كتب – محمد الدابولي

خلال السنوات الأخيرة باتت مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود عاصمة للدبلوماسية الروسية، تُحاك فيها أطر السياسة الخارجية الروسية تجاه دول العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، ففي الفترة الأخيرة احتضنت المدينة المفاوضات (فبراير 2019) التي رعتها موسكو لأجل إنهاء الصراع والحرب الأهلية في سوريا، ومن المقرر أيضا خلال الأسبوع الجاري أن تشهد فعاليات القمة الروسية ـ الأفريقية والتي تعد الأولي من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي هذا الإطار أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية دمتري بيسكوف أن 47 من رؤساء الدول الأفريقية أكدوا مشاركتهم في القمة.

وتترقب حاليا وسائل الإعلام الروسية والأفريقية والدولية فعاليات القمة المنتظرة بين الجانبين والمقرر انعقادها يومي 23 و 24 أكتوبر ، ويأتي الاهتمام الاعلامي بالقمة المنتظرة ومخرجاتها التي من المقرر أن تدشن المنتدي الروسي الأفريقي على غرار المنتدي الصيني الأفريقي، بسبب اتجاه السياسة الخارجية الروسية خلال السنوات الأخيرة لتوسيع علاقتها مع دول العالم الثالث ومنافسة السياسة الخارجية لكل من الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروربي.

أولا. عودة من جديد

مرت العلاقات الروسية الأفريقية منذ استقلال الدول الأفريقية عن الاستعمار الأوروبي بالعديد من المنعطفات التارخية الحادة فمن التبادل والتفاعل الشديد بين الطرفين إلي حالة الجمود التام في العلاقات لعقود طويلة وأخيرا العودة من جديد.

ففي وقت سابق من ستينيات وسبعينيات القرن العشرين كانت القارة الأفريقية مسرحا هاماً للحرب الباردة بين القطبيين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (تفكك عام 1991 وتعد روسيا الاتحادية هي الوريث التاريخي للاتحاد السوفيتي)، فخلال تلك الفترة دعم الاتحاد السوفيتي العديد من دول القارة الأفريقية في إطار مواجهة ما يسمى الإمبرايالية العالمية، فمثلا تم دعم نظام هيلا ميريام منجستو في إثيوبيا، كما دعمت موسكو السوفيتية «الحركة الشعبية لتحرير أنجولا ـ MPLA» عام 1975، كما تم دعم العديد من حركات التحرر الأفريقية مثل «المؤتمر الوطني الأفريقي ـ ANC» في جنوب أفريقيا.

لم تشأ حالة التفاعل بين الجانبين أن تستمر حيث اصطدمت بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 الأمر الذي ترتب عليه إيقاف المساعدات والدعم السوفيتي للدول الأفريقية الحليفة لموسكو  في ذلك الوقت، ودخلت العلاقات بين الجانبين مرحلة الجمود والخمول استمر  إلي ما يقارب ثلاثة عقود متواصلة اقتصرت فيها العلاقات الروسية الأفريقية على مسألة التبادل الدبلوماسي والعلاقات الثنائية بين روسيا وبعض الدول الأفريقية مثل مصر والجزائر وأنجولا وجنوب أفريقيا والتي كان أغلبها منحصرا في الشق العسكري.

إلا أنه في عام 2014 ونتيجة للعديد من المتغيرات الإقليمية والدولية مثل أحداث الربيع العربي وانفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وإعلان انضمامها لروسيا أقدمت روسيا على تبني سياسة خارجية مفادها إعادة الانفتاح علي دول العالم ومنها الدول الأفريقية وتبني سياسة خارجية نشطة تعزز الرؤية الروسية في السلم والأمن الدولي.

