كتب – حسام عيد

قد لا تكون أفريقيا هي القارة الأولى التي تخطر ببالنا عند التفكير في المدن المكسوة بالضباب الدخاني. لكن قد تتصدر المشهد، إذا نمت المراكز الحضرية بها بأسرع ما يمكن التنبؤ به دون إجراء فحوصات كافية على التلوث أو حركة المرور. يمكن أن ينمو عدد سكان الحضر في القارة بأكثر من نصف مليار شخص بحلول عام 2040. وهذا يمثل معدل نمو أعلى مما شوهد في المراكز الحضرية في الصين على مدى عقدين من النمو الاقتصادي هناك ، مع نفس المخاطر المرتبطة بذلك، وفقًا للإحصاءات الأخيرة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية (IEA).

المشكلة بالفعل أصبحت ملحة بشكل متزايد، وهذا ما دفع العديد من المدن الأفريقية سريعة النمو إلى اتخاذ خطوات لتقليل الازدحام والتلوث.

إشكالية خلق بيئة صحية مستدامة

في أبريل 2020، أفاد باحثون في جامعة برمنجهام في المملكة المتحدة في تقرير، أن مستويات تلوث الجسيمات في العواصم نيروبي وكمبالا وأديس أبابا زادت بنسبة 182% و162% و62% على التوالي بين السبعينيات والفترة الحالية. وقد اعتمد البحث على البيانات المتاحة، حيث كانت المراقبة المباشرة لجودة الهواء محدودة في أفريقيا.

وقال أجيت سينج، أحد الباحثين المشاركين في إعداد التقرير، إن الدلائل تشير إلى أن جودة الهواء المحيط في المواقع الحضرية الأفريقية غالبًا ما تكون سيئة، بسبب ارتفاع معدلات التحضر والنمو السكاني الذي يؤدي إلى البناء على نطاق واسع، وزيادة استخدام الطاقة، وانبعاثات المركبات والتصنيع.

وأوضح الباحثون أن جودة الهواء الرديئة شكلت عائقًا أمام التنمية من خلال زيادة الإنفاق على الصحة، وفقدان إنتاجية العمل، وتأثير المرض على التعليم.

وبدورها، لاحظت منظمة النقل المستدام في أفريقيا -منظمة غير حكومية مسجلة في كينيا- التأثير غير المتكافئ للتلوث الحضري على مناطق مختلفة من السكان. فقراء الحضر هم الأكثر معاناة، لأنهم غالبًا ما يعيشون أو يعملون في المناطق الأكثر تلوثًا، ويصابون بأمراض مرتبطة بالتلوث تعيق قدرتهم على كسب لقمة العيش، وهم الأقل قدرة على تغطية تكاليف الرعاية الصحية. هم أيضًا الأشخاص الأقل احتمالية لامتلاك سياراتهم الخاصة، لذلك يشعرون بأكبر الآثار السلبية لتلوث النقل، بينما لا يستفيدون كثيرًا من النقل نفسه.

ورغم ذلك، مع استمرار المرحلة الأكبر من التحضر في أفريقيا، فإن البلدان لديها الفرصة لتنفيذ الدروس المستفادة بالطريقة الصعبة في أجزاء أخرى من العالم واتخاذ التدابير لضمان الانتقال للمرحلة التالية بطريقة أكثر صحة واستدامة.

هواء أنظف.. إمداد موثوق

إن السرعة والطريقة المجزأة إلى حد ما التي ظهرت بها العديد من المدن الأفريقية الكبيرة التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة تخلق مشاكل من حيث توفير الطاقة. لا ترتبط العديد من المنازل والشركات بإمدادات شبكة وطنية أو إقليمية موثوقة، مما يترك السكان يعتمدون على مولدات الديزل الملوثة.

وتثبت الشبكات الصغيرة أنها جزء مهم من الحل في بعض أجزاء القارة. الطاقة التي توفرها لا تحل محل توليد الديزل “القذر” فحسب، بل إنها رخيصة نسبيًا وسريعة التركيب مقارنة بوصلات الشبكة الوطنية. يمكن أن يكون حجمها المقيد أيضًا ميزة في المدن حيث يمكن أن تتعثر عملية التخطيط للكهرباء على نطاق واسع بسبب الروتين.

في حين أن البيئة التنظيمية في بعض البلدان الأفريقية لا تزال صعبة بالنسبة لمطوري هذه المشاريع الأصغر حجمًا ، كان بعضها أكثر استيعابًا.

وتهدف مبادرة الاقتصادات النشطة في نيجيريا (EEI) ، التي دُشنت في إطار وكالة كهربة الريف، إلى تعظيم فوائد هذا النهج من خلال إطلاق برنامج لتوفير الوصول إلى الطاقة إلى 100 ألف مؤسسة في المراكز الاقتصادية، مثل الأسواق التي لا تعد ولا تحصى ومجمعات التسوق في البلاد، وكذلك التجمعات “التكتلات” الزراعية والصناعية.

سيحصد الملايين من الأشخاص الذين يعملون في هذه المراكز أو يستخدمونها الفوائد. 70% من الطاقة مصممة لتأتي من مصادر متجددة، ولكن حتى في حالة عدم توفرها، فإن الإمداد من محطة طاقة محلية سيكون أنظف من آلاف مولدات الديزل غير الفعالة.

هذه مشاريع منتجة طاقة مستقلة (IPP) لذا فقد أتاحت أيضًا فرصة للشركات الناشئة في القطاع الخاص. على سبيل المثال، في مدينة لاجوس النيجيرية -حيث تكمن المشكلة الرئيسية في إمداد الشبكة غير المنتظم- طورت شركة “سولاد القابضة للطاقة”، وهي مؤسسة مملوكة للقطاع الخاص في نيجيريا وملتزمة بالاستثمار في المناطق الطبيعية الغنية بالطاقة، نظام يولد طاقة بحجم 1.5 ميجاوات خارج الشبكة لمجمع سورا للتسوق.

يمكن الآن لأكثر من 1000 متجر، معظمها شركات تصنيع وتوزيع متوسطة الحجم، الاستفادة من مصدر طاقة مستقر يستخدم الكهرباء الزائدة من محطة توليد الكهرباء في جزيرة لاجوس عبر شبكة توزيع بطول 2 كم. تعد تكلفة وحدة الطاقة أعلى مما كانت عليه قبل تقديم إمداد IPP في عام 2018، ولكن القياس الذكي والموثوقية -التي تقلل من تكاليف الديزل- جعلتها بشكل عام شائعة بين أولئك الذين لديهم احتياجات أكبر للكهرباء.

مثال آخر؛ هو نظام الطاقة خارج الشبكة الذي يعمل بالغاز ويولد طاقة بحجم 9.5 ميجاوات والذي بناه مستثمرون من القطاع الخاص لتزويد ما يصل إلى 47 ألف متجر وشركة صغيرة تعمل في سوق أرياريا الدولي في أبا، بولاية أبيا في الجزء الجنوبي الشرقي من نيجيريا، والذي تم تشغيله في يناير 2019.

يتضح تزايد اهتمام المستثمرين بهذا القطاع في نيجيريا، أكثر بلدان القارة الأفريقية اكتظاظًا بالسكان، من خلال قدرة الشركة النيجيرية الناشئة “رينسورس” للطاقة الشمسية، على جمع 20 مليون دولارًا للاستثمار في مشاريع لتزويد الأسواق الحضرية بالطاقة. وتوفر الشركة الطاقة عبر الألواح الشمسية والبطاريات ونظام إدارة الطاقة، مدعومًا بتوليدها الاحتياطي من الديزل، إضافة للعدادات الذكية. وتستخدم الشركة هذا النموذج بالفعل لمشروع الشبكة المصغرة لمتجر “سابون جاري” في مدينة كانو  مما يوفر الطاقة لأكثر من 11 ألف متجر عبر الألواح الشمسية المنتشرة عبر أسطح السوق.

الشوارع الذكية

يعد تنظيف أسطول السيارات المتنامي في أفريقيا -السبب الرئيسي الآخر للتلوث الحضري- مشكلة أكثر تعقيدًا، لكن بات من الممكن معالجتها. اليوم، أصبحت أوغندا ورواندا من بين البلدان التي تعمل على تطوير قدرات تصنيع السيارات الكهربائية.

لكن لا أحد يتوقع أن يتحول السائقون الأفارقة بأعداد كبيرة إلى السيارات الكهربائية في أي وقت قريب، وذلك لعدة أسباب، منها؛ التكلفة العالية وضعف البنية التحتية للطاقة والتوزيع المحدود.

ومع ذلك، يوفر النقل العام المحسن فرصًا للحد من التلوث الحضري من خلال تقديم بديل أكثر نظافة للمركبات الحالية.

ومؤخرًا، أدخلت مصر أول حافلات كهربائية -مصنوعة في الصين- على طريق بطول 25 كيلومترًا في القاهرة، حيث وقعت الحكومة اتفاقية مع الشركة الصينية Foton Motor لبناء 2000 حافلة كهربائية على مدار أربع سنوات في مصر ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج في أواخر عام 2020. كما وقعت اتفاقية مع شركة صينية أخرى Geely، لتصنيع السيارات الكهربائية.

وقبل مصر بسنوات قليلة، كشفت شركة كيرا موتورز المملوكة للدولة في أوغندا في عام 2016 النقاب عن حافلة كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية تم بناؤها بالشراكة مع شركة صينية، تعمل بألواح شمسية في السقف. وقد أنتجت أيضًا حافلة تقليدية تعمل بالبطارية الكهربائية.

لا يجب أن تكون الحافلات كهربائية لإحداث فرق بالطبع، فنظام النقل العام المخطط له جيدًا يقلل من التلوث والازدحام، عن طريق إبعاد المركبات الأخرى عن الطرق الحضرية.

وقد أصبحت أنظمة النقل السريع القائمة على الحافلات منتشرة في مدن أفريقية مختلفة. في هذا الصدد، غالبًا ما يُستشهد بدار السلام، المركز التجاري في تنزانيا وموطن 6 ملايين شخص، كمثال لما يمكن تحقيقه.

ويعتبر دار النقل السريع (DART)، مثال لمشروع أدى تنفيذه منذ مايو 2016 إلى تحسين حياة التنزانيين بشكل ملموس ويُظهر أن الإجراءات التي يتم اتخاذها بسرعة يمكن أن تساعد في تشكيل حياة المدينة للأفضل.