عندما قضموا بعضًا منها عن غير قصد، وبعد ذلك بوقت قصير، بدأ الكهنة في مضغ حبوب البن لإعالة أنفسهم خلال جلسات الصلاة الطويلة.
وانتشرت القهوة بعد ذلك من أديرة إثيوبيا إلى العالم العربي، ثم إلى أوروبا في نهاية المطاف، بحسب القصة، ومن المحتمل أنها ملفقة، لكن رواتها يشيرون إلى أن الكلمة العربية الحديثة التي تعني القهوة (القهوة) تبدو مثل كافا.
طقوس عريقة
اليوم، أصبحت احتفالات القهوة ذات الطقوس العريقة ركيزة أساسية لحفلات الزفاف والجنازات والاحتفالات الدينية في إثيوبيا، وجزءًا من نسيج اجتماعي مشترك يساعد على ربط بلد شاسع جغرافيًا ومتنوع ثقافيًا يبلغ عدد سكانه حوالي 120 مليون نسمة، إذ تحضر النساء القهوة في الجبينات على مواقد الفحم في كل مكان في مدن إثيوبيا، ويتواجدن في كل زاوية من الشوارع تقريبًا.
تحظى المقاهي ذات الطراز الغربي التي تقدم الماكياتو بالحليب بشعبية متزايدة أيضًا، وقد ظهرت هذه المنتجات لخدمة الطبقة المهنية سريعة النمو في إثيوبيا، والتي ليس لديها الوقت الكافي لصنع القهوة التقليدية في المنزل، وتعد السلسلة الأكثر شهرة هي Tomoca، والتي تتخصص في الحبوب المحمصة داكنة اللون، وصممت مقاهيها على طراز مقاهي الإسبريسو الإيطالية، مع طاولات عالية وبدون مقاعد، والتي تأسست عام 1953 ولكنها توسعت بسرعة في السنوات الأخيرة، مع أكثر من 20 فرعًا، فهو أقرب ما تمتلكه إثيوبيا إلى ستاربكس.
يقول تيسفاميكائيل وولد، وهو محاسب يشرب القهوة في فرع توموكا بوسط أديس أبابا، إنه عندما كان ينشأ في جوراج، وهي منطقة ريفية جنوب غرب العاصمة، كانت عائلته تتقاسم عملية صنع القهوة مع 7 عائلات أخرى، وكان دورهم يوم الأربعاء، أما الآن، فهو يشرب القهوة في الغالب خارج منزله بسبب وتيرة الحياة السريعة في المدينة.
يقول تيسفاميكل: “لتحضير القهوة التقليدية، تحتاج إلى وقت، لذلك لا يمكننا القيام بذلك كل يوم، لكن مذاقها هو الأفضل، وما زلنا نحاول الحصول عليها عندما نستطيع، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع”.