حسام عيد – محلل اقتصادي

غموض وريبة وخطر مكتوم يكتنف محاولات التطرق لملف حقوق الإنسان في تنزانيا، وهذا ما حدث بالفعل عندما طالب زعيم حزب معارض، البنك الدولي بحجب قرض للحكومة بسبب انتهاكات ضد الشعب والمجتمع المدني، سواء عبر القمع أو تكميم الأفواه، حتى بلغت أقصاها بمطاردة طالبات المدارس، وإقالة وزيرين لمجرد رفضهما الامتثال لقرار رفع أسعار الكاجو 94% والذي لم يعرض بالأساس على البرلمان.

زيتو كابوي، رئيس حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية المعارض في تنزانيا، يتعرض اليوم لتهديدات بالقتل، البرلمان وصف مطالبته البنك الدولي بحجب القرض بـ”الخيانة”، في حين دعا أحد نواب الحزب الحاكم إلى قتله.

ولطالما تظل حقوق الإنسان في تنزانيا عائقًا كبيرًا لأي جهود أو خطط تنموية؛ فسياسات وممارسات السلطات تضع البلاد أمام أزمة فجوة تمويلية بعد تجميد مساعدات المانحين الدوليين بسبب الانتهاكات المتزايدة.

تهديدات بالقتل بسبب قرض البنك الدولي

في جلسة برلمانية يوم الجمعة الموافق 31 يناير 2020؛ وصف رئيس البرلمان جوب ندوغاي خطاب زعيم المعارضة زيتو كابوي بأنه “خيانة”، وربطه بالأفعال التي أدت إلى عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو اتهام ينفيه كابوي.

وقال: “ترامب يواجه العزل؛ لأنه كان يتآمر مع دول أجنبية للتدخل في القضايا الداخلية للولايات المتحدة، لدينا عضو في البرلمان شارك في أعمال مماثلة مثل ترامب، من الواضح أن هناك عنصرًا من عناصر الخيانة”.  

ودعا عبدالله بوليمبو، من حزب تشاما تشا مابيندوزي الحاكم، إلى القضاء على “كابوي”، قائلًا: “هناك رجل واحد أخذ قضايانا خارج البلاد، ولا ينبغي السماح له بالعودة، ولكن يجب قتله أينما كان. الخيانة! ما فعله السيد زيتو كابوي هو الخيانة في بلدنا”.

فيما قال مسؤول لجنة الشباب في الحزب الحاكم، كيناني كيهونجوسي -في اجتماع للحزب بنهاية الأسبوع الأخير من يناير الماضي- إن الأشخاص الذين “يشوهون” تنزانيا يستحقون القتل.

وقال: “لقد سئمنا من عدد قليل من الناس غير المجديين الذين يشوهون بلدنا، لكننا تعبنا من أولئك الذين يستخدمهم المستعمرون”.

وتمادى في خطابه المؤجج للفتن، قائلًا: “أنا أحث الشباب على الكتابة عن الخير الذي تقوم به الحكومة، لكن أيضًا لا يتردد في انتقاد من يقوضون أمتنا، فهم أعداؤنا الأولون ويستحقون القتل”.

حملة استهداف ممنهجة ضد زعيم المعارضة

حزب التحالف من أجل التغيير والشفافية المعارض، أوضح أن الحزب الحاكم يدير “حملة نظامية” ضد “كابوي”، ولكن “هذه الحملة اتخذت لهجة مظلمة ومهددة في 31 يناير 2020”.

في الأسبوع الماضي، كان رد فعل زعيم حزب المعارضة زيتو كابوي على منتقديه في مقابلة مع تلفزيون “بي بي سي ديرا” في لندن، قائلًا: “يجب أن يعلموا أن كونك وطنيًّا لا يعني أن تكون مخلصًا للحكومة ولكن للبلد… وليس هناك وسيلة للتعبير عن الوطنية أكثر من انتقاد الحكومة عندما تفعل الخطأ”.

قرض البنك الدولي ومخاوف تتعلق بحقوق الإنسان

ووفقًا لوثيقة البنك الدولي التي تحدد القرض المقترح، مُنع حوالي 5500 فتاة من مواصلة تعليمهن في المرحلة الثانوية بعد أن أصبحن “حوامل” في عام 2017.

في الأسبوع الماضي، حث رئيس تنزانيا جون ماجوفولي، المسؤولين الحكوميين على تجاهل منتقدي السياسة قائلًا: “لقد جاء نائب رئيس البنك الدولي إلى هنا العام الماضي، سوف يعطوننا أموالًا لمعرفة موقف تنزانيا وما الذي نفعله، بقية الناس ليسوا سوى صانعي ضوضاء، ولا تستجيب لهم حتى”.

البنك الدولي يؤجل قراره بشأن القرض

ورغم تصريحات رئيس البلاد ماجوفولي، فقد أفادت تقارير بنهاية الأسبوع الماضي، أن البنك الدولي أجل قراره بشأن ما إذا كان يجب المضي قدمًا في قرض بقيمة 500 مليون دولار لتمويل التعليم في تنزانيا بعد ضغوط من نشطاء المجتمع المدني.

وكان البنك قد حجب قرضًا قيمته 300 مليون دولار في عام 2018 وسط مخاوف من سياسة البلاد في طرد الفتيات الحوامل من المدرسة.

وكان تحالف من الناشطين التنزانيين قد خاطبوا البنك الدولي بما يفيد أن الموافقة على القرض ستعتمد “السياسة التمييزية” المتمثلة في إبعاد الفتيات الحوامل عن المدارس.

عزلة وفجوة تمويلية بسبب القمع والانتهاكات

وكان العام المالي 2018/ 2019 قد شهد توقف الدعم الخارجي لموازنة تنزانيا؛ على خلفية الجدل القائم بين الحكومة التنزانية والمانحين الدوليين بشأن إدارة الحكم للسياسات الاقتصادية والمالية في البلاد، ووفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي التنزاني، فإن الجهات المانحة قدمت 0.016% فقط من الأموال المخصصة للمشروعات الحكومية حتى نوفمبر 2018، مما أجبر الحكومة على تمويل هذه المشروعات كي لا تتوقف.

وتكشف المراجعة الاقتصادية الشهرية لبنك تنزانيا أن الـ271 مليون دولار، التي أُنفقت على مشروعات التنمية في تنزانيا كانت بتمويل من الدولة، في حين ساهم المانحون بـ43.353 دولار فقط.

وعلى مدار عام 2018، كانت إدارة الرئيس التنزاني جون ماجوفولي، على خلاف مع المانحين الدوليين، بسبب أمور تتعلق بقضايا حقوق الإنسان في البلاد.

ويؤكد الاتحاد الأوروبي في المرحلة الحالية أنه يعيد النظر بشكل كامل بشأن علاقته مع تنزانيا.

وختامًا يمكن القول: إن الانتهاكات التي تمارسها تنزانيا بحق مواطنيها قد تضعها تحت طائلة القانون الدولي والعقوبات القاسية.

فالشعب بكافة فئاته، هم الاستثمار الحقيقي من أجل مستقبل أفضل لتنزانيا إذا رغبت في تسريع جهود التنمية والنهوض باقتصادها، فبدلًا من اتباع سياسات القمع وتكميم الأفواه والتخوين، عليها احتضان الجميع تحت هدف واحد وهو إعلاء قيمة البلاد.