ثانيا. إرهاصات تشكيل المنتدي الروسي الأفريقي

 وإزاء ذلك شهدت الفترة من 2014 وحتي 2019 العديد من الإرهاصات السياسية والدبولوماسية التي كان من شأنها دفع العلاقات الروسية الأفريقية نحو مزيد من التعاون البناء بين الجانبين ومحاولة كل طرف استكشاف نوايا الطرف الأخر إزاء ما يخصه من قضايا ومتطلبات، ومن أبرز تلك الإرهاصات:

  • استثمار العلاقات المصرية ـ الروسية: شهدت العلاقات المصرية الروسية خلال السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا على كافة الصعد السياسية والاقتصادية حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلي 7.66 مليار دولار لعام 2018 حسبما أفادت به الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، كما تشهد منطقة قناة السويس إنشاء منطقة صناعية روسية تعد الأولي من نوعها خارج روسيا، كما تم الاتفاق بين الجانبين في ديسمبر 2017 على إنشاء مشروع إنتاج الطاقة النووية في منطقة الضبعة، وتسعي روسيا إلي نقل تلك التجربة إلي باقي الدول الأفريقية.

لعبت موسكو على استثمار تقاربها مع القاهرة  في تحقيق انفتاحها على دول القارة الأفريقية، حيث تأتي القمة الروسية الأفريقية برئاسة كل من روسيا ومصر باعتبارها رئيس الاتحاد الأفريقي خلال الدورة الحالية حيث لعبت القاهرة خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي في تعزيز انفتاح أفريقيا على دول العالم ونقل قضاياها إلى المجتمع الدولي وتحقق هذا في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2019 وقمة التيكاد 7 التي عقدت في العاصمة اليابانية طوكيو نهاية أغسطس 2019.

  • الفيتو الروسي في صالح أفريقيا: لتحقيق مزيد من التقارب مع الدول الأفريقية عملت روسيا على تنسيق مواقفها مع الأعضاء الغير  الدائمين من الدول الأفريقية في مجلس الأمن لصالح قضايا القارة الأفريقية ففي يناير 2019 عملت روسيا وجنوب أفريقيا وكوت ديفوار وغينيا الاستوائية على احتواء الأزمة السياسية في الكونغو الديمقراطية علي خلفية الانتخابات التي شهدتها وعدم تدويل الأزمة داخل أروقة الأمم المتحدة،  وفي إبريل 2019 حال التحالف الروسي الأفريقي في مجلس الأمن من استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في ليبيا وإدانة الجيش الليبي.
  • تعزيز العلاقات الثنائية والزيارات المتبادلة: في دراسة أعدها الباحث باول سترونسكي عن العلاقات الروسية الأفريقية نشرت على موع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أكد أن الفترة من عام 2015 و2019 شهدت زيادة في حجم الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين، حيث تمت خلال تلك الفترة 12 زيارة رسمية قام بها قادة أفارقة لروسيا منها ستة زيارات في عام 2018.

وفي المقابل قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة خمس دول أفريقيا في مارس 2018 وفي يونيو من نفس العام قام أيضا بزيارة جنوب أفريقيا وروندا، كما شهد عام 2018 زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف لكل من أنجولا والجزائر وجنوب أفريقيا.

  • البريكس والتمهيد للمنتدي: تولدت فكرة عقد لقاء يضم القيادة الروسية والقادة الأفارقة خلال مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعمال قمة البريكيس يوليو 2018 في جنوب أفريقيا، فخلال القمة أكد بوتين رغبته في عقد منتدي روسي أفريقي لتنمية العلاقات بين الجانبين.
  • مؤتمر برلماني واقتصادي قبيل القمة: مؤتمر القمة المرتقب لن يكون الأول من نوعه في إطار العلاقات بين روسيا والدول الأفريقية، فموسكو حرصت خلال الشهور الماضية على تنظيم العديد من الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي مهدت لقمة سوتشي ومن أبرز تلك المؤتمرات المؤتمر البرلماني الروسي الأفريقي الذي عقد في 3 يوليو 2019 وسبقه المؤتمر الاقتصادي الروسي الأفريقي في 21 يونيو والذي حضره قرابة ألف مندوب أفريقي حسبما صرح رئيس مركز التصدير الروسي أندريه سلبينف لوكالة تاس الروسية، وأتي المؤتمر الاقتصادي تحت رعاية مركز التصدير الروسي و«البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير – Afreximbank »

ثالثا. محاور المنتدي الروسي الأفريقي

ستبدأ فعاليات المنتدي الروسي الأفريقي صباح الأربعاء 23 أكتوبر بكلمة للرئيس الروسي فلاديميير بوتين وكلمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ثم تنطلق فعاليات المنتدي التي يمكن تصنيفها إلى أربع محاور رئيسية وهي الاهتمام الروسي بالثروات الطبيعية والمعدنية الأفريقية وتطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية وتدشين المشروعات التي تخدم اهدافا انسانية واجتماعية وأخيرا التحول الرقمي وخطورة الأمن السيبراني.

