كتبت – أماني ربيع

لرمضان في جنوب أفريقيا سحر خاص، فبرغم قلة عدد المسلمين هناك إلا أن تنوعهم الإثني يجعل الطقوس الرمضانية متنوعة وثرية، نظرًا لتمثيل إثنيات مختلفة الإسلام في البلاد، وكل إثنية حريصة على الاحتفال بالشهر الكريم وفقًا لثقافتها.

وينقسم المسلمون في أفريقيا إلى 3 إثنيات: الإندونسية الماليزية، والهنود، وذوي البشرة السوداء، بهيمنة لذوي الأصول المالاوية الإندونسية للهنود، الذين يمثلون 96 من إجمالي المسلمين، في الوقت الذي لا يمثلون فيه سوى 11% من  سكان البلاد بنسلة 8.6 ملونين، و2.61 من الهنود.

وبينما تصل نسبة ذوي البشرة السوداء إلى 3.5% من إجمالي المسلمين في البلاد، إلا أنهم يمثلون 75% من إجمالي سكان جنوب أفريقيا، ويتركز الهنود في إقليم الناتال، بينما يعيش أغلب الإندونسيين الماليزيين في الكيب.

وجلب الاستعمار الهولندي الكثير من أهالي إندونيسيا كرق، خلال القرنين 16، و17، وفي فترة الفصل العنصري بالبلاد أصبح لجزء الذي يعيشون فيه في الكيب معروفًا باسم “كيب مالي”، تيمنًا باسم المنطقة التي أتوا منها والتي تمتد حاليًا بين إندونسيا وماليزيا وسنغافورة.

حضور المجتمع المحلي

ويحرص على إحياء المظاهر الرمضانية في البلاد كل عام ما يقرب من 500 مسجد و408 معاهد تعليمية للدراسات الإسلامية، وكذلك كلية العلوم الإسلامية، حيث تتبارى في عقد الخطب الدينية عن الدين الإسلامي، والحديث عن فضائل الشهر الكريم.

واللافت في جنوب أفريقيا هو تكاتف المجتمع الإسلامي المحلي بكل مؤسساته من إذاعة وصحف ومؤسسات دينية لدعم الثقافة الإسلامية، وضمان نشر الروحانيات خلال الشهر الكريم ومنحه نكهة خاصة لدى المسلمين، خاصة وأن عدد المسلمين لا يتجاوز 2% من إجمالي السكان، وبالتالي لا تقدم الدولة أي احتفاء بمناسبة خاصة بأقلية في البلاد.

ويظهر دور المنظمات الإسلامية المحلية في البلاد خلال الشهر الكريم، ليس فقط لحثّ الناس على الصوم، بل يحاولون تطبيق فكرة رمضان كشهر للخير، ويوزعون المساعدات الإنسانية على الفقراء، والبحث عن المحتاجين، وأهم تلك المنظمات “لجنة مسلمي أفريقيا” و”لجنة هلال الرجاء”، بالإضافة إلى الجمعية الطبية الإسلامية، وما يميز هذه الجماعات أنها تقدم مساعداتها لكل المحتاجين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

وتمارس الإذاعة في جنوب أفريقيا دورًا كبيرًا في نشر تعاليم الإسلام عبر أثير الراديو، حيث توجد أكثر من محطة إذاعية إسلامية، وتحرص كل عام على بث صلاة العشاء والتراويح في الولايات التي يكثر فيها المسلمون، مثل: إذاعة الأنصار في ديربان، وإذاعة إسلام في جوهانسبرج، وإذاعة 786 في كيب تاون.

ويتلمس المسلمون هناك أي شيء يخص عقديتهم؛ لذا يتابعون في نهم الدروس الدينية، ويُقبلون على قراءة الصحف المتخصصة في الدين الإسلامي، حيث يجدون فيها كل ما يجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم بخصوص قضايا الصيام، وغيرها من قضايا الإسلام، وتحرص تلك الصحف على تغيير المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي وتقديم نصائح للصائمين ليؤدوا فريضتهم بالشكل الأمثل، ومن هذه الصحف: “القلم”، و”رؤى المسلمين”، و”الأمة”، و”المفتاح”.

انقطاع للعبادة

كل من يذهب إلى جنوب أفريقيا في رمضان يعود بذكريات لا تنسى، نظرًا لكرم المسلمين هناك وحبهم للناس واحتفالاتهم المبتهجة بقدوم شهر الخير، حيث يزداد سخاءهم في العطاء للمسلمين وغير المسلمين.

ورغم حرارة الطقس ووصول ساعات الصيام إلى 12 ساعة، يؤدي المسلمون في جنوب أفريقيا الفريضة في إيمان وحب، تقربًا إلى الله.

وتشهد المساجد خلال رمضان إقبالًا كبيرًا من المصلين الذين يفدون للصلاة والاستماع إلى الدروس الدينية، ويعتبرون اللون الأخضر محببًا في الإسلام، لذا تضاء المساجد من الخارج خلال الشهر الكريم بهذا اللون لإعطائها هالة من القدسية، وأشهرها مسجد “نظامي” أو “نيزامي”.

ويتشارك الرجال والنساء الصلاة في المساجد خلال التروايح، وهناك أماكن خاصة لصلاة النساء، بحيث يتساوى الجميع في استقبال روحانيات الشهر الكريم، وينقطع المسلمون في البلاد عن أي إلها عن العبادة، فهم يعتبرون رمضان شهرا خاصا بالطاعة، لذا يقبلون على قراءة القرآن، فرمضان هو شهر كتاب الله، ويصبح هذا نشاطهم الأول خلال أيام الصيام.

ومن الطقوس الرمضانية في جنوب أفريقيا زيارة قبور الموتى والدعاء لهم في طقس يمنحهم العظة، وفي نفس الوقت يمنحون الأنس لموتاهم ويتذكرونهم.

ويبدأ المسلمون من ذوي الأصول الهندية إفطارهم بالتمر والماس والمقبلات مقل السمبوسك والفطائر المحشوة بالجين أو اللحم، ثم يقومون لصلاة المغرب، وبعدها يتناولون وجبة الإفطار الرئيسية، التي تتكون عادة من المكرونة أو خبز الروتي وطبق حساء هندي تقليدي، أو طبق فيرني، وهو عبارة عن سميد حلو وبارد، ويتناولون الشطائر المحمصة مع الشاي.

بينما يتناول المسلمون من ذوي البشرة السوداء أطعمة خاصة بالثقافة الأفريقية مثل العصيدة، والدجاج والخبز المحلي.

ويختبر مسلمو جنوب أفريقيا في رمضان نقص الطعام ليشعروا بمن هم أكثر احتياجًا من الفقراء والجائعين، لذا يسعون خلال الشهر الكريم للتكافل فيما بينهم، وفي مدينة كيب تاون يحرص المسلمون على إعداد موائد إفطار جماعية للمسلمين وغير المسلمين، تقوم كل أسرة بإعداد طعام ومشاركته مع المحتاجين على مائدة كبيرة تجمع كل الناس، ومع اقتراب عيد الفطر، يطرق الأطفال أبواب الجيران ليطلبوا الكعك، ويكملون لعبهم في الشارع.