كتب – د. محمد فؤاد رشوان

الباحث في الشئون الأفريقية

تقع جزر تشاجوس في المحيط الهندي، وتعرف جغرافيًّا باسم أرخبيل تشاجوس، ويتكون من خمس جزر مرجانية وجزيرة أخرى غير مرجانية، بالإضافة إلى العديد من الجزر المغمورة تمامًا بالمياه، وتقع على بعد 100 كم من جزيرة تشاجوس الكبرى والتي تعد أكبر الجزر المرجانية في العالم من حيث المساحة، وعلى بعد مسافة 2220 كم شمال غرب موريشيوس، وظلت تحت إدارة المملكة المتحدة باعتبارها تابعة لمستعمرة موريشيوس منذ عام 1814 وحتى 1965[i].

وقد ظلت تلك المنطقة غير مأهولة منذ اكتشافها بواسطة البرتغاليين في القرن السادس عشر ولمدة 200 عام حتى نهاية القرن الثامن عشر، حتى تم تحويلها إلى مزرعة لزراعة جوز الهند والزيوت المستخلصة منه، وقد وصل إنتاج الجزر من زيت جوز الهند إلى ما يزيد عن نصف مليون لتر سنويًّا، وظلت الجزر على ذلك الحال حتى أوائل السبيعينات من القرن العشرين حيث تم إخلاء جميع الجزر لإنشاء القاعدة العسكرية الأمريكية دييجو جارسيا، وتم تهجير سكانها إلى موريشيوس وأوروبا، وحتى الآن فإن الجزر الخمس خالية تمامًا من السكان باستثناء الجزيرة التي تحتوي القاعدة العسكرية والتي يعيش فيها بضعة آلاف من الجنود[ii].

لقد بدأت المناقشات عام 1964 بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بشأن استخدام الولايات المتحدة لجزيرة دييجو جارسيا لأغراض الدفاع، حيث أرادت الولايات المتحدة والمنخرطة في الحرب مع فيتنام إنشاء قاعدة عسكرية في المحيط الهندي بهدف منع انتشار الأيديولوجية الشيوعية في العالم الثالث والوصول إلى مناطق الحرب مع فيتنام.

وفي 8 نوفمبر 1965، أنشأت المملكة المتحدة إقليم المحيط الهندي البريطاني (BIOT) وهي مستعمرة جديدة تتكون من أرخبيل تشجوس المنفصل عن موريشيوس، وجزيرة أدلبرا وفاركوهار وداروش المنفصلة عن جزر سيشل، وبين عامي 1967 و1973 تم إخلاء جميع السكان بالقوة وترحيلهم ومُنعوا من العودة مرة أخرى[iii].

خريطة رقم (1)

توضح موقع أرخبيل تشاجوس بالمحيط الهندي

Source: Shagun Gupta, The Chagos Archipelago: A Theatre of Opportunity and Challenge in the Indian Ocean in ORF Issue Brief (New Delhi, Observer Research Foundation, Issue No. 123, December2015)

نشأة النزاع وتطوره

في ا أبريل 2010 أعلن مكتب المملكة المتحدة للشئون الخارجية والكومنولث عن إنشاء منطقة محمية بحرية في إقليم المحيط الهندي البريطاني بموجب مرسوم مدير إدارة أقاليم ما وراء البحار التابعة لوزارة الخارجية، وذلك عبر ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة البالغة 200 ميل بحري من خط الأساس لجزر تشاجوس والتي تقدر بحوالي 544000 كيلو متر مربع أي أكثر من ضعف مساحة المملكة المتحدة.

وقد قررت بريطانيا ذلك بدعوى إقامة أكبر محمية طبيعة لحفاظ على البيئة حول أرخبيل تشاجوس، وهو ما قوبل بتأييد واسع من قبل المنظمات البيئية، إلا أنه قد قوبل بجدل كبير من قبل البرلمان ووسائل الإعلام، وذلك نتيجة لتدخلها في الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورج والمقامة منذ عام 2004 من قبل سكان تشاجوس الأصليين الذين طُردوا بالقوة من أجل إفساح المجال للقاعدة الأمريكية والذين يسعون إلى العودة مرة أخرى إلى أراضيهم[i].

وفى ديسمبر 2010 قدمت جمهورية موريشيوس طعنًا قانونيًّا ضد المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية بشأن ما أعلنته بريطانيا عن منطقة محمية بحرية في المياه المحيطة بأرخبيل تشاجوس، وتم تشكيل هيئة التحكيم الدائمة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للبحار من قبل محكمة التحكيم الدائمة لإجراء التحكيم بشأن ذلك النزاع.