  • المحور الأول. الاهتمام الروسي بالموارد الطبعية والمعدنية الأفريقية: بدا واضحا من الموضوعات التي يتناولها المؤتمر أن روسيا تولي اهتماما واسعا بالثروات الطبيعية والمعدنية التي تذخر  بها أفريقيا حيث سيبحث المنتدي أفق التعاون بين الجانبين في صناعة الماس حيث تعد شركة ألروسا من أبرز الشركات الروسية في صناعة الماس العاملة في أفريقيا، فضلا عن توسيع أفق التعاون بين الجانبين في مجال الطاقة حيث تحتوي أفريقيا على 7.5% من الاحتياطي العالمي للنفط، كما ستناقش فعاليات المنتدي أطر الاستفادة من الموارد المعدنية المدفونة في أفريقيا مثل الذهب والبوكسيت والكوبالت.
  • المحور الثاني. تطوير العلاقات الاقتصادية: الجزء الأكبر من فعاليات المنتدي سيتناول تأثير  وسائل  الاعلام علي تطور العلاقات الروسية الأفريقية وإمكانية مشاركة روسيا في مشاريع البنية الأساسية الأفريقية وإمكانية تطوير الاستثمار الروسي في أفريقيا حيث من المرجح أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا نحو 29 تريليون دولار بحلول عام 2050، وتشير الاحصائيات إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بلغ حوالي 20 مليار دولار لعام 2018.

ولعل النقطة البارزة في هذا المحور هو تخصيص ورشة خاصة لمناقشة إمكانية تطوير المنطقة الصناعية الروسية في مصر وإحتمال تكرار التجربة سواء داخل مصر أو في باقي الدول الأفريقية وسيحاضر في تلك الورشة رئيس منطقة قناة السويس الاقتصادية يحي زكي.

  • المشروعات التي تخدم أهدافا إنسانية: سيناقش المنتدي أيضا موضوعات المشاريع ذات الأبعاد الانسانية والاجتماعية من تطوير القطاع الصحي والنقل والسلامة الإحيائية من الأمراض والأوبئة وتطوير  النظم الصحية في الدول الأفريقية.   
  • التحول الرقمي والتحدي السيبراني: يناقش المنتدي أيضا سبل التحول الرقمي كمحرك لتطوير الدول الأفريقية وتعزيز القدرات الأفريقية في مواجهة التحديات التحديات السيبرانية وأثرها زعزعة سيادة الدول الأمر الذي قد يعرض الادول الأفريقية لخسائر فادحة.

وأخيرا.. تسعي روسيا من خلال المنتدي المزمع إقامته إلي تعزيز علاقتها مع الدول الأفريقية حيث بشر  رئيسها فلاديميير بوتين خلال تصريحاته الصحفية اليوم لوكالة أنباء تاس بتقديم مساعدات غير مشروطة مخالفا للسياسية الاستغلالية الغربية في التعامل مع أفريقيا التي تقاضي مصالحها بتقديم معونات للدول الأفريقية، وتاتي المساعدات الغير مشروطة الروسية أملا في الترويج لروسيا كشريك تجاري هام لأفريقيا منافسا للدور الصيني والياباني والأمريكي، وأيضا تطوير العلاقات العسكرية بين الجانبين، حيث أوضح بوتين أن بلاده تزود 30 دولة أفريقية بالسلاح كما أعلنت  Almaz-Antey لصناعة الأسلحة الروسية أن المنتدي سيكون فرصة مواتية لعرض الأسلحة الروسية على الدول الأفريقية خاصة منظومتي صواريخ إس 400 وإس 300.