بقلم/ د. نرمين توفيق

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية والحركات المتطرفة

كشفت التسريبات التي بثتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في الفترة الماضية والتي وردت في مكالمة هاتفية بين رجل أعمال مقرب من تميم بن حمد أمير قطر ويدعي خليفة كايد المهندي والسفير القطري في الصومال حسن ين حمزة بن هاشم، الدور التخريبي الذي تمارسه الدوحة في الصومال وعلاقتها بالإرهابيين هناك، حيث قال خليفة المهندي وفقًا للصحيفة الأمريكية “إن مسلحين نفذوا تفجيرات ميناء بوصاصو لتعزيز مصالح قطر.. أصدقاؤنا قاموا بالتفجير.. هذه الهجمات ستجبرهم على الهرب”.. تصريحاته تؤكد سعي قطر إلى إزاحة منافسيها من تلك المنطقة، حيث يقصد الإمارات وشركة موانئ دبي التي توجد في ميناء بوصاصو وأن الهدف من هذه الهجمات هو “طرد (الاستثمارات) الإماراتية بحيث لا تجدد العقود” لتحل محلها استثمارات قطرية.

هذه التصريحات لم تنفها قطر في البيان الرسمي الذي أصدرته بعد الضجة التي تلت الكشف عن الموضوع، رغم أنها حاولت التنصل من الصفة الرسمية للمهندي موضحة أنه لا يتحدث باسم الدولة، وأنه لا صفة رسمية له، متناسية أن الطرف الثاني في المكالمة كان السفير القطري الذي لم يبد اعتراضًا على كلام المهندي، بالإضافة إلى أن المهندي ليس مجرد رجل أعمال وإنما هو من المقربين لتميم بن حمد أمير قطر، البعض يشير إلى أن المهندي ما هو إلا رجل استخبارات قطري يستتر تحت ثوب رجل الأعمال ليسهل عليه ذلك تمويل الإرهابيين الذين ينفذون الأجندة القطرية في هدم الدول، وتتهمه مصادر ليبية أنه حول مبالغ ضخمة من حساب له في مصرف تونس إلى الميلشيات الليبية.

كذلك لم ينف المهندي المكالمة الهاتفية، وقال لنيويورك تايمز إنه كان يتحدث هو والسفير القطري كمواطنين وليس كمسؤولين رسميين.

الغريب هو موقف الحكومة الصومالية التي أصدرت بعد نشر موضوع نيويورك تايمز بيانًا تشير فيه إلى أن قطر لا تدعم الإرهاب في الصومال، بدلا من استخدام التسجيل كدليل لإدانة قطر في المحافل الدولية في سعيها إلى استهداف المواطنين الصوماليين، وهذا يعكس أيضًا العلاقات الواضحة التي باتت تربط حكومة الرئيس الصومالي عبد الله فرماجو بالنظام القطري عن طريق فهد ياسين الذي يشغل منصب المدير العام للقصر الرئاسي في الصومال ومعروف أنه من المقربين من النظام القطري.

وقد علق ديفيد كيركباتريك أحد صحفيي نيويورك تايمز الذين حرروا القصة المرتبطة بالتسجيل لـ بي بي سي على الموضوع قائلا: إن المهندي أحد المقربين من النظام القطري، وتحديدًا الأمير تميم بن حمد، وأضاف أن المهندي قال نصًا إن “أصدقاءنا هم من نفذوا التفجير (الذي استهدف محكمة في بوصاصو في مايو الماضي)” بهدف طرد الإماراتيين.

وبوصاصو هي مدينة ساحلية تقع في منطقة شمال الصومال وفي التحديد في منطقة بونط لاند التي تتمع بحكم ذاتي وتطل على خليج عدن، أما الاتفاق الذي يتعلق به التسجيل المسرب، فهو خاص بميناء بوصاصو، إذ عقدت شركة موانئ “بي آند أو” المملوكة لحكومة دبي اتفاقا مع إقليم بونط لاند في أبريل 2017، وحصلت بموجبه الشركة على امتياز مدته 30 عاما للاستثمار في الميناء، بتكلفة 336 مليون دولار؛ لذا تسعى قطر إلى الضغط على الشركات الإماراتية لترك موانئ الصومال كي تحل هي محلها.

وقد وقع انفجار بوصاصو بشمال شرق الصومال في محيط محكمة بوصاصو يوم 11 مايو واستهدف سيارة رئيس محكمة الدرجة الأولى، لحظة دخوله مقر المحكمة في المدينة، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من السيارة وإصابة عدد من المواطنين، ونجا رئيس المحكمة أبو بكر عبد النور من الانفجار حيث لم يكن في السيارة لحظة وقوع التفجير، بل كان في مهمة عمل.

