حسام عيد – محلل اقتصادي

“الجابون تمتلك القدرة على تجربة الابتكار الحقيقي وإعادة تعريف كيفية تعاون الحكومات والقطاع الخاص لخلق نمو مستدام، نحن نريد خلق الإمكانات طويلة المدى لشعوبنا وإطلاق عنانهم للابتكار، حتى نسمح لهم بالتنافس، ليس فقط مع بعضهم البعض أو مع جيرانهم في القارة الأفريقية، فحسب، ولكن أيضًا مع كبرى الدول العالمية، لديّ إيمان واعتقاد راسخ أن هذه الأفكار هي حجر الأساس لنموذج التنمية للألفية الثالثة، وهو نموذج يعترف العالم بأسره بأنه ضروري”. هكذا كشف الرئيس علي بونجو أونديمبا، عن أهداف وطموحات بلاده نحو التحول لاقتصاد تنافسي قائم على المعرفة والابتكار.

استراتيجية التحول لاقتصاد ناشئ

وتعتبر الجابون واحدة من أكبر عشرة منتجين للنفط في أفريقيا، بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى؛ نظرًا لأن معدلات الإنتاج الحالية تدور حول 200 ألف برميل يوميًّا، فيما كان قطاع الهيدروكربون أحد أعمدة اقتصاد البلاد لأكثر من خمسة عقود، وما زال محركًا لا مثيل له للنمو.

ومع ذلك، تركز الجابون -منذ عام 2009- على تحديث اقتصادها وتنويعه من خلال تنفيذها لخطة استراتيجية من شأنها تحويل الجابون إلى دولة ذات اقتصاد وسوق ناشئ (PSGE)، وذلك عبر دعم وتحفيز من الاستثمارات العامة والخاصة الحيوية، كإنشاء بنية تحتية قوية، وهذا ما يشهده فعليًّا المواطنين بالدولة الواقعة في غرب وسط القارة السمراء، فشبكاتها من البنية التحتية أصبحت تنافسية، متجددة، منصة لوجستية، جاذبة للاستثمار، ومحرك رئيسي لتعزيز التجارة البينية والخارجية، ومن ثم دعم الاقتصاد.

في الآونة الأخيرة، تم تأمين تمويل سيادي بقيمة 350 مليون دولار أمريكي من صندوق البنية التحتية الناشئة في أفريقيا Emerging Africa Infrastructure Fund (EAIF)، لتطوير منشآت جديدة في أعماق البحار في ميناء أويندو Owendo في ضواحي العاصمة ليبرفيل، وسيؤدي ذلك إلى زيادة سعة الشحن العامة للمحطة، مما يضاعف السعة الحالية للميناء.

علاوة على ذلك، هناك أعمال جارية لإنشاء مطار دولي جديد في ليبرفيل، ومن المقرر الانتهاء منه في عام 2022، ويهدف إلى التحول كمركز إقليمي رئيسي، يربط بين الجابون والبلدان المجاورة مع القارة بأكملها، وكذلك الإمارات العربية المتحدة والصين والهند والأمريكتان.

وتعتمد استراتيجية التحول لاقتصاد ناشئ PSGE؛ على ثلاث ركائز رئيسية لتعزيز التنويع: جابون الصناعية، وجابون الخضراء، وجابون الرقمية.

وقد صرح رئيس الوزراء جوليان نكوجي بيكالي: “لقد شرعنا في بذل جهد كبير لتحديث وتنويع الاقتصاد من خلال PSGE”.

وقال، مشددًا: “نعتزم وضع الجابون على طريق مستدام مع إنشاء وتمكين وترسيخ هذه الأسس للتنمية المستدامة”.

جابون الصناعية

تسعى الجابون لتنويع قطاع التصنيع لديها، من خلال المعالجة المحلية لموارد البلاد؛ مثل الخشب والتعدين والزراعة، وفي سبيل خدمة ذلك الهدف خلقت الجابون مناخًا استثماريًّا مفتوحًا أمام الجميع من خلال المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZ) التي تم إنشاؤها في البلاد، مثل منطقة نكوك للتبادل الحر.

وتتمثل المهمة الرئيسية للمنطقة في تطوير صناعات مختلفة، وأبرزها صناعة معالجة الأخشاب، لتشجيع الاستثمار، كما توفر المناطق الاقتصادية الخاصة حالة مالية فريدة لصناعة مناخ اقتصادي مستقر وتنافسي للمستثمرين الأجانب والشركات المرتقبة.