حيث ترى موريشيوس أن بريطانيا قد انتهكت قواعد القانون الدولى واتفاقية الأمم المتحدة للبحار، وكذلك انتهكت بريطانيا تعهداتها التي قدمتها وقت فصل أرخبيل تشاجوس عن موريشيوس وانتهاك حقوقها باعتبارها هي الدولة الساحلية التي تتمتع بحقوق الصيد في المنطقة الملاصقة لأرخبيل تشاجوس[ii].

وقد قضت المحكمة بأن تتعهد بريطانيا أن تظل حقوق الصيد في أرخبيل تشاجوس متاحة لموريشيوس، وكذلك تعهد بريطانيا لموريشيوس حقوقها في أي اكتشافات معدنية أو نفطية في أرخبيل تشاجوس أو بالقرب منه وهو ما تلتزم به بريطانيا قانونًا[iii].

ومن ثم فإن أرخبيل تشاجوس يكون قد شهد نزاعين مختلفين أحدهما بين السكان الأصليين لجزر تشاجوس وإعادة توطينهم مرة أخرى ببلادهم وهو نزاع قضائي بينهم وبين الحكومة البريطانية ونزاع أخر بين موريشيوس وبريطانيا من أجل تحديد السيادة على الجزر خاصة بعد قيام بريطانيا باتخاذ قرار ترسيم الحدود البحرية للجزر وترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لها دون التشاور أو الرجوع الى موريشيوس وفقًا لتعهدات بريطانيا السابقة.

وفي هذا السياق، وفي يونيو 2015 قضت المحكمة العليا في بريطانيا بعدم أحقية مواطني جزر تشاجوس للعودة إلى ديارهم مع توصية المحكمة في يونيو 2016 بضرورة دراسة جدوى إعادة توطين هؤلاء السكان في الأرخبيل، ثم عادت المحكمة في نوفمبر 2016 وحكمت بعدم السماح بإعادة التوطين مرة أخرى وسعي المحامين لاستئناف الحكم حتى تحقق لهم ذلك في يوليو 2019[iv].

وعلى صعيد آخر، وفي يونيو 2017 عرضت موريشيوس الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب فتوى محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية لفصل أرخبيل تشاجوس عن موريشويس قبل الاستقلال، وبدعم قوي من الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية الاعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد جهود دبلوماسية كبيرة نجحت موريشيوس في الحصول على أغلبية 94 صوت مقابل 15 صوت لبريطانيا مع امتناع 65 دولة عضوًا عن التصويت لطلب الفتوى من محكمة العدل الدولية[v].

وطلبت الجمعية العامة من المحكمة تقديم المشورة بشأن العواقب القانونية الناشئة عن استمرار إدارة الممكلة المتحدة لأرخبيل تشاجوس بموجب قواعد القانون الدولي، مع الإشارة بوجه خاص إلى عجز موريشيوس عن إعادة توطين رعاياها بما في ذلك من هم من أصول تشاجوسية في الجزر مرة أخرى[vi].

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بفتوى محكمة العدل الدولية في 25 فبراير 2019 بشأن العواقب القانونية لفصل أرخبيل تشاجوس عن موريشيوس عام 1965، ويطالب المملكة المتحدة بسحب إدارتها الاستعمارية دون قيد أو شرط من المنطقة في أسرع وقت ممكن[vii].

وقد صدر قرار الجمعية العامة بأغلبية 116 صوتًا مقابل 6 أصوات هي (أستراليا، بلغاريا، إسرائيل، ملديف، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية) مع امتناع 56 عضوًا عن التصويت، وبالتالي ستتمكن موريشيوس من إنهاء استعمار أراضيها في أقرب وقت ممكن، كما حثت المحكمة بريطانيا على ضرورة التعاون مع موريشيوس لتسهيل إعادة توطين رعاياها بمن فيهم من أصل تشاجوسي وألا تشكل عقبة أمام تلك الجهود[viii].

وختامًا نجحت الدبلوماسية الأفريقية بشكل عام ممثلة في الهيئة القانونية التي تم تشكيلها في الاتحاد الأفريقي في خوض واحدة من المعارك الضارية ضد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لانتزاع اعتراف وفتوى من محكمة العدل الدولية، مؤيدة بدعم دولي من الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن إنهاء الاستعمار وإدارة بريطانيا لجزر تشاجوس رغم ما تعرض له الفريق القانوني من مضايقات وتأخير حصولهم على التأشيرات اللازمة من أجل حضور أحد الاجتماعات الدولية بلندن بدعوى استكمال الإجراءات القانونية وماطلت في إعادة جوار السفر الدبلوماسي للسيدة نميرة نجم رغم طلب استرداده دون الحصول على تأشيرة لبريطانيا.

إلا أن عدم اعتراف بريطانيا بفتوى محكمة العدل الدولية باعتباره رأيًا استشاريًّا غير ملزم لها يجعل من الأمر أكثر صعوبة بشأن إنهاء استعمار بريطانيا لجزر موريشيوس، وإعادة توطين المواطنين المهجرين سيحتاج إلى المزيد من الجهود سواء الدبلوماسية أو الضغوط التي يمكن أن تمارسها الدول الأفريقية منفردة أو مجتمعة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي من أجل إجبار بريطانيا على تنفيذ والالتزام بفتوى محكمة العدل الدولية، سواء من خلال منع الشركات البريطانية العمل والاستثمار في الدول الأفريقية كذلك مقاطعة الدول الأفريقية للمنتجات البريطانية، وكذلك رفض تصدير أي منتجات أفريقية لها، وهو ما قد يؤدي إلى تحقيق نتائج قوية للضغط على الحكومة البريطانية للرضوخ والالتزام بقرارت الأمم لمتحدة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، استمرار الجهود الدبلوماسية من قبل الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي والعمل على استصدار قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة استمرار الاحتلال البريطاني للأراضي الأفريقية، ومحاولة إصدار قرار من مجلس الأمن رغم إمكانية استخدام حق النقض ضدها هذا بجانب الضغوط الاقتصادية والسياسية.


[i] Peter Sand, The Chagos Archipelago– Footprint of Empire, or World Heritage?,in Environmental Policy and Law,(Amsterdam. IOS Press, Vol. 40, NO.4, 2010)P. 232

[ii] United Nation, Reports on international Arbitral Awards 18 March 2015, ( New york , United nation ,VOLUME XXXI ,2018)P.P., 374-375

[iii] Ibid., P.P., 582-583

[iv] Jon Lunn, Disputes over The British Indian Ocean Territory, Briefing Paper, (London, House of Commons Library, No.,6908, 17 December2019)P.P., 2-3  

[v] من الجدير بالذكر أن بريطانيا وأمريكا قد لاقتا فشلأ كبيرًا في الحصول على الأصوات الكافية من أجل منع موريشيوس من طلب فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الوضع القانوني لجزر تشاجوس حيث امتنعت 65 دولة عن التصويت بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي كان من المتوقع أن تصوت لدعم عضوٍ، ومن بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين أمتنعوا عن التصويت فرنسا وألمانيا وإسبانيا والدنمارك وبلجيكا وهولندا وإستونيا ولاتفيا واليونان وفنلندا وسويسرا، وهو ما يرجعه العديد من الخبراء إلى أنه نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك نتيجة للتأثير الدبلوماسى المحدود الذي مارسه وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون في الأمم المتحدة.. للمزيد في ذلك انظر

https://www.theguardian.com/world/2017/jun/22/un-vote-backing-chagos-islands-a-blow-for-uk
[vi]General Assembly Adopts Resolution Seeking International Court’s Advisory Opinion on Pre-independence Separation of Chagos Archipelago from Mauritius, 22 June 2017 at : https://www.un.org/press/en/2017/ga11924.doc.htm

[vii] من الجدير بالذكر أن عدد 31 دولة عضوًا في الأمم المتحدة قدمت بيانات مكتوبة لمحكمة العدل الدولية توضح فيها الرأي القانوني بشأن الفتوى محل الدراسة منهم 10 دول أفريقية بالإضافة للاتحاد الأفريقي كمنظمة إقليمية، فضلًا عن قيام 21 دولة أفريقية ومنظمة الاتحاد الأفريقي بالمشاركة في المداولات الشفهية التي جرت خلال الفترة من 3 إلى 6 سبتمبر 2018 بشان النزاع، وهو الأمر الذي يؤكد على الدور الفعال للدبلوماسية الأفريقية، والرغبة الأكيدة من قبل الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي في إنهاء استعمار جزء من الأراضي الأفريقية كذلك القوة التصويتية للدول الأفريقية مجتمعة، حيث لم تمتنع أي دولة أفريقية عن التصويت أو تصوت عكس الاجماع الأفريقي… للمزيد انظر في ذلك

Legal Consequences of the Separation of the Chagos Archipelago from Mauritius in 1965 at : https://www.icj-cij.org/en/case/169

[viii] General Assembly Welcomes International Court of Justice Opinion on Chagos Archipelago, Adopts Text Calling for Mauritius’ Complete Decolonization, 22 May 2019 at : https://www.un.org/press/en/2019/ga12146.doc.htm



[i] Victor Kattan, The Chagos Advisory Opinion and the Law of Self-Determination, in Asian Journal of

international Law, ( Cambridge , Cambridge University Press, Vol. 10, Issue 1, January 2020), P.P.,12-13

[ii] Charles R. C. Sheppard (et.al), British ocean Territory (The Chagos Archipelago): Setting Connections and The Marine protected area in C.R.C. Sheppard (ed.), Coral Reefs of the United Kingdom Overseas Territories, (Geneva, Springer Nature, 2013), P.P.224-225

[iii] Victor Kattan, The Chagos Advisory….. OP.CIT., P. 14