مع العلم أن التفجير الذي تقف وراءه قطر ليس العملية الإرهابية الأولى التي تتعرض لها بوصاصو، ففي شهر فبراير 2019 تم قتل بول أنتوني فورموزا رئيس عمليات شركة موانئ “بي.آند.أو” التابعة لحكومة دبي بإطلاق النار عليه، وقد أعلنت “حركة الشباب” الصومالية مسؤوليتها عن الهجوم، معللة فعلتها بأن فورموزا كان موجودا في الأراضي الصومالية بصورة غير مشروعة، وعليه في ضوء التسريبات الأخيرة يجب إعادة التحقيق في تلك العملية أيضا وما إذا كانت قطر تقف وراءها أم لا.

الموقف في القانون الدولي

أشار الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، خلال مداخلة هاتفية على فضائية “سكاي نيوز عربية” تعقيبا على التسريب، إلى أن السفير يعد المبعوث الرسمي للدولة، ومن ثم سواء كانت أحاديثه رسمية أو حتى غير رسمية فهو مسئول عن الذي قاله خصوصا وأن السفير القطري لم ينكر أو يشكك في صحة المكالمة، وأوضح أنه إذا قامت أي دولة من الدول أعضاء الأمم المتحدة بتقديم إخطارات رسمية إلى لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، ربما ينتج عنها طلب جلسة عاجلة لمجلس الأمن لفرض جزاءات على قطر، حيث إن الشغل الشاغل للمجتمع الدولي الآن استئصال شفقة الإرهاب والدول التي تمولها.

وتابع، أن الدول فرادى أو جماعات تستطيع أن تفرض جزاءات على قطر التي تمول الإرهاب، حتى بدون اللجوء لمجلس الأمن، ويرى أنه لا بد من أن يقوم الراي العام العالمي بالضغط من أجل تحريك الدعاوى ضد قطر في رعايتها ودعمها وتمويلها للإرهاب.

الأهمية الاستراتيجية للصومال

من الممكن أن يسأل سائل: لماذا تتواجد قطر بالصومال؟ الواقع يشير إلى أنه ليس فقط قطر من تسعى إلى السيطرة على الصومال، وإنما هناك العديد من القوى الأخرى التي سعت وتسعى للسيطرة على تلك الدولة التي انهارت في بداية التسعينيات من القرن العشرين، وذلك لأنها تعتبر من الدول الهامة في منطقة القرن الأفريقي، وتتميز بموقعها الاستراتيجي في هذه المنطقة التي تملك تأثيرًا مباشرًا على حركة التجارة العالمية بسبب إطلالها على عدد من المعابر المائية العالمية، كالمحيط الهندي ومضيق باب المندب والبحر والأحمر وخليج عدن، كما أنها تعد امتدادًا لأمن منطقة الخليج العربي بسبب قربها الجغرافي من دول الخليج العربي، وهي أيضا عضو في الجامعة العربية وذات أغلبية إسلامية.

وقد تكالبت القوى الدولية والإقليمية على هذه الدولة مستغلين حالة الفوضى التي تلت سقوط نظام الرئيس الصومالي سياد بري عام 1991 وما أعقبه من سقوط لمؤسسات الدولة، حيث باتت الصومال مثالًا للدولة الفاشلة، ودخلت في حرب أهلية من وقتها.

هذه الأجواء مهدت الطريق لظهور الحركات المتطرفة وعلى رأسها حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة أشد الحركات الإرهابية خطرًا وتهديدًا للأمن في الصومال وفي دول جوارها، واستطاعت الحركة منذ الإعلان عن نشأتها في 2007 السيطرة على أكثر من 85% من الصومال، وشنت هجمات مدمرة أسقطت مئات القتلى والجرحى داخل الصومال وخارجها، وقد أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية الحركة في فبراير 2008 ضمن منظمات الإرهاب الدولي، ووصفتها بأنها مجموعة متطرفة عنيفة ووحشية وعلى ارتباطٍ بتنظيم القاعدة.

التدخلات الخارجية في الصومال بدأت بعد فترة وجيزة من سقوط نظام سياد بري، من خلال العملية البرية التي قادتها أمريكا في الصومال في محاولة للسيطرة على هذه الدولة بموقعها الاستراتيجي عن طريق عملية “إعادة الأمل” عام 1992 غير أنها فشلت فشلا ذريعًا وخرج جنودها مهزومين من الصومال سريعا، غير أن محاولات أمريكا لم تتوقف في الإبقاء على حالة عدم الاستمرار في الصومال ووظفت إثيوبيا في تحقيق هذا الهدف.

التدخلات القطرية في الصومال ليست جديدة

ظهر مؤخرا أدوار مربية لقطر في تلك الدولة المنهارة في إطار سعيها لأن يكون لها موطء قدم في منطقة القرن الأفريقي، يثبت ذلك ما تم تداوله بخصوص الاتهامات التي وجهت لقطر بتمويل حركة الشباب الصومالية، عن طريق ممول الإرهاب الأول القطري عبد الرحمن النعيمي، المتهم بإرسال مبلغ 250 ألف دولار لحركة الشباب عام 2012 وفق تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية.