كتب – أماني ربيع

لرمضان في نيجيريا نكهة خاصة، حيث يمتزج الإسلام بالتراث الأفريقي، ونرى ذلك في الأكلات الشهيرة على موائد الإفطار، وكذلك الميل إلى الاحتفال بالموسيقى والغناء.

دخل الإسلام نيجيريا في القرن التاسع الميلادي، ويشكل المسلمون نحو نصف تعداد نيجيريا الذي يتخطى الـ 180 مليون نسمة، يتركزون في الولايات الشمالية، حيث يمثلون 90% من سكانها، ويمثلون في الجنوب نحو 50/% من السكان.

يشعر الناس بفرحة عارمة عند دخول شهر رمضان، حيث يشعرون أنهم واثقين من القبول في الجنة عبر عمل الخيرات، والاجتهاد في الطاعة.

وطقوس نيجيريا في استقبال رمضان احتفالية، فمع ثبوت رؤية الهلال، يتجمع المواطنون المسلمون ويطوفون شوارع المدن الرئيسية حاملين الطبول، ومرددين الأغاني والأناشيد تعبيرًا عن سعادتهم بقدوم الشهر الكريم، وهم يفضلون رؤية الهلال بالعين المجردة ويأخذون بتلك الرؤية عن الجهات الموثوق فيها، حيث لا يتبعون أي دولة أخرى.

وتنطلق النساء في جماعات إلى الأسواق لشراء مكونات الأطعمة المختلفة ومستلزمات البيت، ويعتبر النيجيريون الفاكهة من الأساسيات في رمضان، ولذلك عند قدوم رمضان ترتفع أسعارها.

فرق المسحراتية

ويميل المسلمون في شهر نيجيريا إلى الاجتهاد في العبادة، عبر الذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وبدلًا من الاستسلام لشهوة الطعام عند الإفطار، يتناولون طعامًا خفيفًا، ثم يهرع الرجال إلى المساجد للصلاة والاستماع إلى الدروس الدينية والذكر.

وبعد صلاة التراويح، يتجمع المصلون لقراءة الأذكار بشكل جماعي، وتُخص كل ليلة رمضانية بذكر معين، ويجلسون للاستماع إلى فضائل الشهر الكريم وصيامه وقيامه، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان تمتلئ المساجد بالمعتكفين لإحياء الليلة الكريمة.

ومن المظاهر الرمضانية الشهيرة في نيجيريا، “فرق المسحراتية”، وتعتبر من الأمور التي تعبر عن خصوصية الشعب النيجري الذي يمزج تراثه الأفريقي الوطني بعقيدته الإسلامية، فيتجمع بعض الشباب يغردون بأصواتهم أناشيد وأغاني دينية على أنغام الدفوف والطبول وآلات النفخ، وهو يشبه الطبيعة الأفريقية التي تميل للتعبير عن تفاصيل حياتها بالموسيقى والغناء.

مهمة هذه الفرقة هي إيقاظ الناس للسحور وصلاة القيام، وتبدأ مهمتها قبل الفجر، وتقوم بالترفيه ونشر البهجة في الشوارع النيجيرية.

وتميل الأسر النيجيرية إلى التجمع على مائدة إفطار واحدة عقب صلاة المغرب، أحيانًا تشترك النساء في صناعة الطعام سويا، أو تقدم كل واحدة طبقا أعدته على حدة، ويتم تبادل الأطباق فيما بينهم وتقسم بين مائدتين واحدة مخصصة للنساء وأخرى للرجال.

معدة خفيفة لأجل الخشوع

ولا يأكل النيجيريون وجبتهم الرئيسية عند الإفطار مباشرة، ويفضلون تناول مشروب “الكانو” المصنوع من الذرة والتمر هندي، ويفضلون تناوله ساخنا لاعتقادهم في أنه يقوم بتهيئة المعدة للإفطار، ومعه يتناولون “الكوسي” وهي طبق يعد من البصل المفروم مع الزيت والملح، ويتناول مع الفلفل الحار “ياجي”، ويعتبران من أساسيات وجبة الإفطار على المائدة الرمضانية في نيجيريا.

وحتى في غير رمضان يتم تقديم “الكانو” و”الكوسي” في أيام الإثنين والخميس، حيث يكون الصيام رائجا بين المسلمين في تلك الأيام أسبوعيا.

وبعد ذلك يذهبون لصلاة العشاء والتراويح بمعدة خفيفة تساعدهم على الخشوع، ثم يعودون لتناول وجبة الإفطار، ومن أشهر الأطباق التي تقدم فيها” “الدويا” وهو طبق يعد من اللحم والأرز والقمح، وبجانبه تقدم سلطة أدنجي.

أما في الجنوب فيتناول المسلمون طبق “إيكومومو” وهي أكلة تصنع من الذرة المطحونة، ووجبة “أولي لي”، أما المشروب الرمضاني المفضل فهو “كوكو” المصنوع من الذرة المضاف إليها السكر، بالإضافة إلى عصائر الفاكهة.

ويميل النيجيريون عادة إلى تناول أطباق البقوليات المضاف إليها مرق اللحم، والنشويات والأسماك، وكل الأطباق الثقيلة في وجبة السحور التي تعتبر الوجبة الرئيسية.

ويبدأ السحور في ساعة متأخرة من الليل، وتتكون من طبق “التو” وهو مزيج من الخضار وصلصة الأرز والعصيدة، و”الدويا” المحضرة من البطاطا و”دان ـ واكي” المصنوعة من الطحين، وطبق شوربة الفلفل الحار، والبعض يفضل تناول العصيدة، وبعد الانتهاء من الطعام يتناولون الشاي واللبن.

ويُطلق النيجيريون على وجبة السحور “ساري”، بينما تسمى وجبة الإفطار “إستيو”.

ومن الأمور المحببة في رمضان تناول “موز الجنة” حيث يكثر النيجريون من تناوله، وهو من أجود أنواع الموز ومذاقه رائع، ولذلك أطلق عليه الأجداد “موز الجنة”، ويعتبر ضيفا عزيزا على المائدة الرمضانية.

ويتبادل الجيران والأقارب الأطباق الرمضانية، ومن المشاهد الرائجة أن ترى الصحون والأواني تدور من بيت لبيت حاملة الأطعمة اللذيذة.

ومن الطقوس الثابتة في رمضان إقامة موائد الوحدة، حيث يبادر أساقفة الكنائس في إقامة موائد إفطار يدعون فيها المسلمين كنوع من التآخي ورغبة في إخماد الفتن وإسكات المتعصبين، وإرساء قيم التسامح.

وبدورهم يقوم شيوخ المسلمين في المساجد بإلقاء دروس عن التسامح والتعايش بين المسلمين وغيرهم، والحث على نبذ التعصب والتطرف.

وتنتشر في المساجد بنيجيريا خلال رمضان مجالس تعرف باسم “جلسات التفسير”، وهي جلسات يقوم فيها علماء الدين بتلاوة القرآن وشرحه وتفسيره باللغة المحلية، وتنتشر هذه المجالس في أنحاء البلاد، حيث يعتبرون رمضان شهر القرآن، الذي يجب الاحتفاء به، وتقام تلك الجلسات بعد العصر، وعقب صلاة التراويح.