كتب . محمد الدابولي

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم عن مقتل زعيم تنظيم داعش «أبو بكر البغدادي» وعدد من مرافقيه في مدينة إدلب شمال سوريا، إثر هجوم نفذته وحدة من القوات الخاصة الأمريكية على المعقل الأخير لزعيم التنظيم الإرهابي، وأشار ترامب إلي أن البغدادي قتل بعد تفجير سترته الناسفة.

بموت البغداي تلقى داعش ضربة قوية خاصة مع النجاحات المتلاحقة التي يحققها كل من قوات التحالف الدولي والجيش العراقي والجيش السوري وأيضا المجموعات القتالية الخاصة بالأكراد في ملاحقة فلول التنظيم الإرهابي.

ففي نهاية عام 2017 كان الجيش العراقي تمكن من تحرير الموصل وفي ذات الإطار تمكن نظيره السوري من تحرير الرقة ومنذ ذلك تواتر العديد من التحليلات المتناولة لمستقبل التنظيم في ظل انحسار دولته في سوريا والعراق، وأغلب تلك التحليلات ذهبت إلي أن التنظيم قد يعمل على تعزيز  تواجده في حواضن جديدة تتسم بالهشاشة الأمنية ومن أبرزها القارة الأفريقية.

أولى التنظيم منذ إعلان خلافته المزعومة في يونيو 2014 اهتماما ملحوظا بالقارة الأفريقية، معتمدا علي أرضية من التنظيمات الإرهابية زرعتها القاعدة في شمال وشرق وغرب القارة الأفريقية، ففي مارس 2015 أعلن تنظيم بوكو حرام في شمال نيجيرا مبايعته لتنظيم داعش وتحول اسم التنظيم إلي ولاية غرب أفريقيا، أما في الصومال فقد أسس التنظيم ولاية الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن في أكتوبر 2015 عبر انشقاق عدد من المنتمين لحركة الشباب واعلان مبايعتهم لأبوبكر البغداي، وفي يوليو 2019 جدد عبد القادر مؤمن مبايعته لتنظيم داعش بقيادة أبوبكر البغدادي، وبين التواجد الداعشي في الصومال ونيجيريا انتشرت العديد من الجماعات الموالية للتنظيم في جنوب ليبيا ودول الساحل الأفريقي وبوركينافاسو والكنغو الديمقراطية وموزمبيق، ويدور التساؤل حاليا حول مصير التنظيم الإرهابي وأفرعه المنتشرة حول العالم خاصة القارة الأفريقية وهو ما سيتم تناوله في النقاط التالية:

استعداد مسبق

في 29 أبريل كان الظهور المرئي الأخير لأبوبكر البغداي وفيه تحدث عن وضع التنظيم والعمليات الإرهابية التي تم ارتكابها، وفي هذا الحديث تمت الإشارة إلي بؤر جديدة نجح التنظيم في مد نشاطاته إليها مؤسسا العديد من الجماعات الإرهابية بها مثل الكنغو الديمقراطية ودول الساحل الأفريقي وبوركينافاسو، وأرض الحبشة.

يتضح من التسجيل المرئي الأخير للبغدادي أن التنظيم قد وضع العدة لمرحلة ما بعد البغدادي في ظل الضربات التي يتلقاها التنظيم في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق فالتسجيل جاء بعد خسارة التنظيم لمعاقله في الباغوز (مارس 2019) شمال سوريا ومقتل نحو 500 مقاتليه، لذا فالتسجيل المرئي الأخير للبغدادي من شأنه دعوة صريحة لأتباعة بالولوج إلي المناطق الجديدة خاصة في أفريقيا باعتبارها أرض الجهاد الجديدة. 

ضباع متربصة

مما لا شك فيه أن التنظيم حاليا ويقصد هنا (القيادة المركزية لتنظيم داعش) يمر بمرحلة عدم اتزان واضطراب في ظل الضربات المتلاحقة وتصفية كوادرها التنظيمية والشرعية، ويتوقف مصير التنظيم حاليا حول مدي قدرة قيادات التنظيم في لملمة شمل التنظيم في سوريا والعراق ومبايعة خليفة جديد للبغدادي الذي من المحتمل أن يكون «عبد الله قرداش» المسئول الأول عن إعداد الهجمات الانتحارية في التنظيم.

أما باقي أفرع التنظيم المنتشرة حول العالم فهي حاليا في وضع تربص وتأهب انتظارا لما ستؤول إليه الأمور في التنظيم الأم ومدي إمكانية بيعة قائدا للتنظيم، وفي حال بيعة أحد القادة يتوجب عليه كسب ثقة أفرع التنظيم المنتشرة حول العالم خاصة في أفريقيا التي ستلعب دورا محوريا في تشكيل مستقبل التنظيم.

مآلات التنظيمات الداعشية في أفريقيا

استنادا للنقطة السابقة فإن التنظيمات الداعشية في أفريقيا تنتظر مبايعة قائدا جديدا للتنظيم حتي يتم إعلان الولاء والبيعة له، إلا ثمة أمور ينبغي التطرق إليها وهي ما مصير الجماعات الداعشية في أفريقيا في حال انهيار التنظيم الأم والفشل في مبايعة قائد جديد أو حتي لم ينجح القائد الجديد في اكتساب ثقة التنظيمات الأفريقية فإن مصير تلك التنظيمات الإرهابية  سيكون واحدا من السيناريوهات التالية:

  • تولي زمام المبادرة وإعلان الخلافة الأفريقية: قد تلجأ أفرع داعش في أفريقيا إلى تجاوز مسألة البيعة الداخلية وتعلن من تلقاء نفسها إعلان الخلافة الإسلامية في أفريقيا وتنصب زعيمها خليفة للمسلمن ولعل بوكو حرام هي الأقرب لتلك الحالة فالتنظيم الذي نشأ في شمال نيجيريا سبق أن أعلن الخلافة في عام 2014 في إطار منفصل قبل العودة وإعلان مبايعة البغدادي وداعش  في مارس 2015 لذا من المحتمل أن يلجأ التنظبم إلى تدشين خلافته في غرب أفرلايقيا خاصة ان مسيطرا على عدد من المدن والأقاليم المحيطة ببحيرة تشاد فضلا عن وجود العديد من الحواضن الشعبية الداعمة للتنظيم في بحيرة تشاد وشمال الكاميرون.
  • العودة لحضن القاعدة: في انهيار تنظيم داعش تماما أو فشل القيادة الجديدة في اكتساب ثقة التنظيمات الفرعية في أفريقيا فإن بعض من تلك التنظيمات سيكون مصيرها العودة من جديد إلى حضن تنظيم القاعدة والعمل داخل إطاره ومن المرجح أن تكون التنظيمات الداعشية في منطقة الساحل وبوركينافاسو هي الأقرب لهذا الخيار في ظل تنامي الدور التنظيمي وافرهابي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة في منطقة الساحل الأفريقي وفشل دول المنطقة في مواجهتها.
  • التشرذم والانقسام: من المؤكد أن التنظيمات الإرهابية في أفريقيا الموالية لداعش ستتعرض خلال الفترة المقبلة إلي مزيدا من التشرذم والتفكك فيظل تعدد الخيارات المتاحة أمام عناصر التنظيما ما بين العودة للقاعدة او الثبات على البيعة لداعش أو أي أمر أخر.
  • العمل في سياق منفرد:  هذا السيناريو قد تلجأ عدد من الجماعات الموالية لداعش في أفريقيا إلى اتباع استراتجية العمل في سياق منفرد بعيدا عما ستؤول إليه الأمور في التنظيم الأم في سوريا أو حتي ارتباط بعض التنظيمات بالقاعدة مرة أخري.
  • تعزيز الحواضن الشعبية: منذ عام 2016 بدأ تنظيم داعش في تعزيز حواضنه الشعبية في أفريقيا عبر استغلال الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها العديد من الدول الأفريقية، ففي أغسطس 2016 تم تنحية أبو بكر  شيكاو  الذي يتسم بالدموية الشديدة والهمجية وتم تعيين أبو مصعب البرناوي الذي خط استراتيجية جديدة لداعش في غرب أفريقيا قائمة على الكف على استهداف المدنيين باعتبارهم عناصر محتملة يمكن تجنيدهم في المستقبل فضلا عن الحصول على المواردا والإتاوات المالية منهم، وخلال تلك الفترة من 2016 وحتي 2019 نجح بوكو حرام في تمديد حواضنه الشعبية على ضفاف بحية تشاد خاصة في شمال الكاميرون الذي بات يعاني من انتهاكات جسيمة يرتكبها أفراد الجيش الكاميروني.

وفي سياق الحديث عن تعزيز الحواضن الشعبية لداعش في أفريقيا ينبغي الإشارة إلي نجاح التنظيم في التماس مع المشكلات الاجتماعية والسياسية في الكنغو الديمقراطية حيث أطر التنظيم العديد من الميليشيات المسلحة في الكنغو الديمقراطية بأيدلوجية التنظيم المتطرفة مما أهل الكنغو  لتصبح ولاية وسط أفريقيا أو مدينة التوحيد والموحدين.

وختاما..نقول أن التنظيمات الموالية لداعش في أفريقيا قادرة على امتصاص أزمة مقتل البغدادي فالخيارات أمامها واسعة في ظل انهيار العديد من الدول الأفريقية وعدم قدرتها على مواجهة التنظيمات الإرهابية وتأمين حدودها، فتلك التنظيمات تتخذ من أفريقيا المدارية الممتدة من الصومال إلي نيجيريا مسرحا هاما لعملياتها الإرهابية، كما أن تلك التنظيمات مازالت في مأمن من عمليات المقاومة لها نظرا لضعف الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب في افريقيا فضلا عن ضعف الجيوش الأفريقية في مواجهة الإرهاب.