ويقول جابرييل نتوجو -الرئيس التنفيذي للوكالة الوطنية لتشجيع الاستثمار ANPI- “لدينا متجر تسوق هنا. إنه الوقت المناسب، والأسباب موجودة، الجابون هي أرض الفرص”.

وتعد المساحة الواسعة والموانئ الحديثة والإعفاءات الضريبية، بمثابة فرص تيسيرات جاذبة للمستثمرين الأجانب؛ إذ إنها تخلق ظروفًا ملائمة في جميع القطاعات.

ومن حيث التعدين، تشهد الجابون نموًّا ملحوظًا أيضًا؛ نظرًا لأن البلاد تزخر بالموارد الوفيرة من المنجنيز والمعادن الأخرى، وهناك فرص لشركات دعم التعدين لتوفير المعدات الثقيلة للمساعدة في عمليات التعدين.

وحصلت الشركات أيضًا على تراخيص التنقيب عن خام الحديد والنحاس والذهب وحتى الماس، فيما استثمرت الجابون أيضًا في بناء حاجز كهرومائي مصمم لتزويد الطاقة في مصنعي تحويل المنجنيز اللذين يولدان 10% من الإنتاج السنوي، علاوة على ذلك عززت الجابون حوكمة قطاعات التعدين التابعة لها، وتحديدًا من خلال مراجعة كود “مقياس” التعدين من أجل تغيير قطاع الأعمال لجذب المزيد من المستثمرين.

وعلى مسار النهوض بالجابون، كدولة صناعية كبرى، تشهد صناعة الغابات خاصة نموًّا صناعيًّا هائلًا.

ويقول وزير الغابات والمحيطات والبيئة وتغير المناخ، البروفيسور لي وايت: “حقيقة أننا حظرنا تصدير الخشب الخام يعني أن كل الأخشاب يجب أن تتحول، لقد تحولنا من صناعة التصدير إلى صناعة التحول”، نتيجة لذلك تولد فرص جديدة لشركات تصنيع الأخشاب.

جابون الخضراء

ومع تغطية الغابات بنسبة 87% من مساحة الجابون، فإن وضع جهود الحفظ والترميم في صدارة أهداف استراتيجية تحويل الجابون لدولة ناشئة اقتصاديًّا PSGE، وتحاول البلاد زيادة إيرادات قطاع الغابات مع الحفاظ على الممارسات المستدامة بيئيًا وتجنب تدمير الأنواع.

ويوفر القطاع 17 ألف وظيفة وأكثر من 60% من الإنتاج -باستثناء النفط.

ويقول وزير الغابات والمحيطات والبيئة البروفيسور لي وايت: “تتمثل الرؤية في زيادة مساهمة قطاع الغابات في الاقتصاد الجابوني، مع الحفاظ على الغابات، لقد التزمنا باتفاق باريس بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لدينا، وتلعب الغابات دورًا حاسمًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ولتحقيق هذا الطموح، علينا إعطاء قيمة للغابات”.

جابون الرقمية

تعتمد الجابون على الثورة الرقمية، حيث أصبحت مركزًا للخدمات ذات القيمة المضافة العالية، وفي مجال الاقتصاد المالي الرقمي تستخدم الجابون التكنولوجيا للحفاظ على واحدة من أفضل تصنيفات الإدراج والشمول المالي في المنطقة.

ويوضح نيكولاس آشيري أسانغوي -المدير العام الإقليمي لـ”إيكو بنك Ecobank ” في الجابون- قائلًا: “الاستخدام الواسع النطاق للهواتف المحمولة يعني أن Ecobank يمكّن الجابونيين من إجراء معاملاتهم المصرفية من هواتفهم المحمولة أينما كانوا ومتى يريدون، نحن نجعل الخدمات المصرفية في متناول الجميع ومريحة وبأسعار معقولة للجميع في الجابون”.

وختامًا؛ يمكن القول: إن نجاح استراتيجية جعل الجابون دولة ناشئة PSGE وتنويع الاقتصاد يعد بمثابة تجربة تنموية مثيرة للجابون؛ فتوقيت التحول مثالي، ويحتذى به، الجابون لديها إطار قانوني ومالي مستقر، ونظام مصرفي فعال، وبيئة استثمارية مرنة ومتجددة، ونمو سكاني يتناسب مع واحد من أعلى مستويات الدخل الفردي في القارة.

كل تلك المزايا، إلى جانب مبادرات الاستراتيجية الوطنية التنافسية PSGE، تبشر الجابون بآفاق مستقبل مزدهر ومستدام.